رجـــــــــــــال في ذاكـــــــــــرة التـــاريـــــــــــخ 1-الحبيب صادق بن محمد العيدروس.. ورث العلم كابرا عن كابر 2-الفنان حسين بن سعيد الكاف.. ورث الفن كابرا عن كابر

> نجيب محمد يابلي

> **تريم
تريم إحدى أشهر مدن وادي حضرموت، أو قل مثلث وادي حضرموت (شبام وسيئون وتريم).. تقع تريم شمال شرق شبام، وقيل سميت باسم تريم بن السكون بن الأشرس بن كندة، ويقال إن أول من عمرها تريم بن حضرموت بن سبأ الأصغر، وقد ورد اسمها في النقوش القديمة، مرة باسم “ترم” وأخرى باسم “تريم”.
تريم تعتبر “عطر الحضارم”، حيث فاحت روائحها الإيمانية في الشرقين الأفريقي والآسيوي، وكانت ولا تزال قبلة الباحثين عن العلم، واشتهرت بالمدارس والأربطة والمساجد، منها المسجد الجامع ومسجد الوعل ومسجد عاشق ومسجد بالعوي ومسجد الفتح ومسجد المحضار المشهور بمئذنته المرتفعة.
ومن معالم تريم مكتبة الأحقاف التي تضم 6200 مخطوطة يعود أقدمها إلى القرن الخامس الهجري، وقد برز الكثير من أبناء مدينة تريم في مختلف المجالات العلمية والدينية، كما أنتجوا المئات من المؤلفات في الحديث والتفسير واللغة والجغرافيا والتاريخ وغيرها من العلوم. (الموسوعة اليمنية - المجلد الأول - ص 665).
1- الحبيب صادق بن محمد العيدروس
**الولادة والنشأة
شجرة نسب الحبيب صادق العيدروس طويلة، أكتفي منها باسمه وعدد من السلف الصالح الذي يبدأ بوالده العلامة محمد بن عبدالله بن عيدروس مروراً بأحمد المهاجر بن عيسى إلى جعفر الصادق إلى الحسين السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء ريحانة الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه.
ولد الحبيب العلامة صادق بن محمد العيدروس في تريم، مدرسة “الدين المعاملة” في 8 ربيع أول 1352هـ الموافق 30 يونيو 1933م من أبوين طاهرين: العلامة محمد العيدروس والعفيفة سلامة بنت صلاح بن أحمد بن سعيد باطاهر.
كعادة أهل تريم حفظ الحبيب صادق العيدروس القرآن الكريم وهو في الثامنة من عمره في قبة أبي مريم وأتم حفظه في مسجد السقاف، وفي هذه البيئة المباركة نشأ على حب العلم والعلماء والصالحين. (كراس مواهب القدوس في ترجمة الحبيب العلامة صادق بن محمد بن عبدالله العيدروس - مركز الإبداع الثقافي للدراسات وخدمة التراث، تولى جمعه وترتيبه تلميذه الأستاذ ناصر عبدربه محمد صالح اليافعي).
**مشوار علمي وتعليمي تخللته جرعات مكثفة**
بعد أن أكمل السيد صادق العيدروس تحصيله التعليمي على يدي والده العلامة محمد العيدروس وفي قبة أبي مريم ومسجد السقاف أرسله والده إلى المدارس الابتدائية المعروفة آنذاك بـ“جمعية الأخوة والمعاونة والمؤازرة” مع كوكبة من كبار العلماء منهم الشاطري وبن سميط وبلفقيه والكاف وأمان والبكري، وبعد أن أتم الدراسة في جمعية الأخوة والمعاونة نقله والده إلى رباط العلم والعلماء المسمى “رباط تريم التعليمي” وأخذ العلم عن كبار العلماء منهم مفتي تريم الشيخ سالم بكير والشيخ محفوظ الزبيدي وعلوي بن شهاب الدين وابن حفيظ والمشهور والحداد وبافضل وبن سميط والحبشي وبن عبيدالله السقاف، وغيرهم.
**نماذج من المؤلفات التي نهل منها الحبيب صادق**
نهل الحبيب صادق العيدروس من أمهات الكتب في مختلف فروع العلوم:
في الفقة درس: “سفينة النجاة” و“الرسالة الجامعة” و“متن أبي شجاع” و“المقدمة الحضرمية” و“المنهاج للنووي” و“تحفة المحتاج في شرح المنهاج”.
في اللغة: “الآجرومية” و“شرح بن عقيل” و“ألفية بن مالك وشرحها”.
في الحديث الشريف وعلومه: “كتاب الشفاء” للقاضي عياض، ثم صحيح البخاري وصحيح مسلم ثم سنن أبي داود ثم سنن الترمذي ثم النسائي ثم سنن بن ماجة وغيرها.
وقرأ ـ رحمه الله ـ على أيدي علماء أجلاء أمثال الحداد والسقاف والحبشي والبار علوماً مكملة منها “إحياء علوم الدين” المرجعي للعطر الذكر الإمام محمد الغزالي.
**جولات الحبيب العيدروس في حواضر العلم**
شد الحبيب صادق العيدروس الرحال إلى حواضر العلم والديار المقدسة منها مكة المكرمة، وأخذ عن شيوخ العلم أمثال محمد المالكي وحمزة العيدروس وكرامة حداد.
وفي المدينة المنورة أخذ عن شيخي العلم محمد الهدار وفضل البار وفي تعز أخذ عن الحبيب إبراهيم بن عقيل، وفي عدن أخذ عن السيد زين العيدروس، منصب عدن، والشيخ علي باحميش والشيخ محمد بن سالم البيحاني والشيخ كامل صلاح والشيخ شيخان السقاف.
**محطات في حياة الحبيب صادق العيدروس**
انتقل الحبيب صادق إلى عدن بعد إكمال دراسته في رباط تريم وذلك عام 1950م وأقام في عدن حتى 1953م طلبا للرزق وغادر إلى تريم بعد وفاة والده وتزوج في تريم من أسرة الكاف.
انتقل بعد ذلك إلى السلطنة الواحدية حيث درس في مدرسة ميفعة وأمضى فيها الفترة من 1954 - 1958م ثم شد الرحال بعد ذلك إلى عدن حيث التحق بمركز تدريب المعلمين بالطويلة (كريتر) خلال العام الدراسي 1958 - 1959.
استقر الحبيب صادق في عدن وعمل مدرسا في مدارسها خلال الفترة 1960 - 1990 حيث قضى آخر 16 سنة من خدمته مدرسا في ثانوية بلقيس للبنات، وأحيل بعد ذلك إلى التقاعد عام 1990.
كرس الحبيب صادق ثلاثة عقود من حياته في الخطابة بمسجد العيدروس العريق في كريتر خلفا للعلامة حمزة بن الشيخ أبي بكر، بالإضافة إلى برنامجه الأسبوعي “فتاوى” من قناة عدن الفضائية و“حديث الجمعة”.
في الخامسة من فجر الأربعاء 22 ربيع الثاني 1436هـ الموافق 11 فبراير 2015 انتقل الحبيب صادق العيدروس إلى جوار ربه، ورثاه العلماء والدعاة والوعاظ، أما العلامة والحبر الفهامة الحبيب أبوبكر العدني بن علي المشهور فقد رثاه **بقصيدة عصماء مطلعها:
قل لي رعاك الله ماذا قد ألم
فاجأتني وأثرت بي ماضي الألم
خلف الحبيب صادق العيدروس وراءه سجلا ناصع البياض من الأعمال الجليلة ومحبين وأبناء، هم: محمد وعبدالله ومصطفى وصلاح وحسين وأحمد، وبنتين، أما ولده عدنان فهو من زوجته الأخرى ابنة الحبيب أحمد بن عبدالله العيدروس.
اعتمدت في إعداد هذه المادة على مبحثين مقدمين من الأستاذ ناصر عبدربه اليافعي والسيد عبدالقادر بن عبدالله المحضار.
2- الفنان حسين بن سعيد الكاف
الفنان والمخضرم الكبير حسين بن عبدالقادر بن حسين الكاف المعروف باسم حسين بن سعيد الكاف من مواليد تريم الغناء عام 1918 في بيئة علمية ثقافية فنية نهل منها الفن وتربى في كنف والده الذي كان يجيد العزف على آلتي العود والكمان، وأخذ من محيط آل الكاف وتريم المدينة أصول الشعر والأدب وطرق الغناء والنشيد الديني وحرفية الدان.
درس في مدرسة الأخوة ومدرسة الكاف وتعلم في رباط تريم الإسلامي الشهير على يد مؤسس الرباط خاله العلامة عبدالله بن عمر الشاطري. رافق رائد الدان حداد بن حسن الكاف في مجالسه ومساجلاته وأخذ منه وحفظ عنه أشعار وألحان الدان.
**حسين الكاف وولادة فنية وهو في ربيعه الـ 12**
انتزع العم حسين بن سعيد الكاف شهادة اعتراف بموهبته وهو في ربيعه الثاني عشر، أي عام 1930 عندما شنف الآذان في أول فرقة موسيقية أسسها آل الكاف بتريم وكانت الانطلاقة الواعدة التي أدخلته دائرة الضوء مع شقيقه الأصغر الفقيد عيدروس بن سعيد الكاف (المتوفى في شهر نوفمبر 2009) وله عدة تسجيلات في مكتبة الإذاعة والتلفزيون.
**العم حسين قبلة الباحثين وشريك المداخلين**
يقول الزميل هشام علي السقاف في موضوعه الجميل عن وفاة الفنان حسين بن سعيد الكاف (السلا حتى آخر نفس) في الزميلة (النداء) في عددها (219) الصادر يوم الإثنين 11 يناير 2010: “رجع إلى العم حسين عدد من الباحثين في الموسيقى والفنون اليمنية، عربا وأجانب وأعانهم بمعلوماته الوفيرة عن تقاليد وألوان الفنون في حضرموت، كما شارك (مدعوا) في كثير من الندوات والمؤتمرات والمهرجانات المحلية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، وتردد اسمه في الكتب والبحوث - القليلة - المنشورة عن الغناء والفنون في حضرموت.
**العم حسين وبيت عامر بالضيافات**
بحسب إفادة الزميل هشام علي السقاف (مرجع سابق) “كان بيت العم حسين سعيد الكاف سواء في تريم أو في سيئون - خصوصا- عامرا بالضيافات وجلسات الطرب طوال حياته، وكان بيته حاضنة ميلاد أغان كثيرة لحداد بن حسين الكاف أو حسين المحضار أو أبوبكر سالم بلفقيه وغيرهم من كبار المبدعين أو الهواة أو الناشئين.
**محطات عمل العم حسين بن سعيد الكاف**
تعددت وتنوعت محطات العمل في حياة المترجم له حسين بن سعيد الكاف بين تريم وسيئون، وكان أول مشواره الوظيفي في بلدية تريم من عام 1965 حتى عام 1969 ثم التحق بخدمة المنظمة الوطنية للخدمات العمومية حتى عام 1971 ثم انتقل إلى سيئون للعمل في التعاونية الزراعية حتى عام 1978 وعين في العام نفسه مديرا لإدارة محطات الوقود والنفط بوادي حضرموت ومارس مهام عمله لاثنين وعشرين عاما حتى تقاعده عام 2000م.
**الفنان الكبير حسين بن سعيد الكاف في رحاب الخالدين**
نشرت الزميلة (النداء) تقريرا إخبارياً من مراسلها في سيئون حسام عاشور حنشي في نفس عددها الصادر يوم الإثنين 11 يناير 2010: “شيعت مدينة تريم الغناء السبت الماضي في موكب جنائزي مهيب جثمان الفنان القدير حسين بن سعيد الكاف إلى مثواه الأخير بمقبرة زعبل عقب الصلاة عليه في جبانة تريم والذي وافاه الأجل عن عمر ناهز 91 عاماً بعد حياة فنية تركت بصمات وإسهامات واضحة في الارتقاء بالدان الحضري والأغنية الحضرمية واليمنية”.
خلف الراحل الكبير حسين بن سعيد الكاف إرثا فنيا وقاعدة اجتماعية واسعة ومحبين وأربعة أبناء: الأستاذ عبدالقادر، عميد كلية المجتمع بسيئون وعبدالرحمن ومحمد وعبدالله، وبنتين.
**نجيب محمد يابلي**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى