الشقيقان

> محمد أبوبكر الحداد

> تربّى شقيقان في بيت علم وسؤدد، وتلقيا تعليمهما كسائر أقرانهما حتى أكملا الثانوية، هناك التحق أكبرهما بسلك التدريس، وظل يتنقل من قرية إلى مدينة، ولكنه سئم هذا الوضع فكانت له فرصة للعمل مع أحد المقاولين، وصار مع الوقت محط ثقته، ويكلفه بالإشراف على العمال، ودفع أجورهم، ورفع التقارير عن مراحل إنجاز العمل لجهة الاختصاص، فاكتسب خبرات غير هيّنة أهلته لأن ينفرد بإحدى تلك المقاولات، وتعرف على مفاتيح تلك الأقفال، حتى توثقت علاقته بأصحاب القرار، وعرف من أين تؤكل الكتف، وصار يبالغ في وضع التكلفة، حتى تخطى أنصبة الكبار والصغار، فقد كانوا لايرضون باليسير، وصار يكلف عماله بتشطيب (فلل) المسئولين، ليعملوا بالتناوب، فكلما أنهى عمال التبليط عملهم توجهوا إلى قصور المتنفذين، وهكذا يتبعهم عمال الطلاء، أما الأبواب والسراميك فكانت تدخل ضمن تكلفة المشروع.
توسعت مشاريعه، وفاضت الأموال بين يديه، ففتح له مركزاً لبيع الكهربائيات وأجهزة التبريد والترفيه، وصارت له فروع هنا وهناك. مرت السنون وغزا الشيب الرأس، وصارت الأمراض تفتك بالجسم، حتى امتنع عن تناول اللحوم والسكريات، وتصلبت الشرايين، وتورمت الركبتان، وصار لا يصلي إلا واقفاً مستعيناً بالكرسي، يغبط البسطاء على عافيتهم، يتمنى لو أنه لم يسلك هذا الطريق، وظل يؤدي رسالته المقدسة التي تركها طعماً في الوصول إلى أقصى الطرق.
بينما توجه الأخ الأصغر للعمل في مكتب المياه يؤدي واجبه بكل إخلاص يحضر قبل المدير، واشتهر بين زملائه بالأمانة، والحرص على المال العام، لم ينس حظه من فعل الخير، فكان يسعى لأجل إطعام الأرملة والمسكين، وتطوع في إحدى الجمعيات، وهناك وجد متسعاً من الوقت لأن يخفف من معاناة الفقير واليتيم، وزع البسمة على شفاه المحرومين.
كان يتمتع بصحة جيدة، وبنية قوية، حتى بعد أن شارف على التقاعد لا تفارق الابتسامة محياه، محبوباً بين العامة، قد زهدت يداه عمّا في أيدي الناس، وكف لسانه عن غيبتهم، أو تناول سيرتهم بالسوء، ووظف عافيته في خدمتهم، وإدخال السرور لهم، رغم مسكنه المتواضع، وحمل الأسرة الذي يقع على كاهله، وعبء الديون التي يلجأ إليها، كما حان واجب فرح أو عزاء.
**محمد أبوبكر الحداد**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى