الآثار التاريخية بوصاب ذمار.. جوهرة بيد فحام

> تقرير/ إياد الوسماني

> تعد منطقة وصاب بمحافظة ذمار إحدى مناطق اليمن ذات الجذب السياحي، حيث تحتوي على العديد من المعالم والقلاع والحصون، كما يوجد بها ضريح الزير سالم، وتمتد منطقة وصاب على مساحات خضراء، وإذا نظرنا إليها من سفوح الجبال نجدها تبدو وكأنها توشيح الحب الأخضر، تدهشك المناظر الخلابة التي تحرسها القلاع والحصون العديدة والتي لعبت أدوارا تاريخية في صد أطماع الغزاة، بل وأسهمت في تحرير مدينة زبيد من أيدي الاحتلال الحبشي “بني نجاح”، حيث انطلق علي بن مهدي بثورته التحررية من جبال وصاب وخصوصا من حصن الشرف والداشر وقوارير باتجاه زبيد في 546 هجرية، تلك الجبال التي تشكل جزءاً من سلسلة الجبال الغربية لليمن المطلة على سهول تهامة التي يتراوح ارتفاعها ما بين (380 - 3500 متر) فوق مستوى سطح البحر.
ومن أشهر جبال هذه المنطقة جبل الدن ثاني أكبر جبل بعد جبل النبي شعيب، ثم جبل الجميمة في بني علي، وجبل المصباح المشرف على تهامة من الغرب، والذي يرى الزائر منه جبل جزيرة زقر في البحر الأحمر.
وتقع وصاب غرب مدينة ذمار، وتبعد عنها 180 كم وتنقسم إلى مديريتين: وصاب العالي، ووصاب السافل، وتمثل 5 دوائر انتخابية في البرلمان.
يحدها من الشمال محافظة ريمة، ومن الجنوب مديريتي القفر والعدين بمحافظة إب، ومن الشرق مديرية عتمة، ومن الغرب مدينة زبيد وأجزاء من جبل رأس محافظة الحديدة.

وتحتل وصاب مساحة واسعة، ويسكنها أكثر من 411,626 ألف نسمة، حسب آخر تعداد عام 2004م، وتضم وصاب العالي عزلة الدن مركز المديرية، ونعمان وكبود وبيت العفيف وعزلة بني مسلم ومخلاف جعر وجبل مطحن، وتشمل وصاب السافل أكثر من 33 عزلة منها عزلة بني علي، بني حطام، بني صالح، بني عياش، المصباح والأحد الذي يعتبر مركز المديرية.
ولوصاب تاريخ موغل في القدم، حيث يذكر الهمداني في كتابه “صفة جزيرة العرب” أن وصاب هي “جبلان العركبة” والتي تشمل مخلاف “نعمان العركبة” أي وصاب السافل التي يصفها بأنها بلد واسع ورخي طيب الأرض مبارك الأجواء زكي الأرجاء له تاريخ مستقل سكنته بطون من حمير من نسل جبلان.
ويرجع تسمية وصاب نسبة إلى ساكنه الأول “وصاب بن سهل بن زيد بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم العظمى، وينتمي نسبه إلى حمير الأكبر ومنهم من يقول “إن الاسم هو أصاب بتبديل الواو همزة”، يصف ياقوت الحموي صاحب كتاب “معجم البلدان” أن وصاب هو اسم يحاذي زبيد باليمن وفيه عدة بلدان وقرى وحصون، وهناك رأي آخر للنسابين والإخباريين في نسب وصاب بن سهل بن زيد بن جمهور بن عمرو بن قيس بن جشم العظمى بن عبد شمس بن وائل بن الغول بن حيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن اليمن بن الهميسع بن حمير الأكبر بن سبأ الأصغر، وقد أطلق عليها في النقوش اليمنية القديمة “ذي مرثد” أي بلاد مابين المائيين ويقصد بهما وادي رماع ووادي زبيد.
سكن وصاب الشراحيون وهم آل يوسف فقد حكموا تهامة قبل ظهور الدولة الزيادية، واستمر حكمهم 61 عاماً وهم أقيال حمير امتد حكمهم حتى سواحل البحر الأحمر في ظل دولتهم التي عرفت بدولة الشراحيين مطلع القرن التاسع للميلاد، ويذكر مؤلف كتاب تاريخ وصاب المسمى “الاعتبار في التواريخ والآثار” أن أبناء وصاب أرسلوا كتاباً إلى الخليفة عمر بن الخطاب يشكون من ظلم ملك عركبة فما كان من أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - إلا أن حرر رسالة إلى ملك عركبة وقال فيها: “من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى صاحب عركبة أما بعد.. حمدا لله لقد كثر شاكوك وقل شاكروك، فإما عدلت وإما اعتزلت”.
وفي وصاب السافل قرية اسمها “بيت البعداني” وهذا يعني أن بعدان بن حمير بن سبأ كان له علاقة بأصاب بن حمير، وأن هناك تواصلاً قديماً بين أبناء بعدان ووصاب لدرجة أن أحد شعراء القرن السابع الهجري وصفهما بقوله: “خيرة أرض الله وصاب وخير أرض اليمن بعدانها”.

وهناك ما تزال العديد من المعالم التاريخية والأثرية شاهدة على أصالتها وحضارتها والتي ما تزال بكراً يعيش في أحشائها مختلف الآثار ومن الصعب الكشف عنها لوعورة المنطقة وبعدها عن مركز المحافظة حيث لم تصل إلى أغلب تلك المناطق أي بعثة أثرية أو فرق متخصصة لدراسة ذلك التاريخ المنسي، الأمر الذي يتطلب من الجهات المتخصصة زيارة تلك المواقع الأثرية والكشف عنها، والذي ما يزال البعض منها شامخة تقاوم وتحافظ على بقائها.
كما أن العديد منها أصبحت بحاجة ماسة إلى الترميم والاهتمام نتيجة للإهمال الواضح الذي يعانيه التاريخ والحضارة التي تعد رمز الهوية الوطنية في مختلف معالمها التاريخية الإسلامية الحضارية من القلاع والحصون.
**معالم دينية**
ومن أبرز المعالم في هذه المنطقة “قبة عراف” التي تمتاز بمواصفاتها المعمارية الهندسية الرائعة وزخارفها البديعة، ويوجد بداخلها عشرة قبور عليها أضرحة خشبية، يذكر أنها كانت ـ قديما ـ كنيسة وتم تحويلها خلال العصر الإسلامي إلى معلم ومدرسة إسلامية.
ومن هذه المعالم الدينية الجامع الكبير بمنطقة الأحد - وصاب السافل، ويعد من الجوامع القديمة حيث يرجع بناؤه إلى سنة 800 هجرية، ويعد من المساجد العتيقة والشهيرة في وصابين، ناهيك عن النقوش الإسلامية والزخارف التي تزين جوانب وأسقف المسجد.
وكذا جامع المأثور في بني علي موتران، الذي يعود تاريخ بنائه إلى ما قبل القرن السادس الهجري، وأصبح اليوم بحاجة ماسة إلى ترميم سقفه الآيل للسقوط.

كما يوجد بهذه المنطقة أيضاً جامع الشرف، وجامع الباردة، وجامع العباد بجبل مطحن، وكذا مقبرة الزير سالم، التي توجد في منطقة جربان وصاب السافل، كما تذكر الكتابات ويتناوله الأهالي، حيث يبلغ طول القبر “6” أمتار وبعرض مترين، وهو عبارة عن معلم تاريخي قديم يضم رفات الزير سالم، وما يميز المنطقة التي فيها المقبرة هو أن العديد من أسماء المناطق مسماه بتسميات بني هلال، وأشخاص عاصروا حياة الزير سالم كبئر جساس، ومنطقة كليب، وبركة كليب.
كما تشتهر هذه المنطقة بمعالمها وحصونها التاريخية ويعود تاريخها إلى القرن الخامس والسادس الميلادي بوصابين وتميزت هذه الحصون بمواقعها الهامة، حيث لعبت دوراً دفاعياً إبان الهجمات الحبشية وخصوصاً في عهد الملك الحميري “ذو نواس”، ومن هذه الحصون حصن نعمان، وحصن السدة بمخلاف بني مسلم، وحصن الحمراء، وحصن المصنعة، وحصن جعر، وحصن النشم بمخلاف كبود، وحصن الساندة بمخلاف نقذ، وحصن عزان، وحصن ظفران الذي يعود إلى ما قبل الدولة الحميرية، وحصن رجوف والشرف، وحصن قوارير في الداشر، وحصن يناخ في بني حسام، وحصن يريس في الجبجب، وحصن الوكر في قشط، وحصن ظهر من الحصون التاريخية العريقة والمنيعة.
كما تشتهر هذه المنطقة بالعديد من القلاع التاريخية أبرزها قلعة الدن والتي تبدو كأنها معلقة في الفضاء والتي تدل على عظمة الإنسان اليمني وشموخه، وكذا قلعة المصباح وهي موقع أثري قديم فيه كافة المرافق من الغرف والسراديب والبرك والمدافن جميعها مطرزة بالقضاض، ويحيط بها سور حجري منيع، وقلعة المشراح، وقلعة الظاهر ببهوان، وقلعة بني علي، التي بقي منها خرائب قديمة وبعض الآثار، ومن هذه القلاع التاريخية أيضاً قلعة الأكمه ببني عياش، وهناك الكثير والعديد من الحصون والقلاع الموزعة على قمم جبال المديرية والتي لا يتسع المجال لذكرها كاملة.
**أشهر أعلامها**
اشتهرت وصاب خلال العصر الإسلامي بالعديد من علمائها البارزين أبرزهم: وجيه الدين عبدالرحمن الحبيشي الوصابي صاحب كتاب “تاريخ وصاب” المتوفى سنة 782هجرية، والعلامة أبو محمد الخضر بن محمد مسعود بن سلامة الوصابي، وأبو الصيف صاحب التأليف، المتوفى بمكة، وأبو محمد بن عبد الرحمن بن محمد، المتوفى سنة 780 هجرية، ومن مصنفاته “نظم التنبيه”، والشاعر محمد بن حمير الوصابي المتوفى سنة 651 هجرية، والشاعر بن مكرمان من أعلام القرن السادس للهجرة، والأديب عبدالرحمن البرعي من أعلام القرن 11هجرية، والأديب بن خمر طاشة صاحب المقصورة وهو من أعيان القرن السادس الهجري، أما من النساء فيذكر الهمداني في “صفة جزيرة العرب” أم الدرداء الوصابية ـ رضي الله عنها - زوج أبي الدرداء الصحابي المشهور - رضي الله عنه - التي عاشت في عهد الرسول وروت عنه الحديث وكانت زاهدة عابدة.
**مقومات سياحية**
وتمتاز منطقة وصاب بمحافظة ذمار بمقومات سياحية عدة، ولصعوبة تضاريسها وضعف إمكانياتها وكثرة احتياجاتها وأهميتها الإستراتيجية كمنطقة جذب سياحي كل ذلك يجعل من الأهمية بمكان أن يعاد النظر في الاهتمام بها لما تعرضت لها آثارها من إهمال بسب تضاريسها الوعرة وغياب الطرق الإسفلتية وضعف الخدمات والبنية التحتية السياحية والتنموية، فتعدد تضاريس المنطقة المتنوعة بين جبال عالية وأودية زراعية إضافة إلى المناخ المعتدل، وأجواء ومناظر طبيعية خلابة على قمم الجبال وسفوحها، حيث تنتشر القرى وكأنها فسيفساء أضافت إلى المنظر بعداً وسراً عجيباً حيث تختلط أصوات الطيور مع أصوات ينابيع المياه، وتنوع بيئتها حيث تتواجد العديد من الطيور النادرة والحيوانات والزواحف المختلفة كما تتنوع بتنوع موروثها الثقافي الشعبي.
إضافة إلى أهميتها الزراعية حيث يمارس العديد من أبنائها زراعة العديد من المحاصيل الهامة والتي تصدر منها إلى الأسواق العربية المجاورة وخصوصًا الموز والمانجو اللذان يزرعان بأنواعهما المختلفة إضافة إلى المزروعات الأخرى كالجوافة والرمان والبن والعمبا (البوبيه) والذرة الرفيعة والدخن والذرة الشامية، وساعدها في ذلك وجود الأودية والينابيع والعيون والغيول المائية.
إلى جانب إنتاج عسل النحل “العسل الوصابي المشهور” الذي تشتهر به مناطق “المجوحي الأجراف بني حي” ومناطق أخرى حيث يصدر منه بنسب عالية إلى الدول المجاورة، كما يمارس أبناء المنطقة عدداً من الحرف الأخرى كالرعي وتربية المواشي، ناهيك عن شهرة أبناء وصاب واهتمامهم بالصناعات المختلفة من الحرف اليدوية كصياغة الذهب والفضة وهي مهنة متأصلة منذ القدم وما تزال ممارستها حتى يومنا هذا، بالإضافة إلى صناعة الخزف والفخار وصناعة المعاوز، ويعمل آخرون في مجال التجارة والحدادة والنجارة إلى جانب أن مديرية وصاب السافل غنية بمعدن الميكا الأبيض الذي يدخل في صناعة المواد العازلة وبنسبة كبيرة جدا.
كما تشتهر منطقة ذمار بالأسواق الشعبية حيث توجد فيها مجموعة من الأسواق الشعبية الأسبوعية القديمة، وأسواق وصاب لا تختلف عن الأسواق الشعبية في أية مديرية أخرى من حيث المواعيد والمنتجات والمعروضات.
يعد سوق (الثلوث) أحد أهم الأسواق الشعبية في مديرية وصاب العالي حيث يجتمع فيه عدد كبير من التجار والباعة، ويشكل ملتقى تجارياً لأبناء وصابين كل ثلاثاء، أما سوق (الأحد) مركز مديرية وصاب السافل، وسوق المشرافة من أهم الأسواق الشعبية بالمديرية ولا يختلف عن الأسواق الأخرى في باقي المديرية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى