من الجبل إلى الجمل!

> آزال مجاهــد

>
آزال مجاهــد
آزال مجاهــد
عندما كانت طبول الحرب تُقرع على مشارف صعدة في كل مرة، كنت تجد شريحة واسعة من الشعب تتعاطف - وإن كان جزء كبير منها بشكل غير معلن - مع أهل صعدة الذين لم يكنْ لهم في حروبهم الست (ناقة صالح) أو (جمل محسن)، أتذكر حينئذ الدولة التي كانت تعيش في أبلغ صورها الاستغلالية وهي تقتات من قوت غيرها، وتقتل وتنكل ليس لشيء سوى لإطعام أفواه (أرانب) صنعاء دون غيرهم.
تكونت في مخيلة المواطن اليمني طوال أعوام الحرب التي اتخذت لنفسها صفة (الديولة) عنوة صورة نمطية عن المواطن في صعدة وهي تربط معيشته غالباً، وتحت ضغط الحروب على (الجبل) بقياس الحالة العامة التي شكلتها ظروف سياسية امتدت لتؤثر على حياة المواطن اليمني في صعدة، وجبال مَرَّان التي تحولت لاحقاً إلى مزار (كربلائي)، وكتاف التي عانت الأمرين قبل أن تنأى بنفسها عن أي صراع طائفي تاركة الأمر لما تبقى من قرى، ومدن يمنية ما زالت حتى اللحظة تعيش في ظل فرز طائفي مقيت امتد ليلقي بظلاله على الوطن بشكل عام في حالة خاصة ربما لم يَكُنْ أكثر المتشائمين يتوقع حدوثها وخصوصاً بعد تاريخ (21) سبتمبر من العام 2014، وهو التاريخ الذي حول اليمن ـ دون أن يشعر الحوثيون ـ من جبل كبير، إلى (جمل) أكبر بحمله، وما حمل من حجم الجماعة التي اتخذت لنفسها فيما بعد صفة أنصار الله والمستضعفين من خلقه.
إن الغطاء السياسي، ومن قبله الشعبي، الذي يتصوره الحوثيون بجناحيهم الحربي والحزبي كفيلٌ بإظهار الوطن في حالة (ثورة) غير مكتملة الأركان، ستكون تكاليف ضريبتها باهظة على الجماعة التي كان لها أن تؤثر على العملية السياسية بشكل أفضل مما هي عليه الآن في حالة الشراكة السياسية الحقيقية التي لا تتخذ من التصعيد بصورته المأزومة الحالية وسيلة والتي لا تضع أي حل من الحلول على طاولة المفاوضات إلا وقد وضعت له عراقيل بحجم نقيل يسلح!، وهو الأمر الذي لا يعزز من صورة الجماعة إلا بشكل (متسلط) راقه عكس الظلم الموجه إليه في فترة زمنية معينة إلى صدور كافة أبناء شعبنا اليمني.
يسعى الحوثيون اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى (شرعنة) وجودهم من خلال حزمة أفعال لا ترقى جميعها إلى إضفاء شرعية تحولهم من أقلية اجتماعية إلى أغلبية سياسية تتحكم بشؤون وطن يتجرع الويلات في كل يوم يمر وهو يعيش هذا الفراغ السياسي القريب إلى (التيه)، ووحده الله يعلم كم من السنوات سنحتاج لتجاوز مرحلة ما بعد الـ(21) من سبتمبر 2014، لكنها بكل تأكيد ستكون سنوات عصيبات تتجاوز في صعوباتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تلك الفترة التي تحولت فيها جماعة الحوثي من جماعة دينية تتخذ من الجبل مأوى لها، إلى قوة سياسية متسربلة باسم الدين لا تبحث إلا عن جمل السلطة، وبالتالي كل الوطن لتستفرد به ضاربة عرض الحائط آمال وتطلعات كل اليمنيين الذين ساندوهم حتى تجاوزوا كل محنهم المهددة لاستمرارية تناسلهم، فيما تستمر حياة المواطن اليمني في الانحدار من سيئ إلى أسوأ بفعل تعطيلهم للعملية السياسية المعقدة أصلاً قبل حضورهم، والمتوقفة بحضورهم الذي ملأ كل المشهد السياسي اليوم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى