> استطلاع/ صلاح الجندي
مرضى الفشل الكلوي بتعز ينتظرون دورهم في قائمة الموتى، بعد أن توقفت كثير من مراكز الغسيل في المستشفيات الحكومية، وبسبب استمرار الحصار، وقلة الدواء والمحاليل الخاصة بهم، وهو الحال ذاته الذي يكابده مرضى الفشل في معظم محافظات الجمهورية.
المركز مهدد بالتوقف
يعد مركز الغسيل الكلوي، في هيئة مستشفى الثورة بتعز، المركز الرئيس لمرضى الفشل الكلوي في المدينة، من حيث الانتظام في تقديم الخدمة وعدد الكراسي، فعدد المسجلين في المركز حوالي 400 حالة من أغلب مناطق محافظة تعز وخارجها، حيث يعمل المركز بنظام الوردية، ثلاث ورديات يوميا، ويستقبل حوالي 80 - 90 حالة بانتظام.

قسم الغسيل
لكن هذا المركز مهدد بالتوقف، ولن يكون قادرا على استقبال المرضى بسبب عدم توفر المحاليل الخاصة بمرضى الغسيل الكلوي والمستلزمات الطبية الخاصة بذلك، فحسب بيان هيئة مستشفى الثورة الأخير فإن مواد الغسيل ومستلزماته أوشكت على النفاد ولم يتبقَ منها سوى كمية لا تكفي لإجراء الغسيل للمرضى إلا لأسبوع واحد فقط .
انقذوهم قبل أن تفقدوهم
قال الدكتور فهمي الحناني، رئيس مركز الكلية الصناعية بهيئة مستشفى الثورة بتعز: “إن مرضى الفشل الكلوي بتعز لم يتبقَ معهم سوى عشرة أيام وتنفد مواد الغسيل الكلوي في المركز، وعلى الجميع سرعة إنقاذ مرضى الفشل الكلوي قبل فوات الأوان”.

وأشار إلى أنهم “خلال الفترة السابقة كانت الشركة المتعاقدين معها هي من تزودهم بمواد الغسيل، ومع استمرار الوضع لم يتمكنوا من سداد ديون الشركة حتى اليوم، مؤكدا “قيام هيئة المستشفى بمحاولة سداد ديون الشركة لتزويدهم بمواد الغسيل الكلوي، لكن عدم توفر الميزانية التشغيلة حال دون ذلك”.
وقال الحناني: “ها نحن اليوم نشاهد مرضى الفشل الكلوي بأم أعيننا، جلودهم بلون تراب الأرض، ولون أعينهم بلون قشرة البرتقال، وأنفاسهم تتقطع من شدة ارتفاع السوائل والشوائب، والسموم في دمائهم بسبب نقص الغسيل، وأصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الهلاك”.
ولفت الحناني إلى أن “مريض الفشل الكلوي من قبل كان يغسل مرتين في الأسبوع، وبسبب تناقص مواد الغسيل الكلوي في المركز اضطروا في المركز إلى تخفيض جلسات الغسيل من جلستين في الأسبوع إلى جلسة واحدة، وهذا بمثابة الموت البطيء”.
وكشف الحناني عن “المرضى المترددين على المركز، وعددهم 88 مريضا يوميا، بالإضافة إلى الحالات الإسعافية الجديدة التي تصل إلى المركز بشكل شبه يومي، والتي جعلت المركز في حالة يرثى لها، بسبب المعاناة المستمرة من عدم توفر متطلبات الغسيل الكلوي بصورة منتظمة، وعدم صرف رواتب ومستحقات العاملين منذ عام، وأصبح حال معظمهم أشبه بمرضى الغسيل الكلوي”.
وقال الحناني: “بعد وصولنا إلى طريق مسدود أطلقنا نداء الاستغاثة لكل الأحياء على هذا الكون بإنقاذ مرضى الفشل الكلوي في هيئة مستشفى الثورة بتعز من خلال مبادرة إنسانية تتكفل بتوفير مواد الغسيل الكلوي التي تتناسب مع الأجهزة التي لدينا”.
كما وجه مناشدته إلى كل المسؤولين في هذا البلد، وكل أصحاب الضمائر الحية في هذا الوطن، وكل رجال الخير والبر والإحسان في الداخل والخارج، وكل المنظمات الدولية في العالم أجمع، إلى “النظر لمرضى الفشل الكلوي، وأن عليهم أن ينقذوهم كي لا يفقدوهم”.
الموت البطيء
قابلت مجموعة من المرضى الذين ضاقت بهم سعة هذا الوطن وهذه المدينة، والخوف يمتلكهم من مباغتة الموت لهم، فأخبرني أحدهم بلهجته العامية، وقد أتعبه المرض: “ماذا أخبرك يا ولدي ولساني مات عند الحاجة للكلام، فأنا أغسل مرتين في الأسبوع وبحاجة إلى العلاج، والأدوية قد تخلص هذا الأسبوع، واحنا وين نروح ووضعنا المادي في أسوأ الحال، وإذا لم نغسل نصاب باكتئاب وضيق تنفس وحالة لا يعلم بها إلا لله”.
ويضيف الحاج سعيد محمد عبده: “إنه وفي حال انقطع الغسيل فلن يمر أسبوع على حياتهم، فهو وغيره من المرضى مهددون، ومعاناتهم تتضاعف مع انعدام المحاليل، وأصبحوا يعانون وينتظرون الموت ببطء إذا لم يتم توفير الدواء والمحاليل الخاصة بالغسيل”.
وعن إمكانية شراء علاج لمرضهم يقول سعيد: “لو كان هناك علاج خارج هذا المركز لاشتريت عافيتي بكل أموالي، لكن نحن مجبرون على الجلوس على أجهزة الغسل كل أسبوع مرتين، وإلا فإننا سنصاب بتسمم، كوننا لا نستطيع البول”.

قسم الطوارئ
لا تحرمونا الحياة
“إذا توقفت عن غسل كليتي في الأسبوع مرتين .. سأموت”
قالتها ياقوت سعيد قحطان، أربعينية العمر، بوجه شاحب يغزوه الوجع ويكسوه الصبر، فأقدار الموت التي لطالما صارعوها، باتت تقترب منهم أكثر كلما سمعوا بنفاد محاليل الغسيل الكلوي.
وأضافت ياقوت: “فكرت كثيرًا بالسفر إلى خارج المدينة، لكن جسدي المنهك من أعباء المرض لا يقوى على السفر، بسبب طول الطريق ووعورتها، نتيجة الحصار علينا وغلاء أسعار النقل التي تقف عائقًا أمام مقدورنا المادي فيزيد إلى وجعنا وجعًا”.
وواصلت حديثها والدموع تتسلل من عينيها المتعبتين قائلة: “نناشد الحكومة الشرعية والمنظمات بأن ينظروا إلينا نظرة مساعدة، نحن ليس لنا علاقة بالحرب، ونحن مرضى نصارع الموت متمسكين بأمل الشفاء من الله في العلاج فلا تحرمونا إياه”.
أما الحجة جمالة نعمان، ستينية العمر، فتقول: “فمعاناتها تتضاعف مع مضاعفة أجور النقل التي تدفعها مع كل مرة تدخل بها إلى المدينة، فهي تسكن في ريف تعز، وتحديدا في حوبان قدس، تضطر للدخول مرتين كل أسبوع إلى المدينة لغسل كليتها”.
وعندما أخبرتها عن احتمال نفاد المحاليل خلال أسبوع قالت بدهشة: “يا لطيف ..! أني افدا لك يا ابني تحكي من صدق!!” طمأنتها مبتسما بأن لا تقلق ففرج الله قريب، عاودت حديثها “لو انقطع الغسيل يا ابني شنموت، منو شرحم لحالنا ويوفر لنا المحاليل، قولوا للشرعية والمنظمات يوفروا لنا هذه المحاليل”.. وتستغيث جمالة استغاثة المرتقب للموت كحال غيرها المرضى الذي يبحثون عن أمل لحياتهم.
استطلاع / صلاح الجندي