ما لا يدركه العقل لا تخطئه العين

> عبدالرب درويش

> بعد مخاض وولادة عسيرة منُحت حكومة م. خالد بحاح الثقة المشروطة ونُزعت عنها الإرادة السياسية، فحزمت أمتعتها وهرعت إلى عدن المكلومة وبشرتها بـ “التشريف” ومن شدة فرحتها بهذه البشرى عمت الفرحة أرجاء الجنوب الجريح فانطفأت الكهرباء وانقطعت المياه وسقط العديد بين شهيد وجريح واعتقل العشرات.. فيا لها من بشرى وفرحة ويا له من تشريف، وهل من مزيد؟.
الشيء نفسه فعلته حكومة باسندوة، حينها هرعت إلى عدن وبشرتها ببراعة الإجهاش بالبكاء ومهارة وفن ذرف الدموع، وقبل أن تجف دموعها عادت إلى أدراجها سالمة غامنة وعادت العادة القيمة، وظلت عدن تكابد آلامها وتتجرع آهاتها وتكفكف دموعها وظل الجنوب عن بكرة أبيه يئن من كثرة وشدة المواجة.. وبقي السؤال: هل حقاً تأتي هذه الزيارات من باب الوفاء والعرفان والتشريف أم للنقاهة والترويح عن النفس أم لأسباب ودواعي لا يلحظها ويدركها سوى الراسخين في العلم والحلم؟ ومن لا يرى عِبرته في غيره يصبر على ما جرى له.
التشريف بحد ذاته سلوك راقي وجميل، وكذلك الوفاء وغيره، ولكن في واقع وظروف كهذه أقل ما يمكن وصفها بالمُزرية والمحتقنة والمُلتهبة وبالبقاء في حالة انعدام الحل و ألا دولة يتحول التشريف والوفاء إلى رثاء وإشفاق وإلى التذكير بالمواجع والمآسي، بل ويصل إلى حد التشفي والتحدي والاستهجان والاستخفاف، فيدفع المستهدفين إلى الإحباط والامتعاض والنفور، وإلى الغضب والسخط وما لا يُحمد عقباه، في ظل تفاقم المعاناة وتردي الأحوال والأوضاع وانحدارها نحو الأسوأ والمجهول والخطورة، وفي ظل غياب الإرادة السياسية وتجاهل أطراف الحق الأصليين.. وبالتالي ماذا يتوقع الوافدون إلى الجنوب من الجنوبيين؟.
الحديث عن أن الأسوار الحمراء والصفراء والخضراء حول لحج ما زالت، وعن عدم جدوى وفائدة عودة المبُعدين لانقضاء أجل عشرين عاماً من أعمارهم ومعالجات اللجان المشكلة ترقيعية كون الضرر قد حصل، والأراضي لا يستطيع أحد إعادتها بعد أن تم بيعها، فهذ يطرح أكثر من علامة استفهام أهمها: هل هذه القضايا وغيرها حصرياً في حوطة المحروسة أم أنها شاملة في كل الجنوب؟ وطالما والأمر كذلك فلماذا يتم تجزئة الحل، ولماذا يُراد تقديم هذا الفتات على شكل هبات وإكراميات وترضيات وبالتقطير والجُرع والعزل والانفراد، أم أن المُراد من الحديث القول: إن هذه القضايا سقطت بتقادم السن والزمن وبالتالي لا مبرر وداعي لطرحها؟ وعندها ينبري السؤال الكبير: ما هي قضية الجنوب، ولماذا الجنوب ثائر عن بكرة أبيه ومفترش الساحات، ومن أجل ماذا قدم ويقدم شعب الجنوب كل هذه التضحيات الغالية يا سادة؟؟.
وحديث المهندس بحاح عن أن “الوضع الآن أفضل تستطيع الناس أن تتكلم وتنتقد وتوقف الغلط” نقول له صدقت، ولك أن تعلم أيضاً أن هذه الفضيلة جاءت بتضحيات غالية وثمن باهض دفعه شعب الجنوب وحراكه السلمي على مدى عقد من الزمن تقريباً، والأقلام الوطنية الشريفة والجريئة وما قدمته أسرة الباشراحيل و «الأيام» الغراء والمحروسة خير دليل على ما نقول وعلى سبيل المثال لا الحصر.. وأما الحديث عن المنجزات “الدستور الاتحادي وتطبيقه والأقلمة، والنوايا الحسنة التي أطلقت في اجتماع مجلس الوزراء، وإعلان وزير ماليته اللامركزية مالية، وتوزيع سلسلة كتيبات مؤتمر الحوار الوطني.. إلخ” فجميعها يأتي من باب الترويج والتدشين لمشروع الأقلمة والتهيئة النفسية وإعداد العدة للاستفتاء والانتخابات، بل ولتدارك الحرج قبل انعقاد جلسة مجلس الأمن هذا الشهر ومحاولة ثنيه عن اتخاذ أي تدابير أو قرارات بعد أن انتهت مهلة العام المحددة في قراره “2140” دون تحقيق أي تقديم يُذكر هو ما لا تخطئه عين ولا نقبل به أبدا.
**عبدالرب درويش**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى