نهاية مأساوية لمعلم

> كتب / رباب محمد فرحان

> بالصدفة التقى الأستاذ أحمد بصديق قديم وعزيز عليه، مد يده إليه بالتحية، ودعاه ليشرب معه فنجاناً من الشاي، لم يمانع الصديق وذهب معه إلى المقهى المجاور، كانت خطواتهما بطيئة وحركتهما ثقيلة.
طلب أحمد كوبين من الشاي، وبدأ برشف الشاي بشفتين شاحبتين مرتعشتين، ومع كل رشفة كان يرفع نظره ويحدق في وجه صديقه ويركز على التجاعيد التي رسمت خريطة عميقة على جلد متعب من أمد السنيين وتعب الزمن، تلك التجاعيد التي تتخللها عروق الدم المنتفخة بقاذورات الزمن من كلسترول وأملاح و شحوم، وحول عينيه يتكور لون الحزن العميق، لم ينسَ أحمد ومع كل نظرة في وجه صديقه أن يمد يده إلى وجهه متحسساً تجاعيده، كان يرى في وجه صديقه المتعب صورته هو الأكثر تعباً وإرهاقا، لم يكن ذلك ترفاً، ولكنها كانت حقيقة المأساة، حيث عاشا معا وعملا معا وفي نفس الظروف اللعينة.
مضى زمن و كأنه الدهر، لم ينطق أحدهما بكلمة واحدة، لم يقطع صمتهما إلا صوت أجش لشاب في مقتبل العمر، منفوخ الكرش، متورد الخدود، برائحة عطر تزكم الأنوف، وبصوت أجش نطق: الأستاذان القديران أنتما هنا؟
التفت الأستاذ أحمد دون أن يتحقق من مصدر الصوت وقال: “ما هذا السؤال الغبي، وأين تظننا نقعد، أفي المريخ إذن؟!”، لم يغضب الرجل بل ربت على كتفيهما ودفع قيمة الشاي وأنصرف.
ألم تعرفه يا أستاذ أحمد؟ إنه مدير التربية الجديد، ورد الأستاذ أحمد عليه، وماذا في ذلك؟ وليكن، وماذا في استطاعته أن يعمل؟ أيستطيع أن يعيد لي عمري الذي مضى هدراً؟.
يعيده صديقه إلى رشده قائلاً له: “أحقاً لم تعرفه أنه غسان، ذلك الطالب الغبي الذي كنّا ندرسه في المدرسة الثانوية”، نظر الأستاذ أحمد إلى الخلف تفرس بوجه مدير التربية والذي لم يبتعد كثيراً عن المكان، قفز من مكانه قائلاً: “آه عرفته الآن دون أدنى ذرة من الشك إنه محفور في أعماقي بما كان يفعله من شقاوة وأذية، ولكن من سمح له بشغل ذلك المنصب الكبير والمقدس والذي لا يستحقه، إنه إنسان غبي و بدون مواهب”، وازداد اضطرابه مضيفاً “إنها بالطبع بلاد العجائب، حيث يقدم عديمي القدرات على الأذكياء والمخلصين، إنها المحسوبية والرشوة والمناطقية والقبلية”، كان يتكلم وكل جسمه يرتعش، وأكمل وقد ضرب يده على الطاولة فسقط هو والطاولة على الأرض، وسقطت معها أكواب الشاي والشاي عليه، يزيد ارتعاشه ويتغير لونه، تأخذ قدماه ويديه بالحركة وبعشوائية وفي كل اتجاه.
تجمع عليه الناس وحملوه على الأكتاف إلى أقرب سيارة موجودة في تلك اللحظة، وقد كانت سيارة فارهة آخر موديل أدخلوه فيها، وما كاد يستقر على متنها، حتى رأى نفس مدير التربية الذي تحدثنا عنه آنفاً، فزاد تشنجه وازدادت حركات رجليه ويديه غير المنتظمة، انفتح فمه بكامل المسافة، واندلعت لسانه إلى الأمام واصطكت أسنانه، وما هي إلا لحظات حتى خرج زبد أبيض اللون من فمه إلى الخارج، وفجأة يسكن وكأنه الهدوء المطبق، وتزرق أطرافه، نعم فقد لفظ الأستاذ المسكين أنفاسه الأخيرة، وودع الدنيا إلى الأبد.

كتب / رباب محمد فرحان

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى