رسالة للقادة

> كتب / هاشم عبدالله الحامد

> الناس في هذه الحياة صنفان صنف جعله الله مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، وصنف جعله الله مغلاقًا للخير مفتاحًا للشر، والمتتبع لسير العظماء من الأنبياء والمرسلين الذين رسموا للبشرية لوحات العدل والصدق والتضحية والأمانة لإخراج الناس من الظلمات إلى النور “هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور” وسار على نهجهم العلماء والصلحاء الذين هم مفاتيح الخير للأمة، في كل زمان ومكان يجد المتتبع للتاريخ أنهم من خلال إيصال رسالتهم ودعوتهم سعوا إلى أن يقدموا الأفضل للإنسانية ولم يسعوا أن يكونوا الأفضل، أي أنهم لم يبحثوا لتمجيد ذواتهم، ومواقعهم، لكنهم سعوا في كل مراحل حياتهم وإيصال رسالتهم لتجسيد هذا المفهوم فعلا وقولًا، ومن خلال التعرف على بعض النماذج من رسالتهم تشاهد هذا بوضوح في الآتي:
سيدنا إبراهيم عليه السلام “ربنا واجعلنا مسلمين لك وأرنا مناسكنا” وسيدنا عيسى عليه السلام “تعلم مافي نفسي ولا أعلم مافي نفسك” وسيدنا موسى عليه السلام قال: “رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير” والحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قال وهو في الطائف بعد أن تعرض للأذى “ربي أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي...”.
والمتأمل لحياة نبينا - عليه الصلاة والسلام - الذي قدم الحلول الناجعة للأمة على مر الأزمنة من خلال منهجه الذي رسمه للقادة خاصة، وفي طريقة التعامل مع الأحداث والأزمات، حتى قال ذلك الحكيم: “لو كان محمد - صلى الله عليه وسلم - بيننا لحل قضايانا وهو يحتسي فنجانًا من الشاي”، عاش حياته في حجرات بسيطة، وكان فراشه حشوه الليف، دخل إلى حجرته عدي بن حاتم فلم يرَ إلا وسادة في حجرته الشريفة، قدمها له، فحطم ما في نفس عدي من تعظيم زائف للصورة الكسروية والقيصرية وخرج وهو يعظم الإسلام، ويحب الإسلام، وكان يدخل الأعرابي ويقول: “أيكم محمد (صلى الله عليه وسلم)؟”.
سيدنا عمر فتح بيت المقدس بثوبه المرقع اثنتى عشرة رقعة، وسيدنا علي بن أبي طالب كان أزهد الحكام، وسيدنا الحسن ترك الحكم لأنه صلح وأصلح بين طائفتين عظيمتين من المسلمين، وسيدنا عمر بن عبدالعزيز تنازل عن كل الامتيازات التي تعطى للحاكم وقدم أنموذج القائد العادل، فلم يوجد فقير في مرحلة حكمه، وحصل صلح نادر لم تشهده الإنسانية بين الذئب والغنم.
واليوم الرسالة للحكام والقادة هي: إن أردتم أن تقدموا الأفضل للأمة ويخلدكم التاريخ في لوحة الشرف فاتركوا أفضلية شخصياتكم وقدسية أحزابكم وصواب أطروحاتكم، وانقادوا للقائد الكامل، الذي قدم للإنسانية الأفضل والأجمل والأكمل والأشمل فهو من يستحق وحده لا غيره أن يعتلي عرش القلوب إنه نبينا وقائدنا الأعظم الذي إن أحببتموه وعظمتموه وأكرمتموه لكنتم قادة للأمم، بدلًا من أن تكونوا في ذيل الأمم، لأن الإسلام العظيم الذي جاء به نبينا الكريم، ورضي ربنا به لنا “ورضيت لكم الإسلام دينًا” لا يتلون ولا يتغير وهو صالح ومصلح لكل زمان ومكان، كما قال الإمام الشعراوي: “الإسلام كالماء لا لون له”، وكل فكرة أو أطروحة ادعت أنها إسلامية إنما أخذت من ذلك الماء الصافي الزلال ثم إنها أضافت له لونًا معينًا، وهو ما يعني فهمها للإسلام وللنصوص، كما يضيف أحدنا للماء عصيرًا أوشرابًا فصار الادعى لهذه الأفكار والأطروحات والأحزاب أن تقول هذا فهمي للدين وهذه رؤيتي للإسلام، حسب اجتهادي، وبذل الوسع عندي، لا أن تقول هذا هو الإسلام، ومن لم يرَ ما أرى فقد خالف منهج الأنبياء، والحقيقة أن فكرة تخطئة الآخرين جملة وتفصيلًا، وتصويب النفس وتنزيهها عن الأخطاء منهج فرعوني ذكره القرآن “ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد”.
وإن مكمن الخطورة في الأطروحات التي يطالب بها أصحاب النفوس الصغيرة في زمن الأزمات وزمن قبض العلم ونقض عرى الإيمان أنهم يدّعون الأفضلية بأشخاصهم وأطروحاتهم وانتماءاتهم، ويرسمون ويعلنون للعالم أن عندهم الحلول وعندهم المخرجات، وهي في الحقيقة وعود غير صادقة، وإن ادعوا أنهم هم الأفضل والأقوى والأحسن والأكثر هي السبب الحقيقي لهذا الفشل المتكرر والفساد المتغير، وهذا مفهوم خاطئ يخاطب الناس من خارج الواقع ومن بروج عاجية وجمهوريات إفلاطونية مفهوم رسمه أشقى المخلوقات على مر الأزمنة مفهوم إبليسي شيطاني “قال أنا خير منه خلقتني من نار” ومفهوم فرعون عدو الله “أليس لي ملك مصر” ومفهوم قارون عدو الله “إنما أوتيته على علم عندي”، إن إسلامنا العظيم يبحث اليوم في أبنائه أن يجددوا مفهوم الانقياد الكامل والانطواء الشامل للنبي العظيم والقرآن الكريم قولًا وفعلًا ممارسة وتطبيقا، أفرادًا وجماعات، وأن يتجدد هذا المفهوم أيضًا لدى القادة بتقديمهم الأفضل في كل أعمالهم وأقوالهم، من خلال: إنصاف يتحلون به ولو لمرة واحدة في حياتهم ورجوع للحق عند معرفته (أصابت امرأة وأخطأ عمر)، وإخلاص (لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألني الله عنها لمَ لمْ تفسح لها الطريق)، الأمة اليوم تتعثر، والحلول تتعسر، والأخطار تكثر، ولسان حال الأمة وامحمداه وامحمداه، وإنها لأمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة.

كتب / هاشم عبدالله الحامد

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى