صابرين

> محمد أبوبكر الحداد

> لم تفرغ صابرين من فطام الطفل الخامس حتى حملت بالسادس، وهي في الثلاثين من عمرها، في ظل ظروف صعبة يفرضها الزوج بمنهجه التجويعي الذي لاهم له إلا إشباع غرائزه، حتى وإن علم أن زوجته تهب في صحتها وقوتها مالم تقدمه البهائم لما تنتجه من مواليد، فقد جعل الله مخرجاً، ورفق بها دون تدخل من أحد.
ظلت صابرين تتفاءل، وينحف عودها، تغزوها الحمى، ويشتد عليها صدرها، فهي في سعال دائم، منهكة قواها، ترتجف قوائمها، وترتعش يداها عند بذلها أدنى مجهود، لا تدري كيف تلبي طلبات الزوج في تجهيز طعامه في حينه، فهو لايحتمل أي تأخير، تتقاذف اللعنات من فمه تقاذف الضفادع من مستنقع آسن، ويتطاير السباب تطاير الشرر من كير الحداد، لا يهمه من أين تغطي حاجة المطبخ، بل إنه يوعز لها بأن تدفع بأطفالها لطلب الجيران ماينقصها من متاع، وما أكثره، كان الزوج لايفكر إلا في نفسه، ولا يلبي إلا شطحاته ونزواته، فهو ينفق على التدخين والقات بسخاء، وينفرد بالمشوي في السوق تاركاً أسرته تتجرع الغصص، وترتوي الوعود.
أجبرت لكمات الحياة المتوالية بأن تمد صابرين يدها إلى المحسنين، وصارت تشحت قوتها وقوت عيالها، بل وكسوتهم أيضاً، فكان لزاماً عليها أن تبكر بالخروج إلى ساكني المدينة الذين تجد عندهم الشفقة والعطف والرحمة، وصاروا يتعاطفون معها، ويهبونها ما يتيسر من مال وغذاء، وهي تريق ماء وجهها لا تجد طريقًا غير هذا الطريف، ولا مسلكاً إلا هذا المسلك، فهي تعلم أنها مقطوعة من شجرة، لا عوزة ولا مرجع قد تساقطت أغصان قبيلتها، وغزاها الفقر منذ أمد طويل.
اشتدت عليها الآم الحمل، وفقدت من وزنها الكثير، فلا هي شبعت، ولا أشبعت جنينها، فكان الجنين يأخذ من دمها ما ينقصة من مواد، حتى حان موعد الولادة فسقطت مغشيا عليها، فاقدة للوعي، ولم تقف إلا على صوت مولودها الذي قدم إلى هذه الحياة، لترتفع معنوياتها، وتشبث بالحياة لأجل أولئك النفر الذين هم بحاجة إلى دفء حنانها، وطيب أنفاسها، وأمان حجرها.
**محمد أبوبكر الحداد**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى