تاريخ التعليم في عدن 1839م - 1967م.. افتتاح أول مدرسة حكومية في عدن عام 1856م بإقتراح (جي،بي،بدجر) (2 - 5)

> علي راوح

> كنا في الحلقة الأولى قد تناولنا تاريخ التعليم الإسلامي في عدن وبروز دور علمائها وفقهائها في علوم القرآن والسنة ودور المساجد والأربطة والمدارس الإسلامية في عدن.
وفي هذه الحلقة نتناول ما أورده الدكتور علي صلاح الأرضي، الأستاذ المحاضر في جامعة - في الباب الثالث من كتابه (تاريخ التعليم في عدن - 1839 - 1967م ) حيث يتضمن الباب الثالث تاريخ التعليم النظامي في عدن خلال الفترة من (1839 - 1937م).
*أهداف السياسة البريطانية التربوية
إنّ الأهداف السياسية التربوية، موضوع هام لأنه يبين تطور النظرة إلى التربية في فترات متعاقبة من تطور المجتمع، وأن لا غنى لأي مجتمع من تحديد غايات التربية وأهدافها، فيسعى جاداً وبخطى حثيثة لتحقيق ذلك الهدف، وليس للتربية دور تحت السيطرة الاستعمارية الا تنشئة المواطنين ليكونوا تبعاً لهم والعمل على خدمة المستعمر وتنفيذ تعليماته.
*أهداف المدرسة الحكومية
منذ العام 1839 - 1845م، أي منذ عام الاحتلال لعدن بقيادة القبطان (هينس) لعدن إلى يوم رحيله عنها، تركز الاهتمام البريطاني فقط على الموقع العسكري والاقتصادي لعدن، ولم يكن التفكير في نشر التعليم من أولوياتهم الملحة.. وفي عام 1854م تولى الميجور (جيمس اوترام) الحكم في عدن (يونيو - سبتمبرب 1845) والذي بالرغم من قصر مدة انتدابه إلا أنه وضع أسس قيادة جديدة، كان لها دور كبير فيما بعد في أول مدرسة حكومية نظامية عام 1856م والمعروف عن (اوترام) أنه استطاع أن يربط عدن ربطاً محكماً مع النظام الإداري لشركة الهند الشرقية لبريطانية، وبعد مرور (17) عاماً من الاحتلال أنشئت أول مدرسة نظامية حكومية في عدن عام 1856م، وتهدف كما اقترح (جي . بي . بدجر) رئيس القساوسة بعدن، صاحب الفكرة إلى تقديم ثقافة عامة للأطفال، ومحاولة تشجيع مشايخ القبائل العربية المحيطة بعدن على إلحاق أبنائهم بهذه المدرسة.
ويتحدث (جافن) عن المدرسة الأولى بعدن بقوله: كان لنشاط الحكومة في حقل التربية صدى كبير، فقد بدأ عام 1856م، بمبادرة من (جي، بي، بدجر) الذي كان أمله تأسيس كلية للدراسات العربية تضطلع بإشاعة العلوم في الأراضي المحيطة، وتجذب أبناء المشايخ لمزيد من التواصل مع البريطانيين، وتدريب إداريين عرب، ولكن لم يطل عمر المدرسة لأكثر من عامين. وعلى المستوى المركزي فقد انتقدت حكومة الهند المشروع، ولكن العامل الأساسي لإغلاق المدرسة كما يبدو عدم حماس المواطنين لها فتعلق نشاطها واقتصر على تدريس أبناء العاملين في المعسكرات.
وفي عام 1866 تمكن الميجور (وليم ميرويذر) من الحصور على إذن من حكومة الهند البريطانية بإعادة افتتاح المدرسة على أساس أكثر واقعية واقتصر دورها على مجرد إقامة جسر للتواصل الثقافي الأول مع أولئك الذين اختاروا الحضور منذ البداية افتتاحها، ولكن رغم التعديل على الأهداف ظل الإقبال ضئيلاً إذ لم يلتحق فيها سوى ستة طلاب فقط من الأهالي، ويتحدث (جافن) عن المدرسة وأهدافها بقوله: في عام 1866م وخلال إنشاء دار لإقامة الكولونيل (ميرو بذر) بدأت محاولة أخرى لإنشاء - وبهدوء - مدرسة واحدة تقدم تعليماً على النمط الإنجليزي تحت إشراف مدير هندي وأخرى تُعنى أساساً بالدراسات الإسلامية (القرآنية)، وكان التمويل بالنسبة للمدرسة الأخيرة مشتركاً بين الحكومة والبلدية، وكان افتتاح المدرسة الأولى (الإنجليزية) ذا فائدة عظيمة للضباط والمستوطنين الهنود، كما أن الطبقات الفقيرة من المواطنين رأت أن التعليم هو طريقها لتمكينهم من الانخراط في الخدمة الحكومية، ويقدم (جافن) تفسيراً أكثر واقعية للهدف الاستعماري بقوله: ولكن الرؤيا للمخططين مثل (بدجر) و (ميرويذر) الذين كان أملهم في اجتذاب أبناء الريف إلى مدارس عدن لم يتحقق، واستمرت خيبة الأمل هذه في عهد المقيم البريطاني (استيوارات) فبقيت الخدمات التعليمية لفترة طويلة لا تثير الاهتمام، ولعل الفقرة التالية من ملاحظة (استيوارات) إن عدن ليست طفلاً لأحد من الناحية التربوية) والهنود الذين حاولوا الإصلاح التربوي لا يمكن أن يقدموا أكثر من مشروع لتهنيد عدن، إن أفضل حل هو إيجاد مدرسين مؤهلين، وأن يكون هناك ضابط معارف مؤهل يستوعب معارف وميول تجاه العرب واللغة العربية.
*عطا حسين.. قدَّم شيئاً يذكر
خلال الفترة الاستعمارية الأولى (تبعية عدن للهند) عين البريطانيون ثلاثة مسئولين هنود لتربية عدن، أولهم في عام 1920م، وهو (عطا حسين) ، ثم خلفه (الفاروقي) 1939م، وآخرهم (محمد نواز) الذي استمر حتى عام 1937م، وحرصت بريطانيا على اختيار هؤلاء المسئولين من الهنود المسلمين حتى يتقبلهم المجتمع العربي المسلم في عدن، منهم من قدم الشيء الكثير لأبناء عدن، حيث يقول أحدهم إن عدن عرفت التعليم عندما جلبت الحكومة البريطانية مدير معارف القدير هو الأستاذ (عطا حسين)، وصل (عطا حسين) إلى عدن عام 1920م وخلال بقائه في عدن كانت باكورة أعماله فتح مدرسة ليلية ضمت عدداً من المعلمين في المدارس الحكومية، وآخرين من الشباب الأذكياء، أعدهم لامتحان شهادة (السينير كمبردج) كما تحصل عدد من طلابة عام 1925 على شهادة في التربية من جامعة (ليدرس) البريطانية، ثم عمل على رفع مستوى الدراسة الحكومية، فغير برنامج التعليم ، وكانت له آراء عالية في التربية والنظام المدرسي وإعداد المعلمين، وقد انتقد الوضع التعليمي في عدن الذي لا يحقق الهدف الإنساني، ورأى (عطا) أن تمنح المعارف في عدن أبناءها الدراسات الحرة، وطالب شعب عدن أن يساهم مساهمة فعالة في تعليم أبنائه، وأن يعمل على تأسيس المدارس الابتدائية في طول البلاد وعرضها للقضاء على الأمية، وسعى جاهداً لإقناع حكومة عدن بتأسيس مختبر وجلب أساتذة لتدريس الكيمياء والطبيعيات.
وأسس أول جمعية أدبية للبحث الأدبي والعلمي، كما شجع بعض المعلمين على تأسيس نادي الأدب، وقد قام بتعيين الأستاذ/ محمد علي لقمان مديراً للمدرسة الثانوية، والأستاذ كامل عبدالله صلاح مديراً للمدرسة الابتدائية، وأدخل التعليم الديني واللغة العربية إلى المدرسة الحكومية، كما قام بقبول بعض الطلاب من أبناء المحميات في المدارس الحكومية.
وفي عام 1931م، تم تعيين الأستاذ (الفاروقي) بدلاً عن (عطا حسين)، ويقول معاصروا الفاروقي بأنه قام بوضع برنامج دراسي مفصل وجعل اللغة العربية لغة التدريس في المدارس الثانوية ووفر الكتب والأدوات الهندسية، وتم في عهده فتح أول مدرسة حكومية للبنات ولكنها واجهت العديد من الصعوبات، توفي (الفاروق) وخلفه الأستاذ/(محمد نواز) الذي واصل ماقام به سلفه.
الجدير بالذكر أنه خلال فترة النظار الهنود، صبغت عدن بالصبغة الهندية، وهذا (جاكوب) أحد الضباط السياسيين البريطانيين يقول: أصبحت عدن مصبوغة بالصبغة الهندية، وتبدو اللغة العربية وكأنها لغة أجنبية، والكثير من أساتذة المدرس من الهنود، وهذا ابن عدن الشيخ (محمد عبدالقادر مكاوي)، يتحدث بمرارة للسيد/ (هيكينبوتم) عام 1930م قائلاً ماذا عملت لنا الهند؟ لاشيء لقد رأيت المدارس ورأيت المدرسين الهنود.. أين المدرسين العرب.؟ فيما تقول (دورين) زوجة أحد أعمدة الاستعمار البريطاني تقول: إن وطأة وعبء تصرف حكومة الهند على عدن ثقيلاً ومرهقاً، فالموظفين والتجار وضباط البوليس والمدرسين جلّهم هنود.. وعودة إلى استعراض واقع التعليم وعدد المدارس، ففي العام 1879م، تم افتتاح مدرسة ابتدائية في المعلا، وأخرى في التواهي عام 1880م، وثالثة في الشيخ عثمان عام 1882م، وبلغ عدد التلاميذ (1768) منهم (256) في مدارس الحكومة العربية و(88) في مدارس الحكومة الانجليزية، وفي عام 1918م تم افتتاح المدرسة الحكومية الجديدة مدرسة الإقامة (المتحف العسكري حالياً).
من جانبة انتقد الأستاذ (لوري) الذي قام بعملية مسح لواقع التعليم، انتقد السياسة التعليمية، وطالب بضرورة رفع مستوى المدرسة الحكومية وإيفاد أبناء عدن إلى الخارج، وأوصى بإعفاء أبناء الفقراء من دفع الرسوم، وفتح مدرسة للصناعة.
*تشجيع التعليم التجاري
وفي نهاية العشرينيات من القرن الماضي بدأ الاهتمام من قبل الحكومة البريطانية ينصب حول تشجيع التعليم التجاري، فتم في عام 1926م تعيين مدرس جديد للتعليم التجاري في المدرسة الحكومية، كما تم منح إذن بفتح معهد تجاري في عدن للحاج (ياسين راجمنار) في 30 ابريل 1927م ، وإذا تسألنا ماهي أحوال التعليم في عدن، بعد ما يقرب من مائة عام من الاحتلال نجد أن هناك أقل من (1000) تلميذ في ثلاث مدارس إنجليزية ثانوية، ويقول الأستاذ عبده حسين الأدهل: إن الطلبة من أبناء المسلمين الذين ينهون دراستهم الابتدائية في مدارس حكومة عدن ويحول قانون بريطانيا دون نقلهم إلى صفوف عليا في المدارس الحكومية لا يجدون غير المدارس التبشيرية.
كما نلمس في هذه الفترة من تاريخ عدن، المرارة في حديث (أحمد محمد سعيد الأصنج) الذي قال: لا توجد في عدن مدرسة للبنات يتعلمن فيها ونتيجة لهذا الوضع انتهزت جمعية التبشير المسيحي الفرصة وفتحت مدرسة للبنات المسلمات يتعلمن فيها الخياطة والتطريز والنسيج وهناك يتبشر من المبادئ المسيحية فإذا أهملنا بنات المسلمين وتركناهن للراهبات والمبشرات يعلمونهن ما يتنافى مع ديننا وتقاليدنا فذلك ينذر لنا بخراب الديار.
وفي عام 1935م افتتحت مدرسة في خور مكسر وتم تخصيصها لأبناء المشائخ والرؤساء من رجال القبائل.
*المدارس الخاصة الأهلية
ظل التعليم الأهلي الخاص في هذه المرحلة مقصوراً على المدارس القرآنية التي انتشرت بسبب ارتباطها حضارياً ودينياً بعقيدة المجتمع، ومن أشهر هذه المدارس في عدن مدرسة (الشيخ عبدالله الخوربي) مدرسة (الشيخ عبدالله المكي) مدرسة الشيخ (محمد الشقنيطي) مدرسة الشيخ (أحمد عوض) مدرسة الست (نور أحمد عبدالله) مدرسة الشريفة (خديجة) مدرسة الست (حليمة عبدالله حامد) أما في الشيخ عثمان، فنجد أبرزها مدرسة السيد (حيدر سعيد) وابنته الست (نور حيدر) ومدرسة الست (زهرة علوان) ولعل ما يستحق التسجيل في تاريخ التعليم خلال الفترة الاستعمارية الأولى هو ما أقدم عليه المرحوم (محمد عمر بازرعة) بفتح (مدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية) على نفقته عام 1912م ، والتي احتضنت الأطفال من أبناء المحميات وشمال الوطن، وتأتي المدرسة الثانية المبنية على أسس وتنظيم حديث مع اختلاف مهمتها وهي (المعهد التجاري العدني) 1927م الذي اضطلع التعليم التجاري، وفي عام 1936م تأسست في عدن (مدرسة الفلاح الإسلامية الهاشمية) في شارع الزعفران، ومؤسسها هو (حسين الدباغ).
*المدارس الخاصة الأجنبية
في الوقت الذي كانت فيه المدارس الحكومية تعد بالأصابع كانت هناك الكثير من المدارس الخاصة بالبعثات التبشيرية المسيحية وأبناء الجاليات الأجنبية أو أبناء أفراد القوات البريطانية ومن أهم هذه المدارس:
- مدرستا الارساليات الكاثوليكية، أسسها الفاتيكان عام 1845م
- مدرسة الارساليات البروستانتية الاسكوتلاندية عام 1886م
- مدرسة الارسالية الدانمركية عام 1910م - المدرسة الجزراتية 1919م
- مدرستا الجالية الهندية المسلمة.. أما بالنسبة لليهود فكانت لهم مدرستان أحداهما للبنين والأخرى للبنات.. وللجالية الصومالية مدرسة في المعلا. وقد ساعد نظام الإعانة الحكومية للمدارس الخاصة الذي بدأ عام 1897 على توفير المال لاستمرار نشاط هذه المدارس.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى