الشيطان يكمن في التفاصيل!

> عبدالقوي الأشول

>
عبدالقوي الأشول
عبدالقوي الأشول
مثل غيري، من أشد المتحمسين لوحدة الأداة بالنسبة للقضية الجنوبية التي تمر في هذه الأثناء بأشد المنعطفات صعوبة ودقة.
ما يعني أن السبيل الوحيد هو الوصول إلى توافق يوحد كافة المكونات والأطياف السياسية وصولاً لمؤتمر عام تتلخص منه قيادة موحدة، أي وحدة الحامل السياسي الذي أخفقنا في تحقيقه على مدى سنوات خلت جراء عدم المسؤولية والموضوعية في التعاطي تجاه بعضنا. فالمشاريع المطروحة كثيرة ومتنوعة وكل طرف يدعو إلى التوافق، لكن اللافت أن كل طرف في نهاية الأمر يسعى لفرض وتكريس قناعاته، وهنا مكمن الخلل.. إذن، إذا كنا على هذا النحو فما الذي يمكن أن نتوافق عليه؟.
الأمور ـ دون ريب ـ جداً متباعدة، والأطراف بمجموعها لا تكلف نفسها الجلوس وجهاً لوجه ومناقشة كافة النقاط التي هي محط تباين، وإخضاعها للتمحيص من زاوية ما يخدم قضية شعبنا، فمن غير المعقول أن يظل كل طرف ـ عبر ما لديه من رؤية ـ يخاطب الآخر من علو إما أن تأتي معي أو لا تأتي، وبغض النظر عن النتائج على الأرض.
فلو ذهبنا لقراءة بعض ما لدى المكونات التي تدعي امتلاك الحقيقة دون غيرها، نجد مستوى من التباعد والاختلاف الجوهري حتى فيما يتعلق بالأساسيات التي يفترض أن تكون جامعة للكل، كما هو الأمر في ثابت التحرير والاستقلال، أما التفاصيل الأخرى فكثيرة جداً.. والشيطان كما يقال يكمن في التفاصيل، والمؤسف أن الكل غارق عند التفاصيل التي يفترض أن تؤجل أو يتم تقييدها في مسودات إضافية لتكون الركيزة على الجوهر الأساسي لمجموع هذه الأفكار والمبادرات.
الثابت أن كل مبادرة مطروحة ينبغي ألا تعتبر نهائية إذا أردنا التوافق حولها بمعنى إخضاع البنود غير المتفق عليها للنقاش والتعديل أو إرجائها في مسودات إضافية وعمل التفاصيل بشأنها.
فمثلاً الأسس التي اعتمد عليها الزملاء في الجامع تبدو على النقيض تماماً مع مكونات أخرى، فلو أخذنا مفصلية مسمى الدولة وعلمها ونشيدها وفك الارتباط، وهل المسألة تعني بناء دولة أو استعادة الدولة أولاً، نجد في وثائق الجامع ما يشير إلى بناء الدولة وبمسمى استحضر التاريخ كما هو الحال لديهم بدولة حضرموت الكبرى وعاصمتها عدن أو الجنوب العربي.
مثل هذه الأمور كان ينبغي ألا تكون الركيزة الأساسية للتوافق من عدمه، لأننا وفق عطاء سنوات من النضال الثوري التحرري نعمل على استعادة دولتنا التي دخلت بعقد شراكة طوعية مع الطرف الآخر وتم الالتفاف عليها وعلى كافة الاتفاقيات بشأنها.
كما أن حضورنا الدولي المعروف كان تحت مسمى الدولة التي تمتلك حق استعادتها على هذه الدولة هو المرفوع في كافة فعالياتنا وتحت رايته قدمنا آلاف الشهداء.. إذن، من المنطقي أن نظل عند ثابت استعادة الدولة والتحرير والاستقلال أولاً، ونبحث عن أنجح السبل لتدعيم نهج نضالنا من أجل تحقيق ذلك.. ثم إن مسألة تغيير المسميات ممكنة بعد ذلك ولا أظن أن من الحكمة الاختلاف في هذه الأثناء على المسميات، إذ كنا نعلم صعوبات وضعنا وكل ما تكشف في طريقنا من عقبات الحال الذي يتطلب العمل بوطنية وحرص ومسئولية باتجاه خلق توافق فعلي على الأساسيات التي هي في نهاية الأمر تجسيد للإرادة الجنوبية.
فالبناء على العدم واحدة من أبرز المشكلات التي نعانيها، وهي لن تفتح السبيل مطلقاً للتوافق.. ندرك أن كل ما تطرحه بعض الأطراف له مبرراته وربما من منطلق وطني وحرص، إلا أن ذلك لا يعني أن كل طرف هو الصواب الذي لا ينبغي مخالفته.
في تقديرنا أن الجامع بمقدوره أن يكون جامعا في حال الأخذ بالكثير من الأمور التي تكون محط إجماع وتبعث رسائل مطمئنة. أما في حال استمرار نهج كل طرف على رؤيته فإن المسألة لا تعني أكثر من إخفاق مكونات جديدة، وهذا ما لا نحتاج له. وحتى لا نخص الجامع دون غيره، فالحال لا يختلف بالنسبة للمبادرات الأخرى، وإن كانت في معظم بنودها تتوافق والإرادة الجنوبية، إلا أن إخضاع بعض البنود للتعديل والمناقشة أمر في غاية الأهمية.
إذا ما أردنا التوافق فإن على كل طرف أن يقدم تنازلاته من أجل الوطن أولاً وأخيراً، وحبذا لو أن بعض الرموز الأساسية والمرجعيات ذات الوزن عملت بجد من أجل خلف توافق والجلوس مع بعضهم ومراجعة كافة الأمور المطروحة بروح صادقة وشعور وطني مسؤول، وأخص بالذكر كلا من الشيخ عبدالرحمن الجفري، والشيخ عبدالرب النقيب، والشيخ صالح بن فريد الصريمة، والسيد حسن باعوم، وغيرهم من الرموز ذات الثقل من عقلاء ومرجعيات الجنوب.
إنهم بمثل هذا التقارب يقللون من فاتورة الدماء النازفة في الجنوب.. كما أن تاريخهم يقتضي عملا كهذا خدمة لأبناء شعبهم وتجديد استعادة الثقة في أنفسنا والخروج من حالة الأفق المسدود الذي تمر به ثورتنا بحكم غياب الرؤية الموحدة. ولا أظن أن هناك ما هو أسمى من هذا العمل لو أنهم عقدوا العزم على تحقيقه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى