عبد المجيد عبدالله عراسي.. أول رسام كاركاتير في عدن والجزيرة ورجل الإدارة والأكاديمي المتميز

> نصر مبارك باغريب

> عبد المجيد عبدالله عراسي، اسم ينبغي أن يسجل في سفر التاريخ الإعلامي والإبداعي لمدينة عدن، المدينة التي ولد فيها في الخامس من يناير عام 1947م، في أحد أشهر أحيائها (مديرية الشيخ عثمان)، ومن أسرة عدنية عريقة.
عشق الرسم منذ نعومة أظفاره، بدأ يرسم بالقلم الرصاص وبالألوان على الجدران وصفحات كراريس المدرسة الابتدائية والمتوسطة.
ومع اجتهاده الذاتي المتواصل واطلاعه ومتابعته المستمرة للصحف والمجلات المصرية التي كانت تصل إلى عدن في مرحلة الصبا (حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم) تفتقت موهبته مبكرة للفن التشكيلي بالرسم التعبيري الكلاسيكي للشخوص والأمكنة والمناظر الطبيعية بالالوان الخشبية ثم بالالوان المائية فالزيتية، وبرع فيها أيّما براعة، ودمغ إبداعه بلوحات فنية عديدة.
غير أن تميزه وموهبته وريادته ظهرت جلية في رسومات الكاركاتير في وقت كان فن الكاركاتير غير معروف في عدن والجزيرة العربية.. ففي مطلع الستينيات من القرن العشرين (حوالي عام 1962م)، نشر أول كاركاتير في بلادنا في مجلة أنغام التي رأس تحريرها الأستاذ علي أمان، ثم نشر في مجلة الغد لصاحبها الأستاذ حسن علي عمر، كما اشتهر آنذاك برسم كاركاتير نشر في صحيفة «الأيام» العدنية ساخرا من مواقف السياسي الألماني ايرهارد في الستينيات من القرن الماضي.
ونشرت للعراسي في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات العديد من الرسومات الكاركاتورية في صحيفة 14 أكتوبر، ونشر كذلك بضع رسومات كاركاتيرية في صحيفة الثوري بعدن في السبعينيات من القرن الماضي.
توقف عبدالمجيد عراسي لفترات متقطعة عن الرسم الكاركاتوري المنتظم بسبب سفره الى القاهرة لإشباع رغبته الجامحة للدراسة في مجال الابداع في كلية الفنون الجميلة.. إلا ان الحظ لم يحالفه بسبب نقص في اجراءات القبول والامكانيات فآثر الالتحاق بالقسم الحر بكلية الفنون الجميلة الذي يقبل الطلاب فيه برسوم دراسية زهيدة دون بقية الأقسام.. غير أنه التقى بأحد أقاربه الذي زامله في السكن الجامعي بالقاهرة وأثره عليه ونصحه بدراسة تخصص علمي يجد من خلاله بعد تخرجه عملا جيدا في عدن، فجعل شغفه بالرسم موهبة وليست مهنة. وبذلك أخذ القدر مسارا آخر لمستقبله العملي، واستبدل دراسته الجامعية من كلية الفنون الجميلة إلى تخصص إدارة الأعمال بكلية التجارة بجامعة عين شمس بالقاهرة.
وكما تميز عراسي بموهبته في الرسم التشكيلي والكاركاتير تميز أيضا في تخصصه وعمله في تطبيق وتطوير علم التخطيط وإدارة الأعمال المهنية والتنموية، وتميز في مجال تخصصه الدراسي، وأسهم بوضع اللبنات الأولى للإدارة الحديثة في عدة مرافق حكومية بعدن، حيث تقلد مناصب مهمة بعد تخرجه من الجامعة في المؤسسة الاقتصادية بعدن. كما تولى منصب نائب مدير عام شركة أحواض السفن للشؤون الإدارية والمالية.. ثم انتقل للعمل كأستاذ محاضر في كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة عدن، وتولى كذلك منصب عميد كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة عدن (1973م - 1976م)، لينطلق بعدها لمواصلة دراسته الأكاديمية العليا ويحصل على شهادة الماجستير في القاهرة بجمهورية مصر العربية ليعود محاضرا بالكلية ذاتها، إضافة إلى توليه منصب مدير عام التخطيط للتنمية على مستوى جامعة عدن.
ثم ابثعت الأستاذ عبدالمجيد عراسي (1982م) بترشيح من البروفيسور سعيد عبدالخير النوبان رئيس جامعة عدن - حينها - للدراسة في فرنسا باللغة الإنجليزية في مجال التخطيط والإدارة التربوية (بما فيها اقتصاديات التعليم).
ونتيجة لذكائه وتميزه وتطويره لمجال عمله تم اختياره لمنصب نائب رئيس جامعة عدن للشؤون المالية والإدارية خلال فترة رئاسة الدكتور محمد سعيد العمودي لجامعة عدن.
وعودة على بدء فقد كانت موهبة الرسم والإبداع الفني ملازمة لـ"عبدالمجيد عراسي" ولم تفارقه.. وظل بين الفينة والأخرى يرسم رسوما ولوحات فنية متعددة، ومنها رسوم كاركاتيرية معبرة عن واقع الأوضاع الاجتماعية والسياسية والفنية، وينشرها في الصحف والمجلات التي تصدر بعدن كلما سنحت الفرصة لذلك.
وللعراسي بصمات واضحة في التأسيس والمساهمة الإبداعية في أول مجلة كاركاتورية في اليمن (صم.. بم) التي رأس تحريرها الفقيد عصام سعيد سالم، وكان من مؤسسي المجلة وواضعي لبناتها الأولى في العام 1992م.. وخط يراعه الرسوم الكاركاتيرية والتعبيرية في العديد من أغلفة وطيات الصفحات الداخلية لمجلة (صم.. بم)، وكان يعد صفحة كاركاتيرية في معظم أعدادها يناقش من خلالها هموم المواطن وتطلعاته من خلال خطوط وتعابير فن الكاركاتير.
بعض رسومات الكاركاتير عبد المجيد عراسي في صحيفة «الأيام» عام 65م
بعض رسومات الكاركاتير عبد المجيد عراسي في صحيفة «الأيام» عام 65م

ولا ننسى هنا أن ننوه إلى مساهمة العراسي الإبداعية في أشهر صحيفة عدنية صحيفة «الأيام» التي يرأس تحريرها - حاليا - الأستاذ تمام محمد علي باشراحيل، والتي أعيد إصدارها في مستهل التسعينيات من القرن الماضي، ورأس تحريرها آنذاك الأستاذ هشام محمد علي باشراحيل.. وكانت رسوماته فيها تلقى تفاعلات إيجابية لدى قراء «الأيام». ولعل الكثير من القراء يتذكرون الكاركاتير النقدي لمحافظ عدن السابق د.يحيى الشعيبي والأصداء الواسعة التي أحدثها ذلك الكاركاتير الناقد والمنصف للمحافظ في آن معا الذي رسمه العراسي عن عدم تنفيذ المحافظ توجهات تطويرية وضعها لمدينة عدن، ولكنه لم يستطع تنفيذها لوجود كوابح من مراكز قوى عرقلته، رغم صدق وجدية د.يحيى الشعيبي وحرصه على عملية التنمية للمحافظة.
ومن الذكريات الأولى لعبدالمجيد عراسي هو التقاؤه بحالة الشغف والحب للإعلام وفنونه مع زميل دراسته (محمد عبدالله عمر مخشف) بمرحلة المدرسة المتوسطة بمدينة الشيخ عثمان بعدن (موقعها الحالي بحي عمر المختار).
فقد شكل العراسي والمخشف ثنائيا إعلاميا مبدعا في الإعلام المدرسي.. فقد كان المخشف يكتب الموضوعات الصحفية بمجلة المدرسة الحائطية، فيما كان العراسي يرسم ويصمم المجلات الحائطية ويخط ترويستها وعناوينها.
وكانت المجلات الحائطية التي أصدرها الاثنان من أنجح المجلات المدرسية وأجملها وقتذاك.
وأضحى الاثنان (المخشف والعراسي) من أهم رموز الإعلام في البلاد، ويعد كل منهما مدرسة إعلامية بحد ذاتها، الأول في مجال الكتابة والخبر الصحفي، والثاني في مجال فن الكاركاتير.
وكان العراسي قد أسهم في حقبة الستينيات من القرن العشرين في رسم عدة رسوم كاركاتيرية بمجلة تلفزيون عدن المطبوعة.
ومن مواهبه التي يسجل له الريادة فيها - ناهيك عن ريادته في الرسم الكاركاتيري في عدن وبلادنا عموما - هي محاولته الأولى والريادية لإنجاز أول فلم مصور ومتحرك لرسوم من رسوماته، فقد استخدم في ذلك كاميرا أهداها إياه والده المغفور له بإذن الله (الفقيد عبدالله علي عراسي)، حيث قام برسم عدة رسومات بحركات متتابعة على أوراق متراصة بأرقام متسلسلة، وبعشرين لقطة لكل حركة لتعطي حركة كاملة للجسم المرسوم، مستوحيا فكرته من مجلات الأطفال المشهورة حينذاك (مجلة ميكي)، ووضع الصور التي رسمها متتالية لشخصية ميكي وهو يدق مسمارا في الجدار مع تبيان حركة اليدين وشحنات وتعابير الوجه والعينين..إلخ، مستخدما الزجاج خلف الورق لتثبيت الرسوم وإظهار الصور واضحة.. وتم وضع لمبتي إضاءة خلف صور الرسوم، إحداهما على يمين الصورة والأخرى على يسارها، بحيث تظهر صور الرسوم واضحة بدون انعكاس الإضاءة على الزجاج كي لاتحدث تأثيرا سلبيا على عدسة الكاميرا أثناء التصوير، فيما تقوم الكاميرا الموضوعة على قوائم حاملة لها بتصوير الرسومات تتاليا.
وما يبعث على الإعجاب أنه قام بكل هذا العمل من رسم وتصميم الرسوم وتبويبها وابتكار أدوات العمل والتصوير وخطة آلية إنجاز العمل ومراحله دون أن تكون لديه أي خبرة مسبقة.
وتعد هذه التجربة للتصوير المتحرك للرسوم - بحق - هي الأولى في بلادنا، وتستحق الدراسة من الباحثين والمختصين في مجال التصوير والرسم والإعلام والفنون في بلادنا.
المدهش في الأمر أن هذا الفلم لايزال موجودا لدى عبدالمجيد عراسي حتى الآن محتفظ به في مكتبته الخاصة بمنزله بمعية عدد من الرسومات واللوحات والأعمال الفنية والتشكيلية والدراسات والأفكار التطويرية لمجال تخصصه العلمي في إدارة الأعمال والتخطيط والتنمية والإدارة التعليمية والأكاديمية...إلخ.
ما ذكر آنفا غيض من فيض من ريادة وأسبقية هذا المبدع في مجال الرسم والكاركاتير، وكذا في الإدارة والتخطيط والتنمية والتعليم الأكاديمي، والذي لم يلق التكريم والتقدير الذي يستحقه من الدولة أو من الجهات المعنية، ولقي تجاهلا من الإعلاميين والمؤرخين والباحثين والموثقين لتاريخ عدن والبلاد عموما..
فهذا الرجل (عبد المجيد عراسي) لا يحب الأضواء ويبغض مسح الأجواخ !!.. فهل نجد من يستشعر قيمة وأهمية هذا المبدع ولو من باب رد الجميل له والعرفان بدوره وأسبقيته وريادته وتميزه في مجتمعه؟.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى