تعز.. مُدمرة بالحرب والحصار

> الشمايتين / تقرير : محمد العزعزي

> تعز كان اسمها مدينة وعاصمة المظفر.. بناها الرسوليون والإيوبيون والأتراك واتخذها الإمام أحمد عاصمة البلاد وسميت عاصمة الثقافة ومدينة العلم.. اليوم تواجه حرب إبادة وحصارا ظالما وصلف النكف القبلي من عصابة البربر وقتلة الأرض والانسان بفيالق قادمة من خلف التاريخ لكنها مازالت تقاوم الهمجية الفاشستية، ولهذا فالعز يقترن بتعز وتكتسب سمعتها من صمودها في وجه آلة الحرب المجنونة لأنها رفضت الاستسلام والذل.
هي المدينة الصامدة والمسالمة وعاصمة التنوير والمدينة العصية، المدينة المحاصرة، المدينة الصابرة، مدينة العشق والجمال والتعايش السلمي،تعز المقاومة، تعز العز، وغير ذلك كثير، كلها تسميات وصفات مشرفة عالية المقام.
تعز اليوم تتعرض لحصار وقصف عشوائي على الاحياء السكنية وتقدم القرابين والدماء من اجل مشروع مدني ودولة عدالة تحترم الحقوق والحريات وتنشر الخير في كل الأرجاء..تعز نموذج اسطوري في التاريخ المعاصر رغم صمت العالم وظلم ذوي القربى.
يقول الإعلامي موسى المقطري عن تعز : "لا تجد شجرا او حجرا ناهيك عن البشر الا ومسه من الدمار الكثير، ولم يسجل التاريخ الحديث دمارا كدمار هذه المدينة. ومع أنها مازالت قوية وتقاوم لكن جولة سريعة في شوارعها تنبئك أن حقدا اسود انصب عليها ولازال ".
وأضاف :"الانسان كان المستهدف الاول من الدمار ، فتدمير القوة البشرية بالقتل او الجرح والذي يخلف في الغالب جرحى ومعاقين هو تدمير للقوة البشرية للمجتمع ، وتدمير للقدرات البشرية التي تعد المرجح الاساسي في معادلة التنمية ".
وأردف قائلا:"اختفت في المدينة المؤسسات الخدمية وتدمرت قدراتها ، فالمياه متوقفة ، والكهرباء منعدمة ، والصرف الصحي يعاني الكثير، وكل ذلك بفعل الحرب الظالمة التي يشنها الانقلاب الاسود على المدينة ".
واختتم بقوله: "خلفت الحرب الظالمة التي تدخل عامها الثالث ركاما من المباني تلحظه بشكل اكثر في الجحملية وحوض الاشراف وما يتفرع منهما أدى الى شل الحركة بشكل كامل في هذه المناطق ، وتشريد الكثير من الاسر التي كانت تسكن في العمارات والشوارع المدمرة ، واغلاق العديد من المحلات التجارية والشركات والمؤسسات".
*الانتقام من تعز
أما عبدالله محمد فزحان (تربوي) فقال: "لم يكتف الحقد الطائفي والمناطقي والسلالي والسياسي بالانتقام من تعز قصفا وتدميراً وقتلا بل عمد الانتقام الى تطويقها وإغلاق طرق تربط المدينة بالريف وطرق وشوارع تربط وسط المدينة بأطرافها الشرقية والشمالية والغربية.. فعلى سبيل المثال فإن المسافة الجغرافية بين شارع حوض الاشراف وبين جولة القصر او فرزة صنعاء لا تزيد عن كيلو متر واحد فقط وبمسافة زمنية تقدر بدقيقتين فقط وبقيمة مالية أجرة نقل لا تزيد عن (100) ريال، لكن الحقد والانتقام جعلها تبتعد جغرافيا وزمنيا وتكلفة مالية وجهد وتعب وتعسف، فالقاصد جولة القصر من وسط المدينة يحتاج سيارة نوع صالون (لاند كروزر) جيدة الصيانة ويدفع المسافر إيجار مبلغ (4000) ريال ليسافر اليها عبر ثلاث مديريات مسافة تزيد عن (80) كم، في وقت لايقل عن ست ساعات حاملا معه بطاقته الشخصية وتلفون جوال، وعليه ان يخضع للتفتيش والاستجواب عند أكثر من (12) نقطة مليشاوية حاقدة وهو وقدره فربما يسمح له بالوصول وربما يتم اعتقاله بتهمة حمل صورة أو رسالة في جواله يسأل عن حال أحد اصدقائه، وهذا هو الحقد بذاته".
*مأساة تعز
من جانبه تحدث أحمد عبدالعزيز المقطري (مساعد طبيب) قائلا: "لم تكتشف وسائل الإعلام المختلفة مقدار الدمار الذي تتعرض له تعز والاضطهاد الذي يعاني منه أبناء هذه المحافظة وماتزال تعز مغيبة اعلاميا ويعاني ابناؤها ويلات القمع والقهر والظلم وأساليب الاستبداد والتطهير العرقي التي استخدمها الجيش العائلي والقوات الخاصة التابعة للقبيلة ضد الناس العزل في مناظر بشعة يندى لها جبين الإنسانية، وتنم عن حقد دفين اشتد أمده منذ أكثر من عامين من الحرب".

وعبر النقابي جميل عبده حزام فقال: "خلال نصف قرن حرم أبناء تعز من العمل بالوظائف الحكومية العليا وإقصاء القيادات العسكرية والتجارية خلال نصف قرن من حكم الأئمة وما تلاه من العهد الجمهوري، فقد مارس الطغاة باستماتة طمس الهوية وتغيير التركيبة الديموغرافية لأحياء وحواري تعز وذلك بضرب المعالم الأثرية وتذويب المجتمع قسراً بثقافة الهضبة ونشر عادات التخلف "بالمحدش محدوش" و"مقبول مرجوع"، وعقر البهائم إضافة إلى العمل الجبري في مهن لا تدر أرباحا وقامت سلطة صنعاء بالاقصاء والتهميش وإخفاء الرموز الوطنية وقتل الثوار والتمثيل بجثثهم ودفن البعض أحياء ولم يعرف مصيرهم حتى اليوم ".
وأضاف :"إزاء ذلك الوضع المزري نزح الكثير من ابناء تعز للدول المجاورة والقرن الافريقي ودول الخليج العربي والسعودية ودول أخرى".
مختتما قوله :"برغم المعاناة التي يعيشها ابناء تعز إلا أنهم مصرون على الحياة ولازال ملف اضطهادهم مفتوحا على مصراعيه أمام العالم كله أملا في الانصاف ووقوف المجتمع الدولي مع قضية تعز العادلة ".
*عذاب النزوح في تعز
المواطنة إيناس علي المحمدي قالت: "على مدار الثلاث السنوات الماضية نزح عدد كبير من أهالي الوازعية الى المديريات المجاورة هربا من جحيم الحرب الى نار المنفى الداخلي في الوطن المحرقة لهذا الشعب الفقير، وفي الثلاثة الأسابع المنصرمة نزح آلاف المواطنين من مناطق الحرب في قرى الصيرتين والصيار والصعيد والخضراء الى المديريات المجاورة ومع استمرار الحرب ضد المدنيين من قبل عصابة المخلوع صالح وحليفه الحوثي نزح عشرات الآلاف من الأهالي من مناطق الحرب في مديرية حيفان والوازعية والكدحة والمسراخ والأحكوم إلى عدة مدن ومديريات يمنية، والمؤسف غياب دور الأمم المتحدة لرصد حالات انتهاكات حقوق الانسان وشلل دور المنظمات العالمية في الداخل والجمعيات والمؤسسات والمبادرات والمجتمع المحلي للقيام برصد حركة النازحين وتقديم الدعم الانساني والاغاثي كما ينبغي للمحتاجين".
النزوح في تعز
النزوح في تعز

وأضافت: "في اليمن وحدها دون بلدان المعمورة لم نجد وكالة غوث النازحين (الهاربين) من الحرب ووكالات الإغاثة، ومنها المفوضية، من أجل توفير المأوى والفرش والغطاء وغيرها من مواد الإغاثة، وفي الأيام الأولى كان على الأشخاص النازحين أن يعولوا أنفسهم، وقد اكتسبت مراكز الايواء في المرافق العامة صفة السكن المؤقت مع غياب تام للمجتمع المحلي، والإقليمي والدولي التي اكتفت بإرسال المعونات بالسفن للموانئ التي يسيطر عليها الإنقلابيون واستولى على المعونات الانسانية الطرف الإنقلابي وحرم النازحين في المدن الصغيرة، والقرى من الغذاء والصحة ومياه الشرب، ناهيك عن غياب الأسواق والأكشاك ومكبات النفايات والمرافق العامة ولم تسلم الطفولة من قهر الحرب ومرارة النزوح وبسببها فقدوا الابتسامة والدراسة والمستقبل، فهذه تعز تباد وهذا المواطن إما ان يموت او يموت ومن عذاب إلى عذاب فكل ما وصل من مال وسلاح وإغاثة ذهب الى جيوب تجار الحروب".
*لكِ الله يا تعز
الشيخ المثقف سيف عبدالرحمن النعمان عبر عن حزنه العميق لما وصل الحال لأهم محافظة يمنية من تداعيات الحرب ومآلات الدمار للريف والمدينة فقال :"لكِ الله يا تعز يا من كنت أول من أشعل شرارة ثورة فبراير وأول من دعم الشرعية وتجرع الويلات من أجلها وآخر من تفكر به الشرعية على المستوى العسكري والمدني والإنساني".
وأردف بالقول معاتبا ومحذرا: "لكِ الله يا تعز يا من تقاسي عقوق أبنائك الذين ترعرعوا تحت سمائك ونهلوا من نضالك وتعلموا من ثقافتك وتقلدوا المناصب باسمك وبتاريخك وانتشروا في كل انحاء اليمن شمالها وجنوبها وشرقها وغربها وأصقاع المعمورة فتاجروا واستثمروا وعمروا وعالجوا وعلموا ونسوا من ربت وأنشأت، فلو كانوا يجلونك ويقدرونك لكان انطلاق بنائهم وإعمارهم وتحديثهم منك وفيك لا ان تكوني موطن تصفية حساباتهم واحقادهم ليصفوا حسابات مع بعضهم البعض ولم يصفوا نياتهم ويبروا بك فلو اتحدوا لحققوا المعجزات ولكنك أرضعتيهم الحرية التي لم يفهموا معناها الا بخلافاتهم ولم يعلموا ان الحرية لها سقف ان نطحناه كُسرت روؤسنا ولم يتعلموا ان يُكبِروا أحدهم فقد إمتلكهم شعوراً أن كل منهم كبيراً لكثر دلالك ورعايتك لهؤلاء العصاة".
مختتماً بقوله:"لكِ الله يا تعز فمازال لدي الأمل أن ينبري أحد أبنائك الأبرار الذي نلتف حوله ونُجمع عليه ونسمعه ونطيعه فيكبر بيننا وبنا ونكبر به".
وفي سياق متصل قال توفيق الشعبي :"معاناة تعز تكمن في استمرار الحصار إذ تحتاج خمس ساعات سفر لكي تصل الى الحوبان من وسط المدينة المحاصرة ويصل المواطن وهو مريض ويحتاج اعادة تأهيل جسماني، واذا برفقتك مريض او اطفال فأنت مضطر ان توصلهم لاقرب مستشفى للعلاج لكي تواصل مشوارك..هذه الآلآم والمعاناة المستمرة منذ عامين ونصف لابناء مدينة تعز لايستشعرها القاطنون خارج تعز ولا يحس بها المتشدقون من دعاة التسامح والسلام والحقوق، لكننا سنذكرهم اياها يوما ما".
*تعز تقتل
لأن تعز عروسة المدائن فقد شن عليها العصاة الحرب القذرة وارتكبوا أبشع الجرائم في تاريخ اليمن باسم المذهب وبتهم واهية وهي المدينة التي فتحت قلبها لاستقبال كل الناس من كل مكان ولم تعرف في تاريخها الحقد والكراهية والغلو والتطرف.
في هذا الصدد قال ابراهيم علي غالب: "إن عصابة الهضبة ومن خلفها الحقد الطائفي الدخيل على اليمن وقد سخروا الدين والمذهب لوظيفة نشر الدمار والخراب وقتل الانسان بالمخالفة لكل قوانين الأرض والسماء فالدين من مهامه حفظ النفس والمال والعقل لكنهم نشروا كل الجرائم باسم الدين الواجب تصفيته من شوائب الغلو والتطرف هذه يجب حفظه من داء الغلو والتطرف لكي يبقى هذا الدين محققا للمصالح العامة للأمة ولايجب توظيفه في غير ما وضع له بل يجب استعماله في حفظ النفس والعقل والنسل والمال".
الى ذلك قالت ندى احمد سعيد :"إن الحرب التي يديرها المخلوع علي صالح ومراهق مران الحوثي تعتبر ضد الفطرة الانسانية لأن السلام ثقافة التصالح مع الله أولا ومع خلقه وهم بجرائمهم يكرسون ثقافة الحرب والإبادة لا ثقافة السلام مع خلقه، أفرادا وجماعات، وبالتالي فلا يجوز القتل بالهوية بدعوى أن هذا خارج عن سبطرة الهضبة او لان ابناء تعز رفضوا الاستسلام وطالبوا بالعدل والحرية غير معترفين بالولاء لمذهب او حزب ولمعرفتهم ان الحروب الدينية ليس لها مكان في تعز فالدين كله لله".
وشاركتها الحديث رقية سعيد بقولها :"تعز مدينة السلام والعلم والتعايش السلمي وهي مهد الحضارة الانسانية تتعرض اليوم لأبشع جرائم الإبادة الحوثعفاشية وهي محاصرة من كل الاتجاهات دون وازع ديني اوضمير انساني فكل شئ في هذه المدينة معرض للموت والدمار ويدعونا تاريخها ومستقبلها للعمل من أجل أن تصبح فعلا مدينة السلام لا تزهق فيها نفس، ولا تنتزع فيها أرض، ولا تشرد فيها عائلة، ولا يهجر عنها ساكن"
واختتمت بالقول: "هذه المدينة تتعرض اليوم لخطر الحرب والحصار الظالم كما يصفها العديد من الكتاب والتي تمارس باسم الدين والدين منهم براء وهذه الحرب المستعرة تلغي ثقافة السلام، وتنهش في الضرورات الخمس وهي : حفظ النفس- العقل - النسل - المال - الدين، وفي كل ما كرم الله به الإنسان".
*سلوك الإساءة
هشام محمد علي أكد بالقول :"إن تعز اليوم تقف أمام منعطف تاريخي لا يجوز التهرب من استحقاقاته أو تجاهله مع ادراكنا لحجم التعقيدات وملابسات الحرب والحصار ومحاولة تصفيته كل جميل ومن يحاول تغيير المزاج العام ذي الطابع المدني فهو لا يدرك أن ما يقوم به سلوك يسيئ للوعي الجمعي عن تعز التنوع والتسامح".
وشدد على ضرورة التحلي بالسلوك المدني الراقي قائلاً: "ما يقوم به البعض من تصرفات لا تليق بسمعة وأخلاق ابنائها تسيئ لسمعة وتاريخ هذه المحافظة مع التأكيد أن الأحداث الكبرى التي تفرض نفسها على الواقع قد تطيح بالعاجزين عن التكيف مع حالة التحرر والتخلص من الاستبداد.. ومن الأهمية بمكان ادراك أن تعز تصنع تاريخا جديدا في ظل المطالبة بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني وتنفيذ الأقاليم على ارض الواقع والعمل بالدستور الجديد من اجل التحول السريع لحدوث التغيير على طريق الثورة والحرية والتفاعل مع حجم التضحيات الراهنة وصولا الى مجتمع آمن ومستقر".
*خاتمة
تحتاج تعز إلى وقف الحرب وإجراءات عملية وإصلاحات هيكلية في البنية التحتية، وإعادة إعمار ماخلفته الحرب التي عصفت بهذه المحافظة التي أخذت على عاتقها مسؤولية التنوير والتحرير الفكري والسياسي والاجتماعي عبر العصور منذ فترة ما قبل الإسلام وما بعده وتأثيرها الإيجابي على الوطن والإقليم، وعلى أبنائها استعادة دورها الطبيعي والطليعي في الهوية التي سلبها النظام البائد، لأنها إذا نطقت سمع العالم نظراً لخصوصيتها وتأثيرها الإيجابي في الحركة والتغيير منذ القدم ولابد من العودة وتصحيح المسار.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى