محو الأمية وتعليم الكبار في عدن.. انسداد أفق التحرر يهدد باتساع فجوة التخلف.. رئيس جهاز محو الأمية: معاناة الجهاز بدأت عام 90م حيث تم تهميشه والتجربة اليمنية أردى تجربة من بين الدول المضطربة

> رصد/ علي الصبيحي

> في ثمانينيات القرن الماضي أعلنت منظمة اليونسكو محافظة عدن خالية من الأمية، إلا أن منذ مطلع التسعينيات وحتى اليوم، حدثت كارثة التعليم في عدن والمحافظات الجنوبية، ويوما بعد آخر والهوة التي تفصلنا عن التحرر من الأمية تزداد اتساعا، حتى صار في شطري اليمن - بعد الوحدة - ما يربو عن تسعة ملايين أمي، لكن الأشد خطرا على الأجيال والمجتمع من ذلك هو التغاضي عن واقع التعليم، وتجاهل تقويم اعوجاجه وتهميش مؤسساته، كما هو حال جهاز محو الأمية وتعليم الكبار.
«الأيام» سلطت الضوء على واقع جهاز محو الأمية في عدن، وتقصت أوضاعه مع المنتسبين له والجهات المختصة.
في 41 مركزا ونحو مائة فصل دراسي وستة مراكز تدريب لمحو الأمية في محافظة عدن تحاول الكثير من النسوة التحرر من قبضة الجهل بانتزاع فرصة التعلم، كضرورة وحاجة إنسانية، لرسم ملامح المستقبل في بلد لطالما تأخر عن كل تقنيات الدول المتقدمة.. لكن تراكم المعضلات والصعوبات المتزايدة التي يواجهها جهاز محو الأمية وتعليم الكبار في عدن والمناطق المحررة، جعلت الأمل المنشود لدى أساتذة ومنتسبي محو الأمية يصطدم بواقع مرير نصف له أسباب موضوعية، وأخرى لم تتضح بعد، كما تقول شهيرة سالم معلمة محو الأمية في مديرية البريقة، التي شكت شحة الإمكانات المتمثلة في انعدام مراكز مستقلة، وعدم توفر مرتبات المعلمين، وكذا نقص الكتب وافتقار الدارسات لأدنى مقومات التعليم، نتيجة الفقر والظروف المعيشية الخانقة، حسب تعبير شهيرة، والتي أشادت برغبة الدارسات وحبهن للتعلم رغم التحديات القاهرة.
*معلمات تحت القهر
نصرة غالب، معلمة محو الأمية، مدربة خياطة في مركز الفارسي، تحدثت من جانبها عن انعدام معدات التدريب من مكائن خياطة ومستلزماتها، الأمر الذي أثر على عملية التدريب رغم رغبة الدارسات وإقبالهن على اكتساب المهارات.. لافتة إلى أن فصل تدريب الخياطة استطاع تدريب عدد من النساء على مهارات الخياطة بمكائن مستعارة، وحققن منافع من مشغولات أيديهن، واستطعن تحسين معيشتهن خلال فترة قصيرة، بحسب المدربة نصرة، التي ناشدت الجهات المختصة ورجال المال والأعمال “ضرورة دعم المركز بمعدات الخياطة حتى يتسنى له تدريب الدارسات وتنمية قدراتهن للتغلب على ظروف الحياة”.
المعلمة سيناء أحمد أشارت من جهتها إلى معاناة المعلمات والدارسات على حد سواء، فهي وكما تقول إنها تعمل في مهنة التدريس منذ 25 عاما، تنقلت فيها بين عدة مدارس كمتطوعة آخرها مراكز محو الأمية، وحتى اللحظة لم تحظ بدرجة وظيفية رغم حصولها على شهادة جامعية.. مناشدة الجهات المختصة “النظر بعين الإنصاف لحال مراكز محو الأمية ومنتسبيها، وتوفير كل لوازم ومقومات التعليم الذي به فقط تنهض الأمم” على حد تعبير سيناء التي طالبت بتطوير المراكز ورفدها بأجهزة حاسوب لمواكبة التطور.
*عزيمة الطلاب
في مراكز محو الأمية بمنطقة الفارسي مديرية البريقة بمحافظة عدن تتجسد عزيمة الطالبات المتحررات من الأمية، كما هو حال الطالبة نور محمد، الملتحقة بفصول محو الأمية بعد انقطاعها عن التعليم لظروف معيشية، إلا أنها وجدت طريقها لتدارك المستقبل، فهي كما تقول تعلمت وصارت تجيد القراءة والكتابة، كما إنها تدربت على مهارات كثيرة رغم شحة الإمكانات، حسب تعبيرها، الذي وافقه رأي زميلتها فائق عبدالرحمن، قائلة: “أنا ممن حرمن من التعليم في سن مبكرة، وبقيت حتى هذا العمر لا أعرف القراءة والكتابة، وما أن سمعت بفتح فصول لمحو الأمية حتى سارعت ملتحقة بها، والحمد لله تعلمت ووصلت إلى مستوى عال، لكننا بحاجة إلى دعم حقيقي لمواصلة تعليمنا”.
*نافذة الأمل
من جهته لفت مدير عام جهاز محو الأمية وتعليم الكبار عدن، محمد السقاف، إلى أنه “في وقت حرج يشهد عزوفا منقطع النظير لدى الجيل الجديد، المغلق بعضه باب الإقبال على الدراسة والمتسرب منها بعضه الآخر، تبنى جهاز محو الأمية مهمة إنقاذ المجتمع من جحيم التخلف، مؤملا فتح نوافذ جديدة لتحفيز شريحة واسعة على المزيد من التعلم، إلا أن حتى ذلك الحلم ما يزال قيد التعثر رغم النجاح الذي تحقق، حسب السقاف.

والذي أوضح قائلا: “نحن في الجهاز نعاني من نقص المعلمين الأساسيين، وانعدام الرواتب للمتعاقدين، في الوقت الذي يوجد لدينا 41 مركزا في عدن بواقع 101 فصل دراسي لمحو الأمية، و6 مراكز للتدريب النسوي وجميعها تعمل منذ ثلاثة أعوام، رغم شحة الإمكانات، بل مؤخرا افتتحنا مركزا تاسعا نموذجيا، بعد استكمال التحرر من الأمية واستكمال فصول سابع وثامن تكميلي، ومن الدارسات من واصلن تحصيلهن العلمي ونلن شهادة الثانوية والبعض الشهادة الجامعية”.
وأضاف السقاف: “لدينا أكثر من 22 مركزا فيها سابع وثامن تكميلي رغم كل الصعوبات وانعدام المقومات التي أهمها تدمير مبنى جهاز محو الأمية في كريتر بعد نزول النازحين فيه، الأمر الذي اضطررنا معه إلى ممارسة مهامنا في مركز المنصورة كإدارة عامة تفتقر لأدنى المقومات في ظل انعدام الميزانية، ومع كل تلك الهموم إلا أن معلمينا يبذلون جهودا لا تقدر بثمن، حيث يتخرج من جهاز محو الأمية سنويا أربعة آلاف دارس ودارسة وأكثر من 70 خريجا من فصول تاسع تكميلي.. ومن هذا المنطلق فإننا نناشد الجهات المختصة ودولة رئيس الوزراء رفد الجهاز بكل الاحتياجات لضمان ديمومة العطاء حتى لا يغرق المجتمع في مستنقعات الجهل”.
*مرارة الواقع
بدوره قال رئيس جهاز محو الأمية وتعليم الكبار، محمد الحاج: “إن معاناة الجهاز بدأت منذ العام 90م، حيث تم تهميشه وغض الطرف عن أهميته، ومعها صارت التجربة اليمنية أردى تجربة من بين الدول المضطربة، بحيث أن كل الدول يرتبط فيها جهاز محو الأمية برئاسة الوزراء ارتباطا مباشرا، إلا اليمن فإن جهاز محو الأمية يرتبط بوزارة التربية والتعليم، التي لا تعطي الجهاز إلا الفتات، في الوقت الذي تبلغ ميزانية وزارة التربية والتعليم أكثر من 30 مليار ريال بينما لا يتجاوز طلابهم 9 مليون طالب وجهاز محو الأمية لديه 9 مليون أمي وميزانيته لا تكاد تتجاوز 300 ألف ريال يمني”، بحسب تعبيره.
وطالب رئيس جهاز محو الأمية بضرورة استقلالية الجهاز، مشيرا إلى أن “لدى الجهاز 150 مركزا في عدن و151 مركزا في أبين و149 مركزا في لحج، وهناك مراكز في حضرموت وسقطرى”.
لافتا إلى أن “242 موظفا في جهاز محو الأمية في الجمهورية يعانون من هضم المستحقات المالية”، منوهاً إلى أنه يوجد 49 موظفا في عدن والمحافظات الجنوبية، حاول الجهاز انتزاع موازنتهم من صنعاء، وتحويل رواتبهم إلى عدن بسقفها الضعيف، بينما بقية القوى الوظيفية في ديوان محو الأمية في صنعاء”.

*منحة النطيحة والمتردية
يؤكد محمد الحاج رئيس جهاز محو الأمية وتعليم الكبار في الجمهورية على أن “أكثر اعتماد مراكز الجهاز في عدن ولحج وأبين على المعلمين المنتدبين من وزارة التربية والتعليم بنحو 150 منتدبا لكن الوزارة في الأساس تعطي جهاز محو الأمية النطيحة والمتردية وما أكل السبع”، وأوضح قائلا: “وزارة التربية والتعليم أهدتنا معلمين انتهت خدماتهم ولم يعد بمقدورهم تأدية التعليم، وبالتالي نحن لا نستفيد منهم، فكيف يمكننا القضاء على الأمية بمعلمين انتهت صلاحيتهم؟!”.
*رئيس الوزراء
يطالب محمد الحاج رئيس الوزراء ورئيس لجنة تعليم الكبار وزير التربية والتعليم بـ"سرعة إعادة تأهيل مبنى جهاز محو الأمية في كريتر وفتح النفقات التشغيلية، وإعادة النظر في الموازنة العامة للجهاز، وتبني إعلان حملة وطنية شاملة جادة طويلة المدى يساهم فيها الإعلام، حيث يتولى خريجو الجامعة مهمة تعليم الكبار ومنتسبي محو الأمية كفرض إلزامي تفرضه الجامعة، وتشترط فيه عدم صرف أي شهادة تخرج للخريجين إلا بعد تحرير عشرة أفراد من جهاز محو الأمية”.
كما طالب الحاج "بضرورة تفعيل دور الجهاز ورفده بكفاءات وبرامج تعليمية وفتح قنوات اتصال مع المنظمات الخارجية لدعم المراكز التعليمية، حرصا على صيانة المجتمع من الجهل، وبدلا من استخدام السلاح يجب فتح فصول توعوية"، حسب تعبير الحاج، الذي نوه إلى أن "الأمية في اليمن ثلاثة أقسام: أمية الأبجدية، ويندرج تحتها من لا يقرأ ولا يكتب، والنوع الثاني: الأمية الأبجدية الثقافية، وهي لمن يفتقرون للثقافة، أما الصنف الثالث: فهو الأمية الثقافية وهم حملة الشهادات المتمسكين بالعادات القبلية والولاءات والمفاهيم الضيقة"، لافتا في ختام حديثه إلى أن "كارثة الجهل أشد فتكا بالمجتمعات من الوباء".
هل تثمر ؟
الثمار الواعدة لم تؤت أكلها بعد، رغم الجهود المبذولة على أكثر من صعيد في شتى مراكز محو الأمية، التي يسعى القائمون عليها لإصلاح منظومته المتهاوية في ظل دور الدولة الغائب هنا كعادته، وكما هو حاله في مجمل القضايا الوطنية ما يجعل الفشل الواضح للجهات المختصة دوما هو العنوان الأبرز أمام إزالة العقبات التي يجد جهاز محو الأمية لإزاحتها لاسيما في ظل انعدام الاهتمام الرسمي تجاه أدنى المتطلبات لإنقاذ الأجيال من الهلاك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى