قصة قصيرة .. المتقاعد

> تطايرت الشتائم من فمه تطاير الشرر من كير الحداد، وصبَّ جام غضبه على زوجته الصابرة، وزمجر وأرغى وأزبد ورمى ما بيده من سمك على التراب، عند علم أن الغاز قد انتهى، ولا غداء إلا بغاز جديد.
كان أكرم كثير التذمر، لا يُرى إلا وهو يشتكي غلاء المعيشة، وارتفاع سعر البنزين، وراتبه البخس الذي يستلمه أول كل شهر، كان كغيره من المتقاعدين يتقاضى أجرًا زهيدًا، إلا أنهم كانوا يعرفون كيف يعرفون حسب إمكانياتهم، ألا هو حيث كان على موعد مع سوق القات، لا يغيب عنه لا في الصباح ولا في المساء، يزحف إليه راحلاً أو راكباً في شدة الظهيرة، وشمس مايو ترسل أشعتها الحارقة، وهو فرح، تعلو وجه ابتسامة الانتصار على الأهل والأصهار.
لقد ضبط عقارب بطنه على ولائم الأعراس، لا تفوته في مدينة أو قرية مجاورة، حيث تصله أخبار العقود تباعًا، فيسطر لها جدولاً يصنعه في جيبه، حتى لا تسبقه وليمة، ولو لم يُدعَ إليها.
ضجّ منه أصحاب الدكاكين، فلا يوجد بائع إلا ويشتكي من عدم سداد ديونه، كان كلما تعامل مع بائع ينتقل إلى غيره دون أن يسدد ما للأول، حتى امتنع الناس عن تديينه، ومن أين له أن يدفع لهم ؟!!، وهو يستمتع بالتخزين، ويصرف على القات بكل سخاء، لا يهمه قوت أطفاله، ولا يخجل من كثرة معاتبة الناس له.
ظل في عداء مع أسرته، قد هجر زوجته منذ ثلاث سنوات، لا يخاطبها ولا يقربها، أما أبناؤه فكان يرد عليهم السلام إن سلموا، وبعدها يغلق عليه باب حجرته، ويخلو بنفسه لساعات طوال، لا يشعر بوقت صلاة، ولا أداء واجب، أو زيارة مريض، استحكمت فيه تلك الحالة، حتى أصبح يخاطب نفسه، وتصدر منه ألفاظًا صبيانية إثر العزلة، وهو لا يخلو إلا بتلك الأغصان، يبث لها شجونه وآهاته، يقلبها بين كفيه، كمن ينتقي كنزًا ثمينًا، كانت له طقوسه الخاصة به في التخزين، يستوي عنده الليل والنهار، حتى شارفت حالته على الانهيار، فدخل في صمت عميق.

كتب / محمد أبو بكر الحدَّاد

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى