قـشـرة الـمـوز

> رباب محمد فرحان

> بالرغم من أني كنت شديدة الجوع إلا أنني اضطررت للخروج من منزلي والذهاب إلى مقر عملي دون تناول طعام الإفطار كعادتي، مشيت مهرولة ولكن منظراً على الطريق استفزني، استوقفني، حرك في نفسي مشاعر متناقضة، وأكثر من ذلك ضرب على وتر الجوع لديّ متغلبا على مبدأ الهرولة، نعم إنه منظر أقطاب الموز الناضجة والجاهزة للبلع دون أي ممانعة، مرصوصة بعناية على واجهة إحدى البقالات.
بتلقائية وبالرغم من كل المعيقات تحركت حيث فاكهة الموز، فهناك دافعان يحثاني على شراء الموز، دافع الجوع ودافع الحب، واشتريت حبة موز انتقيتها بعناية، نعم إنه الموز إحدى فواكه الجنة، حيث الظل الممدود والماء المسكوب، هكذا أنا أمارس طقوسي الغريبة عندما أتناول حبة الموز ليس طمعاً في حلاوتها أو رطب ملمسها أو في الاستفادة من فوائدها الكثيرة، لكنه العالم الخاص الذي أصنعه لنفسي عندما أقضم حبات الموز، إنه فضاء الجنة كما أتخيله.
و في لمح البصر كنت قد أتيت على أكل حبة الموز رغم أني كنت آكلها بمودة وحنان غير مستعجلة على إنهائها، ولكنه الزمن الذي يسحق كل شيء في طريقه و يحوله إلى شيء جديد أو شيء معدوم بالنسبة لنا،
وانتبهت أخيراً أن قشرة الحبة الموز ما زالت في يدي، وكأني دون شعور تركتها متعمدة في يدي لبعض الوقت مفضلة عدم الرمي بها سريعاً محتفظة بذكرى حفلة قضمها على وقع إيقاع هادٍ في عالم العشق اللذيذ.
ومن هنا بدأت مأساتي مع القشرة، فقد أردت أن أرمي بها في أحد براميل القمامة التي ظننتها منتشرة في كل مكان من مدينتي الجميلة عدن على أبواب المحلات التجارية، والمطاعم وبمحاذاة الشوارع العامة، ولكني للأسف لم أعثر على برميل واحد للقمامة على مدى النظر، لم أيأس، مشيت مدة طويلة و ما زالت قشرة الموز في يدي، ولكن رغم جهودي المتواصلة في البحث عن برميل قمامة يتيم في الشارع إلا أنني لم أستطع أن أجده.
كان موقفي محرجاً ومنظري يدعو للشفقة، البعض حسبني أعاني من حالة نفسية، وكان ينظر إليَّ بشفقة أحياناً، وأحيانا أخرى بسخرية، وعندما طالت المسافة وانقضى الوقت قررت أن أدخل قشرة الموز في حقيبتي الخاصة، ولكني للأسف لم اأخذها معي نتيجة لاستعجالي، لم ينقذني من موقفي المحرج هذا إلا صوت شيخ يصرخ فيّ أرمي بها يا ابنتي في الشارع، ألا ترين أن الكل يرمي ما بيده من قاذورات إلى الشارع، ألا ترين أن الشارع يحتوي على كل أنواع القاذورات التي تستقر في عمقه أكواماً متلاحقة من أزمنة بعيدة، السائل منها والجاف!.
وقد رددت عليه على استحياء، ولكني لم أتعود على ذلك يا عم.
فأجابني، في بلاد العور أعوري عينك و إلا بيقولوا عليك مجنونة!
وعند ذلك وغصباً مني رميت بالقشرة بالشارع أسوة بالجميع، أوتظنون أن معاناتي هذه قد انتهت هنا، بالعكس تضاعفت بشكل مركب.. تعذبت، صرخت في داخلي لماذا فعلتها؟ أنا الإنسانة المثقفة الملتزمة بقواعد النظافة والمحبة على الدوام لمدينتي ومسقط رأسي (عدن) الجميلة..أكيد إنه الغباء، الجنون، الاستهتار، كل قاموس الكلمات الرديئة عانقتني كظلي في ذهابي و رواحي، في صحوتي خيالات شيطانية تستفزني، و في منامي كوابيس تزعجني.. توقظني.. إنها قشرة الموز، ربما تدوسوها عجوز ينكسر أحد عظامها، ربما أكون بفعلتي تلك سبباً في موتها، وأتحمل بالتالي ذنبا يؤرقني في الدنيا وأعاقب عليه في الآخرة.
لم يخرجني من ذلك العذاب المقيم إلا صرختي هذه، كلماتي هذه، وكأني بها أتقيأ أحشائي المريضة كلها، وأتصالح مع نفسي، لعلي بها أقنع مواطناً بالعدول عن رمي القمامة بالشارع، أو أقنع أحد المسئولين وهم كثر على الاهتمام بنظافة عدن كما يجب.
**رباب محمد فرحان**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى