الديمقراطية في الفكر السياسي العربي

> كمال صلاح الديني

> لقد برهنت جميع التجارب الديمقراطية الحديثة بوضوح أن مفهوم الديمقراطية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بثلاثة مفاهيم أساسية وهي الحرية، المواطنة، الدولة المدنية، وأثبت الواقع المعاش أنه لايمكن تأسيس أي ديمقراطية حقيقية بقيادة دولة عقائدية إيدلوجية أو دولة يحكمها العسكر وزبانية الفساد في هذه المؤسسة (الجيش).
ولو رجعنا قليلاً إلى أصل المفاهيم الثلاث للديمقراطية التي مثلت التربة الخصبة التي استفاد منها الغرب لغرس القيم الإنسانية ووصول الغرب لما هو فيه الآن لوجدنا أنه جاء نتيجة صراع فكري سياسي إنساني مرير ووجود رغبة صادقة وجادة في التغيير والانتقال التدريجي نحو الديمقراطية، وقد قاد هذا الطريق الكثير من المفكرين والمجددين في التركيبة الفلسفية السياسية الغربية.
أما بالنسبة لعالمنا العربي فإن مفهوم الديمقراطية والمفاهيم الحاضنة لها أو القريبة منها أصبحت دخيلة على الفكر السياسي العربي الإسلامي بعد انتهاء الخلافة الراشدة ودخولها مرحلة الملك العضوض بعد أن كان أمرهم شورى بينهم لكني لا أنكر في هذا الصدد جهود رواد الفكر الإصلاحي منذ القرن التاسع عشر فقد حاولوا نشر بعض المفاهيم الحديثة أو القريبة منها فربطوا الحرية بحب الوطن وربطوا بين الحكم الاستبدادي وخراب العمران، مستدلين في ذلك بابن خلدون في فصله الشهير في مقدمته (الظلم مؤذن بخراب العمران) وجاء بعد ذلك تبني نخبة لا بأس بها من المفكرين العرب والمسلمين مفاهيم الثورة الفرنسية، لكن كل هذه الومضات بقيت محدودة التأثير ولم تتجاوز بعض النصوص التي صدرت هنا وهناك.
ومع بداية النضال ضد المحتل الأجنبي وتنامي الشعور الجارف بالوطنية والقومية العربية في كافة أقطار الوطن العربي انصهر مفهوم الحرية بمفهوم التحرر في تاريخ حركات التحرر الوطني، وأمل المواطن العربي بأنه سيحتفل بعرس الحرية في ظلال الدولة الوطنية المستقلة ولكن سرعان ماخاب الظن وصدم بجدار الصمت الذي كان شعاره (لاصوت يعلو فوق صوت الثورة) وغيرها من الشعارات القامعة والكابتة للحريات وتحول حلم الدولة الوطنية إلى كابوس الدولة القامعة يجلس في قمتها العسكر وزبانية الحزب الواحد الشمولي ورزح المواطن العربي تحت ظلال تلك الدولة لاينفك منها ليرى النور.
واستمرت مرحلة الاستبدادية العربية أكثر من نصف قرن عنوانها البارز كبت الحريات وقمع أي معارضة مهما كان لونها ولم يقف ذلك عند الاستبداد السياسي والفكري، بل تولدت عنه في العقدين الأخيرين ظاهرتا الفساد في القمة وانتشاره في كل مفاصل الدولة وظاهرة التوريث رغم الخصوصية والظروف السياسية والاجتماعية لكل دولة عربية.
ومن سخرية القدر أن كل تلك الممارسات غير المسؤولة والتلاعب بمصير الشعوب كانت تحت مسمى الديمقراطية التي هي أساساً ليس لها معنى في وطننا العربي!.
**كمال صلاح الديني**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى