صفحات من نضال المقاومة الجنوبية ضد المستعمر البريطاني(9) المناضل/ ناصر أحمد القشبري.. كنت أقوم بالتنسيق مع الفدائيين وتسهيل مهامهم العسكرية، وتزويدهم بالمعلومات

> كتب/ علي راوح

> توطئة
عبر كل السنوات التي مرت منذ غزو المستعمر البريطاني للجنوب في 19 يناير 1839م، واصل شعبنا الجنوبي نضاله وكفاحه ضد الغزاة المستعمرين.. وهو كفاح ونضال شاق وطويل تكلل بنيل الحرية وتحقيق الاستقلال وقيام الدولة الوطنية في الـ 30 من نوفمبر 1967م.
لكن ما تزال هناك صفحات منسية لملاحم بطولية قدمها الكثير من المناضلين بدءاً من يوم الـ 19 من يناير 1839م وحتى تحقيق الاستقلال والحرية لشعب الجنوب. هناك أبطال قدموا أرواحهم رخيصة من أجل الوطن ولم يكن هدفهم الكسب المادي أو الوصول إلى السلطة، بل ناضلوا وكافحوا من أجل هدف واحد، وهو تحرير الوطن ونيل الحرية لشعب الجنوب.. ذلكم هو الهدف السامي والغالي لكل الشرفاء.. أبطال يجب علينا ذكر مآثرهم وتوثيقها بأحرف من ذهب.
في السادس من نوفمبر 1967م أعلنت الجبهة القومية حسم الموقف في عدن لصالحها، وفي ذلك اليوم الذي دارت فيه معركة شرسة بين كل من جبهة التحرير (Flosy) والجبهة القومية (NLF) وقد رجحت الكفة لصالح الجبهة القومية، وبحسب المطلعين فإن انتصار الجبهة القومية جاء بسبب تدخل قوات الجيش الاتحادي بدباباته ومصفحاته وأسلحته الثقيلة والمتوسطة لصالح الجبهة القومية، وضرب جبهة التحرير وفصيلها العسكري (التنظيم الشعبي) فكانت معركة غير متكافئة، وحسمت الجبهة القومية الموقف لصالحها، واستولت على إذاعة عدن، فكان أن شُرِّد مقاتلو جبهة التحرير ونزحوا إلى المناطق الشمالية، بعد أن كانوا الشريك الفاعل في الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني، وقدموا أسمى صور النضال والتضحية والبطولات الرائعة.
وعن الدوافع التي جعلت الجيش الاتحادي ينضم إلى صفوف الجبهة القومية ويرجح الكفة لصالحها، هذا التساؤل له عدة روايات، ولكن بحسب معلوماتي وبحسب معاصرتي لتلك الأحداث (كنت حينها في سن 11 ) أقول إن الجبهة القومية كان لديها خلايا سرية ومتعددة من أعضائها في صفوف الجيش الاتحادي والأمن العام، وكان معظم أفراد الجيش والأمن غير ملمين بأمور السياسة وحبالها المتعرجة وتقلباتها السريعة وألوانها المتغيرة، فانطلقت عليهم الإشاعة التي مفادها بأنه إذا انتصرت جبهة التحرير واستلمت الحكم بعد خروج المستعمر فإنها ستقوم بإحلال جيش التحرير التابع لها، والذي دُرِّب وجُهِّز في تعز من قبل القيادة المصرية بأنه سيحل بديلاً عن الجيش الاتحادي والأمن العام، الذين ستقوم جبهة التحرير بتسريحهم من الخدمة، وهذه الحيلة السياسية أيدتها القيادة البريطانية في عدن ووجدتها فرصة لإقصاء جبهة التحرير، نكاية بمصر عبدالناصر، ولضرب العصا وشق الصف بين المناضلين، بعد أن كانت القوات البريطانية قد انسحبت من العديد من المناطق، ومنها الشيخ عثمان والمنصورة ودارسعد وسلمتها للجبهة القومية.
*دور وطني وخطير للقشبري
في نوفمبر من العام 1999م قمت بزيارة لأحد المناضلين المعمرين الذين شهدوا حقبة طويلة من التاريخ النضالي في الجنوب عامة وعدن خاصة ذلكم هو المناضل الوالد ناصر أحمد قشبري، الذي تجاوز عمرة حينها المائة عام، ذهبت إليه لأسجل ما تبقى في ذاكرته من أسرار النضال والكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني، بعد أن نصحني العديد من المناضلين بضرورة تسجيل وتوثيق شهادته وما لديه من معلومات وما قدمه شخصياً من دور نضالي قبل وفاته، ذلك بأن الرجل كان له دور هام في فترة الكفاح المسلح، كان دوره أخطر من المواجهة المسلحة مع المستعمر، ذلك أن ناصر القشبري كان ضابطاً في ما يسمى بـ (الأمن السري البريطاني)، وكان يقوم بدور وطني من خلال التنسيق مع المناضلين وتسهيل مهامهم الفدائية، ويقوم كذلك بالتعاون في نقل الأسلحة من موقع إلى آخر، فضلاً عن قيامه بإبلاغ الفدائيين عن أي مخاطر أو مداهمات ينوي جنود الاحتلال القيام بها، كما كان يقوم بالتدخل وإطلاق سراح أي فدائي يقع في الاعتقال.
انتشار جنود المستعمر البريطاني بعدن
انتشار جنود المستعمر البريطاني بعدن

*كنت أقوم بالتنسيق مع الفدائيين
دخلت عليه في منزله الكائن في شارع الأزهر بمدينة الشيخ عثمان، وفوجئت بأنه طريح الفراش منذ عامين.. وبعد السلام عليه وتمنياتي له بالشفاء عرفته بمهمتي وغرض الزيارة، وطلبت منه التحدث عما يتذكره من مواقف نضالية وإسهاماته خلال فترة الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني فوافق رغم حالته الصحية، ولكنه نبهني إلى أن حالة المرض وكبر العمر الذي يتجاوز المائة عام قد جعلته ينسى الكثير من المواقف، وبدأ يتحدث قائلاً التحقت بالأمن السري البريطاني عام 1940م، وكنت رئيساً لعشرين فرداً، واستمريت حتى عام 1963م بعدها تحولت إلى مطار عدن كضابط أمن وكنت أقوم بالتنسيق مع الفدائيين وتقديم المعلومات لهم، وعندما يعتقل أي فدائي أقوم بمساعدته وأعارض اعتقاله وأطلق سراحه، كنت أساعد الجميع سواءً من الجبهة القومية أو جبهة التحرير، وكل قصدي تحرير الوطن اليمني.
*تعرضت للاعتقال بعد حادثة قنبلة المطار
ومضى قائلاً: تعرضت للاعتقال بعد حادث تفجير قنبلة المطار، وأتذكر وأنا ضابط أمن في المطار أنه جاء إلي عبدالله الأصنج وخليفة عبدالله حسن خليفة وشخص ثالث لم أعد أتذكر اسمه، وقالوا لي سوف نقوم بتفجير قنبلة ضد المندوب السامي وقالوا نحن ضد الاتحاد المزيف ولا نريده بل نريد حكما وطنيا، فطلبوا مني التعاون وتسهيل مهمتهم في تفجير القنبلة وأبديت استعدادي رغم الخطورة التي قد تلحق بي.. ونفذوا المهمة يوم (11 سبتمبر) من عام 1963م.
وهذا الحادث كان قبل إعلان ثورة 14 أكتوبر بحوالي (33 يومًا)، وفي هذا الحادث أصيب المندوب السامي والشريف صالح بن حسين، وفور وقوع الحادث تم اعتقالي ونقلوني إلى أبين وحققوا معي بتهمة التنسيق والتوطؤ مع منفذي انفجار قنبلة المطار، فأنكرت علاقتي أو معرفتي بأي شيء يتعلق بهذه الحادثة.
*كنت أقوم بتوزيع الأسلحة للفدائيين
ويضيف المناضل ناصر القشبري قائلاً: ومن ضمن إسهاماتي وما قدمته لوطني قيامي بتوزيع الأسلحة للمقاتلين في أبين ولودر، وهي أسلحة متنوعة توزعت بواسطتي وبحكم موقعي العملي، وللحقيقة أقول بأن مناضلي جبهة التحرير هم الذين بدأوا النضال منذ عام 1956م، عندما أغلقت قناة السويس، فأغلقوا ميناء التواهي لمدة (6 أشهر)، وكان وراء ذلك المناضل عبدالله الأصنج سالم علي وحسين باوزير، وهؤلاء من الثوار الأوائل الذين فجروا الثورة، ولكن بعد ذلك جاءت الجبهة القومية ولا يريدون أحدا غيرهم بل يريدون البلاد لهم، وفجروا الحرب الأهلية، والجيش الاتحادي خدع الثوار، وعند تفجير الموقف ضد جبهة التحرير ذهبت يومها إلى الميسري قائد الجيش، وقلت له لا تتدخلوا، فرد عليّ قائلاً: ياعم ناصر نحن جبهة قومية، فقلت له، أنتم لم تعرفوا الجبهة القومية إلّا الآن، وكانت تلك لعبة بريطانيا التي دفعت بالجيش للتدخل بهدف تعطيل الأمر، لأنهم لا يريدون أن تستلم الحكم جبهة التحرير المدعومة من مصر عبدالناصر، وسلمت بريطانيا السلطة للجبهة القومية، وخرجت ولم تدفع أية تعويضات، ولم تترك للبلد أية معدات، بل تركت البلاد فارغة، وأرادت للجنوبيين أن يتقاتلوا بعد خروجها ويخلصوا على بعضهم لتعود بريطانيا أو أية دوله أخرى لتستعمر الجنوب مرة أخرى.
ويختتم المناضل ناصر أحمد القشبري قائلاً: لو أن جبهة التحرير استلمت السلطة فإنهم كانوا سيعلنون قيام الوحدة اليمنية في الـ 30 من نوفمبر 1967م وستكون وحدة حقيقية، وحدة مساواة بين جميع أفراد الشعب، وليس كما حدثت وحدة عام 1990م التي اعتبرها وحدة ضم الفرع إلى الأصل.
كتب/ علي راوح

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى