في مناطق مديرية لودر .. كيف كان العيد؟

> تقرير: فهد البرشاء

> لم يكن الحاج محمد الذي أتخذ من ظل أحد المحلات التجارية بمدينة العين إلا نموذج لمعاناة شريحة واسعة من المواطنين في مناطق مديرية لودر في عيد الأضحى المبارك بعد أن تكالبت عليه الهموم والأحزان والأوجاع..
الحاج محمد الذي رسم الزمان على محياه المآسي والأحزان هو ربّ أسرة قوامها 15 فرد, وهو العائل الوحيد لعدد من الشباب العاطلين عن العمل..
هذا العيد كما يخبرنا الحاج محمد كان مؤلما بالنسبة له ولأسرته التي لم يستطع أن يوفر لها أبسط المقومات والإحتياجات كباقي الأسر التي أستطاعت أن تتجاوز محنتها..
يقول الحاج محمد بكلمات يملئها الأسى والحزن وعبارات تخنقها العبرات بعد أن أطرق رأسه إلى الأرض كما تراتي (رثّ) الملابس, أشعث الرأس بعد أن عبث بنا الواقع وتقلباته ومتطلبات الحياة التي لا تنتهي, وأنهكت كواهلنا نحن البسطاء, ولم نعد نقوى على مجاراة هذا الواقع وقسوته والحياة وضنكها, بات من المستحيل أن نجد أقل القليل مما تحتاج أسرنا لاسيما في المناسبات الدينية كالعيد..
ويسرد الحاج محمد معاناته مع غلاء المعيشة والإرتفاع الجنوني للأسعار لكافة السلع التجارية وخصوصاً (كسوة) العيد للأطفال الذين للأسف حُرموا منها هذا العام لإرتفاع أسعارها وعدم مقدرة البسطاء على شرائها وإقتنائها لأطفالهم الذين لاناقة لهم ولا جمل في هذا كله, غير أنهم في وطن لا قداسة فيها للبشر..
لم يدر بخلدي أن حكاية الحاج محمد (ستمس) دواخلي بشيء من الحسرة والألم والإنسحاق على هؤلاء البسطاء الذين أزرى بهم الدهر وتكالبت عليهم المشاكل من كل حدب وصوب..

الحاج محمد هو نموذج لمئات الآلاف من البسطاء والمعدمين والمسحوقين في هذا الوطن والجنوب بشكل خاص, وتتعدد أنواع المعاناة وتختلف أشكالها ودرجة المها من شخص لآخر ومن منطقة لأخرى..
حكاية الحاج محمد ليست الأولى ولن تكون الأخيرة , والواقع البائس الذي يعيشه المواطنون في مناطق مديرية لودر (يعج) بأمثال الحاج محمد وربما بأشد من ذلك وأقسى, وجدران المنازل تحتوي بين جنباتها الكثير والكثير, والعفة والحياة تقف حائلا بين الحاجة وأهلها..
المواطنون على حد سوء في مناطق مديرية لودر كان العيد بالنسبة لهم (يوما) عاديا مر مرور الكرام ولم يذق فيه معظمهم معنى الفرحة الحقيقية, فالكل يعاني ويتوجع من هذا الواقع المرير الذي القى بظلالة على كل شيء, وباتت السياسة وأسيادها هم السبب الرئيس, وأضحى المواطن من يدفع ضريبة هذه المناكفات والمكايدات والحرب القذرة..
*الواقع السياسي وتبعاته
يقول الأستاذ/ وجدان باقيس حالنا اليوم كحال الغريق في بحر (لجي) متلاطم الأمواج يبحث عن طوق نجاة أو قشة (يتعلق) بها كي توصله إلى بر الأمان, فلا مجال للاستسلام لان ذلك يعني الموت المؤكد..
يكمل وجدان بعد أن أجتر الآهات من جوفه, كلنا نعلم أن للحروب والصراعات وتباعات مؤلمة وقاسية أشدها فقدان الأقارب, وأقلها ربما دمار جزئي أوكلي, ولكن مانعيشه اليوم نحن في مناطق مديرية لودر فاق كل التوقعات وفاق كل الإحتمالات, فالحرب وتبعاتها والساسة وصراعاتهم أثرت بشكل (سلبي) على كل شيء في حياتنا حتى باتت حياتنا لا معنى لها أو قيمة..
ويضيف وجدان: سأذكر لك مثالاً بسيط هو غيض من فيض وواقع ملموس عشناه نحن في مناطق مديرية لودر أيام العيد وقُبيل أيام العيد والذي تمثل في الإرتفاع الجنوي لأسعار (الأضاحي) فاق كل التصورات ولم نتوقع يوماً أن تصل إلى هذا الحد لاسيما وان هناك معدمين وفقراء لم يستطيعوا شراء أضاحي للعيد, إما لعد صرف المرتبات أو بسبب أسعارها الخيالية, وهذا بحد ذاته شيء مؤلم ومُحزن في ذات الوقت, ولك أن تتخيل أسرة لايجد أطفالها أضحية العيد, كيف سيكون حالها؟؟
وعلى ذات طريق المعاناة والأوجاع سِرتُ لأكمل (رحلت) البحث عن أولئك المكلومين والموجوعين من هذا الواقع البائس, كي أسبر دواخلهم وأنتزع من أحشائهم ذلك الألم الذي أحال حياتهم (وعيدهم) إلى (مرار) واحزان..

*تأخير صرف المرتبات
وفي زحام الحيا وتراكماتها وأوجاعها التقيت بالناشط الإعلامي (ورسول) لودر إلى العالم عبر مواقع التواصل الإجتماعي الأخ/ نبيل المرافعي الذي كان كعادته يتنقل هنا وهناك بكاميرا هاتفه يصور كل جميل في سوق لودر, أستوقفته للحظات لأصل من خلاله لمعاناة البسطاء فكانت إجابته المعتادة( كل شيء تمام) إلا أن تعابير وجهه هذه المرة خانته وكان الأسى والضيق بادياً على ملامحه ويغلف وجهه, فتمتم بكلمات كلها مآسي وآلام لا تخلو من الكبرياء فقال : لا أنكر أن هذا الواقع لايطاق وأن المعاناة لا تحتمل, ولكن نحن صامدون, وسنتحدى واقعنا وسنخلق من الألم والوجع ( أملاً ) نتجاوز به كل شيء..
يكمل نبيل: أي معاناة أشد واقعا في نفوس البسطاء من (الحسام) من أن يهل العيد ويرحل دون أن توفر لأسرتك أبسط المقومات واللوازم العيدية والسبب يعود لتأخر صرف المرتبات التي تتناوحها أكف الساسة دون أي ضمير أو مخافة من الله, رغم علمهم أن المواطن في (الجنوب) يعتمد إعتماد كلي على هذا الراتب والفتات الذي يلبي الشيء اليسير من إحتياجات المواطن..
تتكسر الدموع في مقلتيه ثم يردف بالقول: والله أنني شاهدت بأم عيني الكثير من البسطاء ممن لا حول لهم ولا قوة وقد (مرّت) عليهم أيام العيد وهم دون (أضحية) أو (كسوة) للعيد بسبب تأخر صرف المرتبات ..
ويضيف: بتنا على يقين أننا في وطن لم يعد للإنسان فيه أي كرامة أو قيمة أو أهمية, وإلا كيف تتلاعب الدولة (بقوّت) هؤلاء البسطاء والمسحوقين في المحافظات المحررة منذ مايقارب ثلاثة أعوام ..
يرحل نبيل بعد أن توشح الوجع والإنسحاق والقهر روحه وقلبه ليكمل رحلة المكابرة على هذا الواقع البائس والمؤلم, ولكن لايزال في صمت هذا المدينة ومناطقها الكثير من الأوجاع والآم التي ربما لا يسمعها أحد, ولن يسمعها أحد طالما والساسة يتصارعون ويبحثون عن مصالحهم..
*الفراغ الأمني ..!!
يقول الإعلامي جهاد الذي لخص مشاكل مناطق مديرية لودر المترامية الأطراف في نقاط عدة : كانت فرحة العيد ستكتمل وستحلو أيامها في حال توافرت سبل الحياة ومتطلباتها ولوازمها الضرورية, وفي حال قامت الدولة والحكومة بواجبها المنوط بها تجاه المناطق, بل كان سيشعر المواطن بلذة العيد وجماله, إلا أن الكثير من المنغصات حالت دون ذلك وبددت فرحة العيد, وأضحى العيد في نظر الكثير من المواطنين يوماً عادياً كسائر أيام السنة..
ويردف حفيظ: هناك جملة من الإشكاليات التي عانينا منها وتجرعنا مرارتها في مناطق مديرية لودر بصفة خاصة والمنطقة الوسطى وأبين بصفة عامة, عل أهم هذه القضايا عدم تفعيل دور المرافق الحكومية وأهمها جهازي الشرطة والأمن والقضاء, والمعروف أنه لا تنمية ولا أستقرار أو تطور إن لم يكن هناك (امن) ترتكز عليه كل هذه الأشياء..
وكما هو معلوم لدى الجميع فإن لودر ومناطقها تعاني من فراغ أمني ومؤسساتي منذ مايقارب أربع سنوات , وهذا بحد ذاته معضلة ومشكلة تعكر صفو المواطن وتكدر حياته, وكم كنا نتمنى أن تحظى لودر ومناطقها وحتى المنطقة الوسطى بشكل عام بإهتمام من قبل السلطة المحلية في المحافظة, وتفعّل دور الأجهزة الأمنية والمرافق الخدمية..
*ختاماً
معاناة تقشعر منها الأبدان, حال مكدود, وحيل مهدود, والم لا ينتهي, هذا واقع الحال في مناطق مديرية لودر, وهذا غيض من فيض الأوجاع والمآسي التي يعيشها أبناء هذه المناطق من الأيام الأولى لعشر ذي الحجة وحتى أيام العيد, وكما قال معظمهم لم تكتمل فرحة العيد, ولم يذق البعض حلاوته,فالمنغصات كثيرة (كسيل) عرمرم, والأوجاع تنوء منها الجبال, وتبكي لها الصخور..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى