> مريم أبوبكر باذيب

صمتاً.. دعني أحدثك حديثاً يأخذك عبر الزمن يسافر بك الى حيث تشاء.. اختر عمراً لعدن سيكون عنوان الحكاية، واحذر أن تختار عمرها الحالي حتى هي تخجل من الاعتراف به، ليس لأنها كبُرت كثيراً، أظن أنها هرمت في شبابها، وتجرعت أمراض الشيخوخة قبل أوانها، ورغم ذلك مازالت تبتسم، وكلمّا ابتسمت دمعت عيناها، تأملت بحارها كثيراً حتى أعرف لم الدموع؟! يجيبني خليجها إنها تشتاق لمن غادروها وتحن لعودتهم، وإن جرحها ممن فيها لم يبرأ بعد، ولازال ينزف ويؤلمها.. ولكنها تعاود الابتسام مرة أخرى فتضحك فجأة!!، ذهبت أتأمل صهاريجها حتى أعرف ما المضحك؟! أجابتني خزاناتها إنها تضحك من هم ألم بها وأضحكها، ناس أحبوها أرادوا أن يمسحوا على الجرح فدغدغوها!.
ضجيج ضحكك صاخب يا عدن؟ قلتها، فبكت، ظننت أنني جرحتها، ذهبت أطلب العفو في قلعتها، لم أكن اقصد الإساءة، أقسم إن ضحكاتك جميلة كالنغم، ولكن بها نبرة حزينة، على أي وتر تعزفين الضحك أيا عدن؟! أجابت صيرة برصانتها وحدتها وقت الغضب: لا أدري اختلطت عليّ أوتار الحزن بالفرح!!. قلت كيف، وأنت الأولى في كل فن؟! كيف تُخطئين ضرب الوتر؟! أين فنانوك يضبطون لك الإيقاع واللحن؟ أجابتني كريتر بصرخة كبركان انفجر: أهناك وقت للفن في ظل هذه المحن؟! قلت: وما هي تلك المحن؟! اهتزت الأرض!! ركضت نحو جبل شمسان، قلت: حدثني يا جبل. قال: كنت وحدي أهز الارض هزاً، أرعب العدو وأقتله رعباً، والآن صرت أهتز خوفاً وأموت ببطئ قهراً!.
تركت الجبل باكياً وذهبت أستنشق الهواء وأودع السفن في الميناء، حتى الميناء يسكنه الضجر والملل، ترددت أأحدثه فيزيدني هماً ويبكيني ككل عدن؟ أم أصمت فأواسي نفسي لعليّ أطيّب ما في النفس، اخترت أن أحدث نفسي قليلاً.. ليست تلك لعنة أصابت عدن بالتأكيد، ولكن ما الأمر؟!! التفت إلى السماء، لم تكن سماء عدن وحتى الهواء ليس هواءها!! أين الدفء فيه وأين صفاء السماء؟! لا تقولي إنه اقترب موعد الاحتضار، أشتاق أن أذاكر علومك وأطرب لغنائك وأستنشق هواءك كما كان نقياً نظيفاً قبل أن تلوثه كتل الرصاص، وأرى النور في صبحك، ذاك الصباح المشرق الذي أظلمه الجهل، وأشتاق أن أسير بين شوارعك
وحدي بأمان كما كنت أفعل قبل أن يحتلك الرعب، وأشتاق لأناسك، الناس فيك هم الناس، ولكن غادر الطهر أرواحهم ونصبوا العداء خيمةً لهم.
جررت نفسي إلى بندر عدن قلت له: متى تعود عدن؟ قال: عدن لم تغادر حتى تعود، وقلبها مازال ينبض، ممسكة بالحياة في قبضتها، تنتظر أن يعود الناس حتى تشاركهم حياتها، فعدن مثلما تعلم لا تقدر على الحياة بمفردها، سألته: ومتى يعود الناس؟ أجابني: عندما يرى الناس أنهم يستحقون الحياة، عدن ستبسط يدها
ليعيش الناس عليها، الناس هم من ماتوا وليس عدن، وكل ميت يرى الكون ميتاً، فهكذا أنتم ترون عدن، عودوا إلى الحياة، ثوروا على أنفسكم أحيوا العلم أعزفوا السعادة وغنوا الأمل، انظروا إلى الحياة في داخلكم لترونها في عدن.
**مريم أبوبكر باذيب**