أمين عام نقابة المحامين اليمنيين بتعز المحامي توفيق الشعبي لــ«الأيام»: حقوق الإنسان تمر بأسوأ مراحلها والوضع لن يعود إلى ما قبل ثورة 11 فبراير

> حاوره/ فهد العميري

> يرى أمين عام نقابة المحامين اليمنيين بتعز المحامي توفيق الشعبي أن الحديث عن وضع تعز هو حديث عن الوضع اليمني الذي يمر بأوضاع شديدة التعقيد والخطورة بسبب علو ثقافة العنف والغلبة على ثقافة التعايش والقبول بالآخر، حيث يتوارى المشروع المدني ومكوناته ويغيب هامش الدولة لصالح جماعات العنف والقوة وحضور الفوضى وسلطة المليشيات.
ودعا المحامي توفيق الشعبي في حوار مع “الأيام” إلى أن يكون هذا العام 2015م في تعز عاماً لمحاربة الفساد وفضح الفاسدين وتغييرهم، كما دعا قيادة محافظة تعز لإحداث التغيير في أجهزة الأمن سريعاً، مؤكداً بأن التطور في الجانب الأمني لن يحدث من خلال أفراد صاروا يمثلون مصدر ازعاج للأمن والاستقرار، والذين قد صدرت بحقهم بعضهم أحكام قضائية، والبعض متهمون بقضايا فساد والآخرون متهمون بالاستيلاء على أراضي مواطنين.. تفاصيل أوفى تجدونها في سياق الحوار الآتي:
**بداية كيف تقرأ المشهد الراهن في محافظة تعز في ظل الحديث عن دخول جماعة الحوثي للمحافظة؟
- في البداية أهنئ الأمة العربية والإسلامية بمناسبة ذكرى ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما أعرب عن إدانتنا واستنكارنا للعمل الإجرامي الذي استهدف المركز الثقافي بإب، ونعزي أنفسنا وأسر الضحايا بهذا المصاب، وأناشد كل الجماعات والمليشيات إلى إيقاف نزيف الدم اليمني في كل المحافظات، كما ندين ونستنكر الاعتداءات التي يتعرض لها المعتصمون والمتظاهرون سلمياً في عدن من قبل أفراد الجيش والأمن، ونحمل رئيس الجمهورية والحكومة مسؤولية هذه الاعتداءات.
وبخصوص الإجابة عن السؤال فلا يمكن الحديث عن الوضع الراهن بتعز بمعزل عن الوضع العام في اليمن، فتعز جزء من اليمن جغرافياً وإن كانت ديموغرافياً متواجدة في كل اليمن، وبالتالي الحديث عن وضع تعز هو حديث عن اليمن الذي يمر بأوضاع شديدة التعقيد والخطورة بسبب علو ثقافة العنف والغلبة على ثقافة التعايش والقبول بالآخر حيث يتوارى المشروع المدني ومكوناته، ويغيب هامش الدولة لصالح جماعات العنف والقوة وحضور الفوضى وسلطة المليشيات، هذا هو المشهد العام الذي تعيشه اليمن برمتها، ولا يعني وجود نوع من الاستقرار في تعز أنها بمعزل عن ما تشهده اليمن، اذ يرجع الفضل في ذلك لوعي وتلاحم أبناء المحافظة: محافظا وأحزابا ومكونات اجتماعية ومدنية وعسكرية نتيجة وعيهم الثقافي وطابع المحافظة المدني الرافض للفوضى وأي عمل يقوض وجود الدولة من قبل أيّ كان وتحت أي مبرر، ومع ذلك يبقى الوضع في حالة ترقب وحذر ويقظة، فالأمر يتطلب تضافر وتكاتف الجميع لمنع حدوث ما لا يحمد عقباه.
**يراهن الكثيرون على تعز وأبنائها في تقديم نموذج للدولة المدنية والنضال السلمي، لكن الواقع هُنا يشير إلى غياب الدولة ومؤسساتها مع بروز شخصيات قبلية وفساد كبير في المرافق الحكومية.. هل استحال التغيير في تعز؟.
- الرهان ليس على تعز كجغرافيا وإنما على أبناء تعز ووعيهم والطابع المدني الذي اتسمت به هذه المحافظة، وميل سكانها إلى التعايش والسلام والتعليم والثقافة وحب الاستقرار والامتثال للقانون والنظام، فتعز التي يراهن عليها الجميع ليست المساحة الجغرافية وإنما ذلك الامتداد والحضور الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي لأبناء تعز في كل ربوع اليمن، وهذا ما يجب أن يتنبه له الجميع ويأخذه في الاعتبار الذين ينظرون لتعز ذلك المنظور الضيق وربما تكون محقاً نوعاً ما فيما تعنيه باستحالة التغيير ولكن دعني أقول لك صعوبة التغيير الذي نحلم به يرجع لأسباب عديدة أبرزها السلبيات المتوارثة في إدارة السلطة وتجذر الفساد وتوغله خلال الفترات السابقة بالإضافة إلى الواقع الراهن الذي غيب الدولة والسلطة في اليمن لحساب الأفراد والجماعات ومقارنة بذلك يمكنني القول إن هناك توجها صادقا من قبل المحافظ لمحاربة الفساد وإحداث تغيير إيجابي، وهذا يتطلب وقتا وجهودا جبارة من الجميع، وبدوري أدعو الجميع إلى أن يكون هذا العام في تعز عاماً لمحاربة الفساد وفضح الفاسدين وتغييرهم، وهذا ندائي للمحافظ والمنظمات الفاعلة والشباب المخلصين، ودعني أصارحك القول بأن الفساد صار يشكل منظومة متكاملة أفرادا وقيادات وتشريعات ولوائح وسلوكا، إلا أن ذلك لا يعني استحالة التخلص منه، فاذا توافرت إرادة صادقة وقوية من المحافظ والأجهزة الرقابية إلى جانب التعاون الايجابي والفاعل والنشيط من الشباب والمنظمات سيكون بإمكاننا تحقيق شيء ما في وقت قصير.
** من السبب ؟
- النظام السابق.
**الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني منقسمة ولم تقدم مشروعا للمحافظة وإقليم الجند وأبناء تعز مشردون في الداخل والخارج ولم يهتموا بقضايا المحافظة، إلى متى سيستمر هذا الحال؟
- المجتمع المدني والأحزاب بشكل عام لم تقم بالدور الذي يجب عليها كما ينبغي فيما يتعلق بالشأن العام في المحافظة وإن كان يحسب للأحزاب السياسية موقفها الأخير الذي وقفت فيه موقفاً موحداً برفضها لدخول أي مليشيات مسلحة إلى المحافظة، ونتمنى أن يكون لها دور أكبر وأكثر في مختلف القضايا كالتنمية ومحاربة الفساد والتعليم ونشر ثقافة التعايش وتحقيق الاستقرار بما يخدم مصالح المجتمع أولاً وبناء الدولة المدنية والسلم الاجتماعي، وهذا لن يكون إلا بمغادرة ماضي الصراعات وفتح صفحة جديدة تقوم على الثقة والتنافس المدني المشروع الذي يخدم الصالح العام والوطن، ومن هذا المنطلق أدعو قيادات الأحزاب والمكونات السياسية إلى استمرار التواصل واللقاءات وبناء جسور الثقة بعيداً عن لغة الانتقام وتصفية الحسابات وإدارة المكاسب وفي المقابل على قيادة المحافظة إيلاء اهتمام وجدية وخلق شراكة حقيقة صادقة مع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وجعل هذا التوافق المجتمعي في هذه اللحظة نقطة انطلاق للمستقبل تعزز مفهوم إدارة السلطة بالمشاركة مع الجميع لأجل الجميع.
** قامت جماعة الحوثيين بتشكيل مجلس عسكري أعلن عنه مؤخراً في المركز الثقافي بالمحافظة إلى جانب الإعلان عن تشكيل لجان ثورية لمحاربة الفساد، كيف نفهم ما يدور؟ ومن أوصل تعز إلى هذا الحد من العسكرة والانفلات ؟ وما هي مشروعية هذه المجالس واللجان؟
- كل هذا تداعيات مرحلة الانتقال ومحدودية سلطة الدولة وضعف اجهزتها في هكذا مراحل فيحاول البعض أن يخلق له إطارا يظن من خلاله أنه سيحل به مكان الدولة أو أحد أجهزتها في مرحلة معينة مالم يكن ذلك من قبيل النزق السياسي أو الصخب الإعلامي الذي تقتضيه المرحلة، فكثيراً ما سمعنا عن اعلان مجالس وملتقيات ولكن سرعان ماتنتهي بمجرد الاعلان عنها كظواهر صوتية يستدعيها المخرج متى أراد ويستغني عنها متى شاء والحال من بعضه، لماذا تسمى لجانا ثورية إذا كان يراد بها فرض السيطرة وتعطيل دور المؤسسات والقيام بمهامها على النحو الذي نلمسه ونتابعه في بعض المحافظات فهي ليست إلا شكلا من أشكال الفوضى ووسيلة لتعطيل المؤسسات وتقويض وجود الدولة وهي بذلك أقرب لفكرة إدارة الفوضى التي تنتهجها الجماعات غير المنظمة كواقع يفرض بالقوة وهو أمر لا شرعية ولا مشروعية له وعواقبه كارثية على الدولة والمجتمع والوطن، أما إذا كانت هذه اللجان بقصد القيام بدور الرقابة المجتمعية وتمارس عمل مدني واجتماعي وشعبي لمحاربة الفساد وتحسين عمل الأجهزة وتطوير الإدارة وبوسائل وطرق مشروعة وسلمية فأعتقد أنه لا حرج في ذلك، ولن يختلف عليها اثنان.
** تعاني الأجهزة التنفيذية في المحافظة من تضخم وتفتقر للعمل المؤسسي وتفوح منها روائح الفساد في ظل عدم تحمل السلطة المحلية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني لمسؤولياتها إلى متى سيستمر هذا الحال؟
- لربما أكون قد أجبت عن هذا السؤال خلال حديثي السابق فالفساد لا ينكره أحد فقد توغل في كل مرفق والجميع يقر بذلك مسئول ومواطن، وهو نتاج موروث، ولكن لا يكفي أن نصرخ بأن هناك فسادا وإنما ما يهمني كيف نعمل لمحاربته ومواجهته، وهنا أقر بكوني أحد النشطاء في المجتمع المدني أن المجتمع المدني لم يقم بدوره كما يجب وأن الجهود التي تبذل في حدها الأدنى فهناك قصور كبير في عمل المجتمع المدني في تعز والكثير أساء لعمل المجتمع المدني بل إن الفساد ربما تغلغل أيضا في هذا الوسط ورغم ذلك هناك لحظات مشرقة في بعض الأعمال التي يقوم بها جزء من المجتمع المدني في تعز ولأجل تعزيز هذا الجزء الإيجابي تدعو نقابة المحامين بتعز المجتمع المدني إلى التشبيك وتنسيق وتوحيد الجهود لمحاربة الفساد في تعز من خلال تشكيل تحالف مدني من النقابات والمنظمات الجادة والفاعلة، وسنسلك كل الوسائل والطرق لتحقيق ذلك فالعمل الجماعي أكثر قدرة على التغيير ولا أخفيك سراً أننا قد بدأنا في النقابة العمل والتحضير لذلك.
**كثير من الشكاوى ترد حول أعمال بسط ونهب للأراضي من قبل نافذين وعسكريين وجماعات مسلحة .. أين أنتم في نقابة المحامين ومنظمات المجتمع المدني من ذلك؟.
- مشكلة الأراضي بتعز مشكلة ليست بجديدة وإن ارتفعت وتيرتها في الفترة الأخيرة بسبب ضعف الأجهزة العدلية وبعض ممارسات المحسوبية والفساد التي تعاني منها بعض أجهزة الضبط وعدم الإسراع في الفصل بالقضايا وحسم النزاعات واستقواء بعض النافذين بسلطتهم ووجودهم في أجهزة الجيش والأمن وبالفعل أحد الأسباب الرئيسة للمشاكل في تعز مشاكل الأراضي سواء الخاصة أو المملوكة للدولة والأوقاف والحديث في هذا الشأن يتطلب وقتا كبيرا لا يتسع المجال لذكره بحيث أصبحت إدارة أراضي الدولة والأوقاف جزءا من المشكلة، وهذا موضوع حديث آخر لنا إن شاء الله ضمن أبرز قضايا الفساد في تعز والبعض يسعى حالياً لإنشاء منظمة خاصة بموضوع الاستيلاء والاعتداء على الأراضي دون وجه حق، وتتحمل الأجهزة الأمنية والقضاء مسئولية كبيرة في هذه المشكلة.
**تعاني الأجهزة الأمنية من اختلالات عميقة سواء من حيث انتشار الفساد وضعف فاعلية إجراءات جمع الاستدلالات وظروف الاحتجاز في السجون .. إلى متى سيستمر هذا الوضع؟.
- الإصلاح المؤسسي أمر في غاية الأهمية في مختلف الأجهزة ويكتسب أولوية في الأجهزة الأمنية، فالمنظومة الأمنية بتعز حالها حال المنظومة العامة يعتريها الضعف والقصور والجمود، فهي بحاجة إلى إعادة نظر وخاصة الكادر البشري فمعظم مديري الأقسام وإدارة أمن المديريات مضى على توليهم لمناصبهم أكثر من خمسة عشرة سنة، ومنهم من لا تربطه علاقة بالأمن وطريقة تعينهم إما بالمحاباة أو بوساطة وغير ذلك، إضافة إلى افتقارهم للمعلومة والتجديد بالأفكار والعلوم، ناهيك أن البنية التحتية لهذه المؤسسة مهترئة وخبراتها متواضعة، وهذا كله يضعف من دورها، وكنا سابقاً قد طرحنا على قيادة المحافظة ضرورة التركيز على إحداث إصلاحات جذرية والتجديد في الكوادر، لأن ذلك سيساهم بتحقيق الاستقرار، وقد لمسنا تفاعلا بهذا الخصوص لكنه لم يكن بالشكل المطلوب ومن منبر “الأيام” نجدد الدعوة لقيادة المحافظة لإحداث هذا التغيير وسريعاً فلا يعقل أن يحدث أي تطور في هذا الجانب من خلال أفراد صاروا يمثلون مصدر إزعاج للأمن والاستقرار، فمنهم من صدرت بحقهم أحكاما قضائية والبعض متهمون بقضايا فساد، والبعض بالاستيلاء على أراضي مواطنين، فهل يمكن لمن يقوم بمثل هذه الأفعال أن يساعد في تحقيق الأمن والعدالة.
وبالنسبة إلى أوضاع السجون ومراكز الاحتجاز فهي في غاية السوء من الناحية الإنسانية، فمثلاً لا يوجد أي سجن احتياطي في تعز، والإصلاحية المركزية تعاني الأمرين من حيث إنها معدة لأربعمائة سجين وحالياً يتواجد فيها أكثر من ألف ومائتين فرد، وأغلب أقسام الشرطة شقق مستأجرة، بل كان البعض منها دكاكين، ولك أن تتصور الوضع الذي سيكون عليه مكان الاحتجاز، ومؤخراً أعلنت السلطة المحلية مناقصة لبناء أحد عشر قسماً نموذجياً، وننتظر التنفيذ وبسبب كل ذلك ترتكب الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان كالحجز التعسفي وغير القانوني الذي أصبح يمثل ظاهرة لدينا في تعز، وهذا أمر شديد الخطورة، كونه يقود إلى كثير من الانتهاكات، ويفتح الباب للتعرض للتعذيب والمعاملة القاسية، وهذا يتطلب من المنظمات الحقوقية مواجهة ذلك.
**ما تقييمك للنشاط المدني في المحافظة، وما هي الخصوصية التي تتميز بها تعز لتحافظ على تماسكها المجتمعي في وجه سيطرة المليشيات المسلحة؟.
- ربما حالة التنوع والتعايش والتراكم الثقافي والطابع المدني لأبناء تعز أمر يقود إلى تماسك هذه المدينة وبقائها موحدة في مواجهة أية حماقات قد يفكر بها البعض، فالجميع في تعز لا يحبذ الفوضى ويكره العنف ولا يستطيع أبناء هذه المدينة تحمل هذا السلوك مهما كان مبرره ومن أي طرف كان.
**هل يتم الالتزام بالمعايير العالمية لحقوق الإنسان في اليمن؟.
- نأمل ونسعى إلى ذلك، ولكن عن أي معايير تتحدث؟، تمر حالة حقوق الإنسان في اليمن بأسوأ مراحلها بحيث تزداد الانتهاكات وتتسع رقعتها على كل الأصعدة وفي كل المحافظات، وستستمر بالازدياد إذا استمرت سيطرة المليشيات وتغيبت الدولة، فمتى وجدت الدولة سنتحدث عن حالة حقوق الإنسان في اليمن.
**هل لك من كلمة أخيرة في ختام هذا الحوار؟
- علينا جميعاً أن نسعى لتجنيب اليمن الانزلاق إلى طريق اللاعودة، وهذا لن يكون إلا ببناء الدولة، والخضوع لسيادة القانون، ورفض منطق الغلبة والاستقواء والعنف والإرهاب، فلم يعد بمقدور أحد أن يستأثر بالحكم حزباً أو جهة أو منطقة أو جماعة، فالشعب اليمني كسر حاجز الخوف، ولن يعود الوضع إلى ما كان عليه قبل ثورة 11 فبراير 2011م، وعلى الحوثيين أن يستفيدوا من الماضي، وأن لا يكرروا نفس الأخطاء التي ارتكبها النظام السابق في 94م، لأن ذلك سيعجل بزوالهم، كما لا أنسى تقديم الشكر الخاص لصحيفة “الأيام” وكل العاملين فيها لإتاحة هذه الفرصة لنا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى