عجز اللسان فـتحدث القلم!

> لقاء عادل مقطري

> تعودنا من بعض الشخصيات الثقافية وأصحاب الرأي الكتاب أن نقرأ لهم كل ما هو جميل وموضوعي في تناولاتهم ، لكننا نصاب بالذهول في كثير من الأحيان حين نشاهدهم يتحدثون أمام عدد كبير من الناس، والعكس نجد آخرين منهم يتحدثون أفضل مما يكتبون ونراهم يرتجلون في خطاباتهم وأحاديثهم بأجمل العبارات والجمل المعسولة، وعندما نقرأ لهم نجد كتاباتهم لا تأتي بشيء جديد من ما نسمع من ألسنتهم، وأحياناً نجد الحالتين معاً.
ومن خلال قراءتنا ومطالعتنا لكتابات بعض الكتاب المرموقين في الساحة الإعلامية يتبّين أن أقلامهم أشد تعبيراً عن القضايا المجتمعية والثقافية والسياسية لإبراز تعقيداتها بصورة موضوعية مقنعة تجبر المتلقي على المتابعة والانسجام مع مضمونها وما تقترحه من حلول لتك المشكلات بصورة تجعلنا نتعاطى معها بتلهف حتى وإن تحفظنا أو اختلفنا في الرأي معهم، لكننا في الوقت نفسه لا ننكر أن تناولهم للقضايا العامة له تأثير أكثر من عرضها في الاجتماعات أو على شاشات التلفزة أو في اللقاءات العامة مع الجمهور، بل إن المرء غالباً ما يتفاجأ حين يلتقي بهؤلاء ممن يجيدون الكتابة ليرى واقعاً مختلفاً عما يتصوره ويرسمه في مخيلته عنهم.
لم يمنعني فضولي من طرح هذه الإشكالية وأواجه بها إلى إحدى صديقاتي اللواتي يطرحن رأيهن بسلاسة وبطريقة وأسلوب مقنع فيما يذهبن للكتابة عنه من قضايا ومواضيع اجتماعية ومشكلات متعددة، للوصول إلى ما أبحث عنه لمعرفة أسباب عدم القدرة عن الحديث بطلاقة أثناء طرح الموضوعات في النقاشات والجلسات أمام الجمهور، بعكس ما أقرأ في كتاباتها ومواضيعها المنشورة.
ابتسمت صديقتي وقالت: "أكيد اللسان يكون أبلغ لمن يمتلك الجرأة والطلاقة، لكن قد أكون على العكس فالقلم يمنحني أكثر جرأة ومنطقية وجمال في التعبير من اللسان، ويجعلني أكثر هدوء وحكمة بعكس لساني"، هززت رأسي متفقاً فيما ذهبت إليه صديقتي، لكن هناك كثير من الأشخاص عند عرضهم بعض القضايا أثناء النقاشات نجدهم لا يملكون السيطرة على أنفسهم لطرح ما بداخلهم من أفكار وعرضها بصورة سلسة وتلقائية وواضحة على الآخرين، كما ألفناهم في كتاباتهم حين يضعونها في قالب أدبي مؤثر أكثر جاذبية وعقلانية في الطرح لحل مشكلات المجتمع أو إبرازها كي تلقى الحلول من المعنيين أو الجهات المختصة.
إن هذه الإشكالية تتصل بحالة (الارتباك أو الخجل الاعتيادي) أي عدم سيطرة الشخص على الارتباك قبل إلقاء الخطب أو الكلمات في الحفلات أو في الاجتماعات، وهذا يدفع المتحدث إلى الأخطاء ونسيان العديد من الأشياء التي يريد قولها،، لهذا فإن التخلص من الارتباك والخوف يتمثل في تعلم الإنسان كيف يحافظ على هدوئه أثناء الحديث أمام الآخرين. وحتى لا يختلط الأمر عند البعض فإن طلاقة اللسان وعدم الارتباك واستحضار الجواب، وليس الفصاحة المعروف عنها بأنها موهبة أولاً وتُصقل بالدراسة والمطالعة، أما طلاقة اللسان فليس لها علاقة بالفصاحة.. إذ سمعنا عن كثير من أهل العلم ممن لا يُحسن أن يجمع بين كلمتين أمام الناس وإذا أعطي له قلم ووضعت أمامه ورقة فسيأتيك بالعجب! فموضوع الطلاقة موضوع نفسيّ بالدرجة الأولى، ولكي ينطلق اللسان لا بد من حصيلة علمية جيدة، وهذه تتكون مع مرور الوقت بكثرة الاطلاع لدى الشخص نفسه.
**لقاء عادل مقطري**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى