الرياض والمدارس الحكومية لا تفي بالغرض والمدارس الخاصة بعيدة عن الرقابة في عدن..أطفالنا.. بين إهمال الجهات الرسمية واستغلال المؤسسات الخاصة

> علي راوح

> أطفالنا هم فلذات أكبادنا التي تسير على الأرض، وهذا أمر يجمع عليه كل الآباء، ولا أعتقد - مجرد اعتقاد - أن هناك أبا لا يحب الخير والسعادة لأولاده ولا يتمنى لهم السعادة والمستقبل الزاهر، فالأطفال هم مصدر سعادتنا، وهم في الوقت نفسه مصدر شقائنا وهمنا الأكبر، فالأب الذي يرى أطفاله سعداء تتوفر لهم وسائل البهجة والسرور فإنه - وبدون شك - يشعر بسعادة غامرة، وعلى عكس ذلك فيما لو رأى أحدنا أطفاله تعساء محرومين من وسائل السعادة فإن حاله يصير حزينًا أسفا، ومن هذا المنطلق ومن حقيقة أننا كلنا أباء ونحب لأطفالنا الخير والسعادة والسرور، من هذا المنطلق البديهي يجب أن نعمل ويعمل المجتمع من أجل توفير وسائل وأساسيات الرفاهية للطفل ابتداءً من تأمين الغذاء والعناية الصحية مرورا بتوفير الوسائل الكفيلة بتنمية وعي وإدراك وتطور عقلية هذا الطفل، وفي مقدمة ذلك توفر الألعاب المسلية الهادفة بكافة أنواعها وأحجامها، وإقامة المتنزهات والحدائق العامة، وجعلها في متناول كل الأطفال، وكذا غرس القيم الحميدة لدى الطفل.
**إهمال الجهات الرسمية**
المؤشرات تؤكد تجاهل الهيئات المسئولة لأهمية العناية بأمور الطفل، ويتضح ذلك من خلال ما يأتي:
- الغلاء الفاحش الذي عم جميع مستلزمات الأطفال من أغذية وأدوية، والارتفاع الجنوني لأسعار الألعاب بكل أنواعها، مما جعل اقتناءها أمرا صعبا لدى غالبية الناس من محدودي الدخل، ثم تأتي المرحلة الأكثر معاناة وهي تجاهل الجهات المسئولة لمسألة توفير وإقامة الحدائق العامة وتزويدها بوسائل الترفيه اللازمة وتيسير ارتيادها من قبل عامة الأطفال، وأوكل الأمر للقطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال، الأمر الذي جعل أسعار ارتياد هذه الحدائق والمتنزهات أمرا مكلفا لا طاقة للغالبية العظمى من الناس به، وبالتالي حرمان قطاع واسع من الأطفال من الاستمتاع بالألعاب وارتياد الملاهي الخاصة في ظل عدم وجود الملاهي الحكومية المنافسة.
وإن ما نلمسه وما لمسناه منذ أمد ونعايشه أن الجهات المسئولة المخولة لها تخبيط المدينة (عفواً تخطيط المدينة) وصرف مساحاتها لم تبدِ أدنى اهتمام بتخصيص مساحات كافية لإقامة الحدائق العامة في تلك الأحياء المزدحمة بالسكان، وفي المخططات السكانية الجديدة والعناية بتلك الحدائق التي لا تزال قائمة، فهذه المسألة - كما يبدو - غائبة، وصار صرف المساحات يتجه نحو تشييد المجمعات التجارية والفنادق بمختلف نجومها والمكاتب التجارية والوكالات... إلخ.
الأمر الذي يبشر بمستقبل الإقفال على أطفالنا في صندوق مغلق لا سعادة فيه للطفل، ولم يقتصر الأمر على ذلك، فرياض الأطفال في عموم المحافظة تعاني من نقص حاد يشمل جميع واجباتها مثل التغذية والعناية الصحية ووسائل الترفيه من الألعاب المفيدة لنمو وتطور عقل الطفل، أما رياض الأطفال الخاصة فحدث ولا حرج، إذ إن غالبية هذه الرياض وبرغم ما تفرضه من رسوم مكلفة على أولياء أمور الأطفال فإنها عبارة عن زنازين يحشر فيها الأطفال من الصباح إلى الظهر، ذلك أن المبنى التربوي الذي تقام فيه هذه الرياض لا يعدو ـ في الغالب ـ أن يكون شققا سكنية لا تتوفر فيها المساحات الكافية لتحرك الأطفال، ولا تتوفر فيها المساحات الخضراء والواسعة ليمارس فيها الطفل حركته ويمارس قدراته الجسمانية.

وتعددت هذه الرياض في كل موقع وكل حي، وكان من المفترض أن يقوم المستثمرون في هذا المجال بإنشاء رياض في مجمعات تضم أكثر من مستثمر على أن تكون رياضا ذات مساحات واسعة وحدائق تظللها الأشجار وتكسوها الحشائش والورود لتضفي البهجة والسرور على هذا الطفل الذي ربما لا يجد هذا السرور في منزله ولا في شارعه، إذ إن معظم الشوارع لا تتوفر فيها سبل الأمان وتتبعثر في أنحائها القمامات والأجسام الخطيرة على حركة الأطفال، فضلاً عن تسرب مياه الصرف الصحي في بعض الشوارع والأحياء السكانية والتي تعيق تحركات الأطفال وتكبح رغباتهم في اللعب.
**مدارس في الهواء**
وبعد أن ينتقل الطفل إلى الصف الأول الابتدائي فإنه ينتقل إلى معاناة جديدة وأكبر شقاء على حياته من خلال التحاقه بالدراسة في المدرسة الحكومية، فهناك معاناة كبيرة في هذه المدارس التي تشهد ازدحاما كبيرا وغير معقول، إذ يصل عدد الطلاب في كل صف دراسي ما بين 70 - 100 تلميذ في الفصل، فتخيلوا كم هي المعاناة، وكيف للطفل في ظل هذا الكم العددي أن يستوعب؟! وكيف للمعلم أن يوصل المعلومات لهذا الجمع الكبير من التلاميذ؟!، فهناك تتحول العملية التعليمية إلى مجرد شغب وصياح وشجار بين الأطفال التلاميذ نظرا لازدحامها بالعدد الكبير من الطلاب، كما أن هذه المدارس الحكومية أصبحت تعاني من افتقار للأساسيات والمقومات الضرورية مثل تردي مباني الفصول وانعدام التهوية في معظم الغرف الدراسية فضلا عن تردي أوضاع الحمامات، وكذا عدم وجود المساحات المشجرة وغير ذلك من الوسائل الضرورية لمساعدة التلاميذ على التركيز على الدروس العلمية.
**مدارس عبارة عن زنازين**

أما المدارس الخاصة فأمرها عجيب، إذ إن معظم ـ بل غالبية ـ هذه المدارس لا تتوفر فيها مقومات المبنى المدرسي اللائق، فغالبيتها تتخذ من الشقق السكنية أو الفلل السكنية مقرات لهذه المدارس، لا مساحات فيها ولا تشبه المدارس في بقية بلدان الله، ولا نعلم كيف منحت الجهات المسئولة في التربية والتعليم التراخيص لهذه المدارس التي لا تتوفر فيها مواصفات المبنى المدرسي، إذ يجب أن تكون المدرسة بمساحة واسعة تتوفر فيها المقومات الأساسية، لا أن تكون غرفا مغلقة تخلق الكآبة والإحباط لدى التلاميذ وتحبط معنوياتهم وتحد من استيعابهم للدروس.
كما أن هذه المدارس الخاصة توظف معلمين مبتدئين لا تتوفر فيهم الخبرة في مجال التدريس فيكون عطاؤهم غير مفيد وغير فعال، إنها أمور محبطة لأطفالنا وهي مسألة بحاجة إلى التقييم والمراجعة بمسئولية وأمانة، وعدم ترك الحبل على الغارب، ومنح التراخيص لكل من أراد أن يعبث بالعملية التربوية والتعليمية، يجب على الجهات المسئولة في وزارة التربية والتعليم ومكتب التربية في عدن أن تقوم بواجبها نحو تلك المسماة بالمدارس الخاصة، وتقيّم أداءها وتشرف على سير عملها بشكل مستمر رحمة بهؤلاء الأطفال الذين لا نعلم كيف سيكون مستقبلهم في ظل المعاناة التي ترافقهم منذ بدء حياتهم.
وعودة إلى أيام زمان منذ الستينيات نجد في تلك الفترة أن الطفل كان يجد وسائل للترفيه وبدون تكلفة، فكانت هناك عدد من الحدائق الحكومية وفيها العديد من الألعاب وإن كانت ألعابا بسيطة إلا أنها تؤدي الغرض والهدف في الترويح عن الأطفال، ولا تكلف أي أعباء مالية على أولياء الأمور، يومها لم يكن الاستثمار الخاص قد بسط يده على متنزهات وحدائق الأطفال، فضلاً عن وجود مدارس لم تكن تعاني الازدحام الكبير في عدد التلاميذ.
**الكمسري.. ارتبط بتاريخ عدن**

وتعود بي الذاكرة إلى العام 1963م عندما دخلت حديقة أو ما يسمى ببستان الكمسري في مدينة الشيخ عثمان، كانت زيارتي الأولى وأنا في سن الطفولة، كما أتذكر تلك الزيارة التي كانت بمناسبة عطلة أحد العيدين (عيد الفطر أو عيد الأضحى)، كانت هذه الحديقة متنفسا جميلا لمواطني مستعمرة عدن حينها، يأتيها الناس من مختلف المناطق والأحياء وخاصة في العطل الرسمية والإجازات الأسبوعية، فقد تعود عليها المواطنون كمزار لابد من الولوج إليه، وبدونه لا تكتمل فرحة الأطفال بالعيد وكذا الكبار الذين يفضلون قضاء ساعات طويلة من الصفاء والاستمتاع بتلك الحديقة الغناء التي حباها الله ميزة من الجمال الأخاذ نظرا لما تحويه من مساحات خضراء مترامية الأطراف، إذ تبلغ مساحتها الكلية (230) ألف متر مربع، حديقة وارفة الظلال ذات خضرة دائمة تكسو أرضيتها الحشائش الناعمة والتي تُشكل بساطا مريحا يفترشه الزائرون، كما كانت الحديقة تمتاز بعدد من الآبار للمياه التي يعتمد عليها في سقي الأشجار والحشائش.. كان الدخول إلى هذه الحديقة بالمجان وبدون كلفة مالية، وكان يوجد فيها أنواع من الألعاب المجانية مثل (الدراهين والدوارات والطحاسات) التي يستمتع بها الأطفال دون مقابل.
أما اليوم فقد تغير الحال بعد أن أوكلت هذه الحديقة للاستثمار الخاص الذي ما أن أدخل عليها بعض الألعاب الحديثة حتى فرض عليها رسوما مالية تبدأ من دخول باب الحديقة وتتواصل الرسوم على كل لعبة وفي كل عام يتم رفع الأسعار على هذه الألعاب وعلى دخول بوابة الحديقة، الأمر الذي يثقل كاهل المواطن الذي يفكر في نقل أطفاله إلى هذه الحديقة، هكذا أصبح كل شيء بالمقابل ولم يعد يشعر المواطن أن الدولة تقدم شيئا بالمجان وبالذات لهذا الطفل الذي يريد أن يستمتع بإجازته وينسى همومه التي ترافقه طيلة الأسبوع.
كم كنا نتعشم ونحلم أن يكون للأطفال متنفسات مجانية ترعاها الجهات المسئولة والسلطة المحلية في المحافظة، فأين حقوق الطفل التي يتغنى بها المسئولون صباح مساء.
**حديقة الحيوانات.. كانت ممتعة**
ومن ضمن ذكرياتي الطفولية في الستينيات تلكم الحديقة التي كنا نسميها (بستان عبدالمجيد) وهي الحديقة التي أسسها الفقيد عبدالمجيد السلفي في ضاحية الشيخ عثمان، واستجلب إليها أنواعا من الحيوانات والطيور، فكانت مشاهدة الحيوانات متعة للكبار والأطفال على وجه الخصوص، وكان دخولها برسوم رمزية (نصف شلن) وهي رسوم لا تفي بإطعام تلك الحيوانات المتعددة والطيور المختلفة التي كنا نستمتع بمشاهدتها ونعود إلى منازلنا منشرحين ومسرورين، أما اليوم وبعد أن انقرضت هذه الحديقة، فلم نجد من الجهات المسئولة في عدن أدنى بادرة لإقامة حديقة مماثلة تكون مزارا للأطفال والكبار، وأصبح أطفالنا لا يعرفون الحيوانات إلا من خلال الشاشات التلفزيونية أو من خلال المجلات والكتب.
وهنا نوجه الدعوة للسلطة المحلية في عدن لتبني إنشاء حديقة للحيوانات في هذه المدينة العريقة على ألا توكل المهمة للاستثمار الخاص بل تكون حديقة برعاية السلطة المحلية حتى تعم الفائدة كل الأطفال وأسرهم بعيدا عن التكاليف المالية التي تزيد من أعباء الآباء، وقد سمعنا قبل سنوات أن مثل هذه الحديقة الخاصة بالحيوانات سيتم إنشاؤها في المساحة الشرقية لحديقة ملاهي عدن (الكمسري) لكن المشروع لم يرَ النور.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى