المدنية بين الحقيقة والوهم

> عبد الجبار الزريقي

> نشأت المدنية بالنشوء الثابت والنهائي للعلاقات الاقتصادية البرجوازية، وشروطها في فرض أوضاع اجتماعية وثقافية وأخلاقية لا رجعة عنها للخلف إلا في ظروف الأزمة النهائية الجذرية لتلك العلاقات، حيث تكاد تنحط المدنية على أن ذلك لا يعنينا عن الجذور الأولى المدنية في مراحل تطورها الملموس المزدهر للحضارات الإنسانية القائمة على نشوء المدن وازدهارها وبالنسبة للتاريخ الحديث في اليمن فإن جذور المدنية قد نشأت بشكل أولي في العاصمة الاقتصادية عدن في جنوب الوطن في مستهل الثلاثينات ثم تطورت تلك الأشكال الأولية وازدهرت وازدادت تبلوراً في اتجاه تجسيدها داخل هذه المدينة التي أصبحت مدنية شبه عمالية - شبه أممية، حيث انطلق منها التأثير إلى المدن الآخرى وأريافها القريبة والبعيدة، حيث شكلها مقياس كامن في تطور أبعادها الاجتماعية والثقافية المشعة، ويُعتبر مقياس الحرية أهم مقياس جوهري لها، وحينما انفجرت ثورة 26 سبتمبر كانت مدشنة لتطور العلاقات البرجوازية مما أفضى إلى توسع وتعمم المدن في أنحاء شمال وطننا حيث تمكنت تلك المدن من أن تلعب الدور المؤثر اتجاه الدور القيادي في الريف ابتداء من مستهل الثمانينات حتى يومنا هذا إلا أن مثل ذلك التوسع والتعمق للعلاقات الاقتصادية والبرجوازية متبيانتها الأخلاقية إلى المدنية والسلوك المدني لم تنجح كثيراً بل ظلت على عكس المدنية في عدن حيث ظلت شبه مدنية وإن كانت الآن تنزع إلى التمدن بصعوبة ورتابة ورغم أملنا وتفاؤلنا بالمدنية والسلوك المدني إلا أنه لاينبغي أن تماهى أهداف الاستعمار الاقتصادي والثقافي وبغيتها في فرض سياسة فرق تسد داخل مجتمعنا المتوقد إلى الأمام وعملت من خلال ذلك أحداث الانقسامات القاتلة في مجتمعنا إلى قسمين متناحرين مدني وتقليدي، ذلك لأن أغلب حركتنا الثورية والتقدمية تقليدية، وكذلك نسبة كبيرة من طبقتنا العاملة الثورية تقليدية أو شبه تقليدية، وذلك من حيث معاير المثقفين الأدعياء بالتمدن والمدنية، الذين أكثروا الانصياع للمخططات الخفية والعلنية للاستعمار الجديد، فهل ندرك ماهي المدنية التي ينبغي تحقيقها في سلوكنا في التمدن والمدنية ؟ على الأشكال المقبولة وخصائص توسطية تضامنية انتقالية تلبي حاجة مجتمعنا أو مصالحهم المعيشية ووقف التدهور الشامل الذي يجري الآن، وهل سيقبل متمدنو المدنية الحقة (عدن) المدنية التي يطالب بها دعاة التمدن؟
**عبد الجبار الزريقي**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى