ديك الجن وورد بنت الناعمة

> محمد حسين الدَبَاء

> خرج ديك الجن وصديقه بكر بين الحقول والكدر يأخذ منهما مأخذه بين البساتين، وكانا قد دخلا أرضًا تابعة لأحد الأديرة النصرانية عن غير وعي منهما، فسمعا بين ظلال أشجارها أصوات صبايا يتسامرن ويتراقصن ويغنين، فاقتربا من الجمع، وأصاخا السمع حتى خرجت تنهيدة من ديك الجن لجمال الصوت الذي سمع، فانكشف أمرهما.
اقتربت الصبايا منهما وهددتهما إحداهن بأن تصرخ فتجمع عليه أهل الدير لينالا عقاب كشف سترهن والتعدّي على حرمة الجمع في مكان مخصص للدير وأهله فقط، هنا قال لها ديك الجن وقد فتن بجمالها وبياض خديها، أوتدرين لمن الأبيات التي كنتِ تتغنين بها منذ قليل.
قالت هذه لشاعر يدعى (ديك الجنّ) فقال لها أنا ديك الجن، فلم تصدقه قائلة إن ديك الجن أكثر شهامة ومروءة من هذه التصرفات، ولا يعقل أن تكون أنت، وإذا كنت أنت فائتني بأبيات تثبت ذلك من وحي أفكارك الآن.. فقال لها بصوته المتهدج الذي خالطه الوجد والجوى:
قولي لطَيفِكِ يَنْثَني *** عنْ مَضْجَعِي عندَ المَنامْ
فعسى أَنَامُ فَتَنْطَفِي *** نارٌ تأَجّجُ في العِظَامْ
جَسَدٌ تُقَلِّبُهُ الأَكُف *** على فِراش مِنْ سَقامْ
أَمّا أَنَا فكَما عَلِمـْ *** تِ فهلْ لِوَصْلِكِ مِنْ دَوامْ
سرت الحسناء، لكنها لم تصدق بعد، وقالت له باستطاعة أي هاوٍ قول ذلك مرة واحدة أو حفظ الأبيات، فهلاّ غيرت القافية .. فقال:
قولي لطَيفِكِ يَنْثَني *** عنْ مَضْجَعِي عندَ الرّقادْ
فعسى أَنَامُ فَتَنْطَفِي *** نارٌ تأَجّجُ في الفُؤادْ
جَسَدٌ تُقَلِّبُهُ الأَكُف *** على فِراش مِنْ قَتَادْ
أَمّا أَنَا فكَما عَلِمْـ *** تِ فهلْ لِوَصْلِكِ مِنْ مَعَادْ
بدأت الحسناء عندها تتيقن، ولكنها طلبت منه تكرار تغيير القافية كي تقطع الشك باليقين .. فقال:
قولي لطَيفِكِ يَنْثَني *** عنْ مَضْجَعِي عندَ الهُجُوعْ
فعسى أَنَامُ فَتَنْطَفِي *** نارٌ تأَجّجُ في الضُلوعْ
جَسَدٌ تُقَلِّبُهُ الأَكُف *** على فِراش مِنْ دُموعْ
أَمّا أَنَا فكَما عَلِمـْ *** تِ فهلْ لِوَصْلِكِ مِنْ رُجوعْ
فتيقنت أنه هو فقالت زدني.. فقال:
قولي لطَيفِكِ يَنْثَني *** عنْ مَضْجَعِي عندَ الهُجُودْ
فعسى أَنَامُ فَتَنْطَفِي *** نارٌ تأَجّجُ في الكُبودْ
جَسَدٌ تُقَلِّبُهُ الأَكُف *** على فِراش مِنْ وُقُودْ
أَمّا أَنَا فكَما عَلِمْـ *** تِ فهلْ لِوَصْلِكِ مِنْ وُجودْ
فلما رآها ديك الجن مفتونة استمر قائلاً:
قولي لطَيفِكِ يَنْثَني *** عنْ مَضْجَعِي عندَ الوَسَنْ
فعسى أَنَامُ فَتَنْطَفِي *** نارٌ تأَجّجُ في البَدَنْ
جَسَدٌ تُقَلِّبُهُ الأَكُف *** على فِراش مِنْ حَزَنْ
أَمّا أَنَا فكَما عَلِمْـ *** تِ فهلْ لِوَصْلِكِ مِنْ ثمَنْ
فأعجبت الحسناء بشاعريته، وقد كان اسمه قد سبقه إليها، فوقعت في غرامه، كما هام بها.. وبارك لهما هذا الحب صديقه بكر الذي كان يفديه بروحه ودمه ليراه سعيدًا.
تزوج العاشقان ديك الجن الحمصي وورد بنت الناعمة وكانت حياتهما عسلا وشهدا وحبا ووفاء، وصديقه بكر بن رستم أكثر منهما سعادة من فرط حبه وإخلاصه لديك الجن، فهو رفيق صباه ودربه، وكذا ديك الجن كان يثق بصديقه ويسر له بكل صغيرة وكبيرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى