بعد أكثر من عقدين من الإقصاء المتعمد.. مركز البحوث والتطوير التربوي بعدن ينهض من تحت الركام وينفض غبار الماضي

> رصد/ صديق الطيار

> تأسس مركز البحوث والتطوير التربوي – عدن في منتصف عام 1975م، وكان يعتبر صرحا ومنارة علمية وتعليمية تكتسب أهمية كبيرة في الدولة، وله شخصيته الاعتبارية، كمؤسسة علمية تربوية تُعنى بمسائل مضمون التعليم، وتولى مهاما عظيمة لتطوير ورقي العملية التربوية والتعليمية في الدولة.
«الأيام» تتبعت المراحل التي مر بها المركز منذ تأسيسه في العام 1975م حتى اليوم، ورصدتها في الآتي:
المركز ما بين (75 – 90م).. العصر الذهبي
كان مركز البحوث والتطوير التربوي - عدن، منذ تأسيسه عام 1975م وحتى عام 1990، صرحا ومنارة علمية وتعليمية تكتسب أهمية كبيرة في الدولة، وله شخصيته الاعتبارية كمؤسسة علمية تربوية تُعنى بمسائل مضمون التعليم.. وكان المركز في تلك الفترة يتولى إعداد وتجربة المناهج الجديدة للتعليم العام، وتقييمها على ضوء تطبيقها في الممارسة التعليمية التربوية في المدارس، وضمان تطويرها باستمرار بما يواكب المتطلبات المتنامية للتطور الاجتماعي التقدمي للبلاد والمنجزات المعاصرة للعلم والتكنيك والثقافة، ووضع المخططات الخاصة بتأليف الكتب المدرسية والوسائل التعليمية المساعدة للمعلم..
ومنها أيضا إجراء الأبحاث والدراسات التربوية الخاصة بالسياسة المدرسية والإدارة التربوية، وكل ما تطلبه وزارة التربية من أبحاث ودراسات للارتكاز على نتائجها في اتخاذ اللوائح والنظم بما يكفل التطوير الدائم لمضامين وطرق وأساليب تنظيم التربية والتعليم..
كذلك كان مركز البحوث التربوية يقوم بإعداد المواد الدراسية للدورات التي تعقدها وزارة التربية والتعليم لمدراء المدارس والموجهين الفنيين بالتنسيق مع الإدارات والمعاهد المعنية والتابعة للوزارة، وإعداد الدراسات الموضوعية للمشكلات التي تنشأ في إطار النظام التربوي وتقديم المقترحات لحلها، وإعداد البرنامج التربوي لرياض الأطفال وتطويره.. وكان المركز يعمل - وفقا لمبادئ السياسة الخارجية للجمهورية - على توطيد وتوثيق العلاقات مع مراكز وأكاديميات العلوم التربوية في الدول الشقيقة والصديقة.
وربط المركز، خلال تلك الفترة، علاقات وطيدة مع العديد من المؤسسات التربوية المحلية والعربية والدولية، فاستفاد المركز كثيرا من تلك العلاقات وتبادل الخبرات، فحقق الكثير من الإنجازات ونفذ العديد من مهامه ومسؤولياته على أكمل وجه، فتجاوز الكثير من المصاعب والمشكلات التي كانت حاضرة آنذاك، وأزاح العراقيل التي كانت تعترض سير عمله وتحد من انطلاقه، كما استطاع المركز أن يربط مهامه الفنية بمهام الدوائر والأقسام الاخرى التابعة لوزارة التربية والتعليم.
وقطع المركز - في تلك الحقبة - شوطا كبيرا في مجال التعاون مع المنظمات والمؤسسات الدولية، وخصوصا مع منظمتي “اليونيسيف” و”اليونيسكو”.. وقد ساهم في حضور العديد من الندوات واللقاءات المتصلة بالبحث التربوي وتطوير المناهج التي تنظمها بعض المنظمات الدولية.
(1990 - 2015).. تهميش متعمد
ولكن منذ دخول جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في مشروع اندماجي مع الجمهورية العربية اليمنية، أو ما تسمى “الوحدة اليمنية” عام 1990م، تهاوى ذلك الصرح العلمي الشامخ، وشهد فترة انحطاط وسقوط مريع، بسبب عملية الإقصاء والتهميش المتعمدة التي مورست بحقه كغيره من المؤسسات والصروح الحكومية الجنوبية التي عمدت قوى الجهل والظلام والحقد الدفين على تدمير قواعدها وأسسها لتقع وتتهاوى، وخاصة بعد التمرد والانقلاب على مشروع الشراكة بين الشطرين واجتياح الجنوب في العام 1994م من قبل جحافل الاستبداد والجبروت، فعاثوا في الجنوب - وخاصة العاصمة عدن - فسادا وطغوا وبغوا ودمروا كل ما هو جميل فيها.
فمنذ ذلك الوقت فقد مركز البحوث بريقه ومكانته المرموقة، وتلاشى دوره الريادي المعروف، فأصبح تابعا وخاضعا لمركزية صنعاء، ينفذ كل ما يملى عليه من مركز البحوث والتطوير التربوي في صنعاء..
2015 - اليوم.. استعادة المجد المسلوب
ونتيجة للأحداث والتطورات السياسية الأخيرة في البلاد أُعلِنت محافظة عدن عاصمة مؤقتة للدولة.. حينها تخلص مركز البحوث والتطوير التربوي - عدن من القيود التي كانت مركزية صنعاء تكبله بها، واستقال بذاته، فبدأ المركز ينفض غبار تلك السنوات التي تم تعطيله خلالها عن القيام بدوره الريادي لخدمة المجال التربوي والتعليمي في البلاد..
يقول مدير مركز البحوث والتطوير التربوي - عدن الدكتور عبدالغني الشوذبي: “مركز البحوث في أي دولة من دول العالم يعدّ منارة وصرحا علميا وهيئة تعليمية تكتسب أهمية كبيرة في الدولة، ففيه تتم عملية تغيير وتطوير وتنقيح وتصحيح المناهج الدراسية، وكل ما يتصل بعملية تطوير وتحسين الجانب التربوي والتعليمي.. فرقي التعليم وازدهاره يعني رقي الدولة وازدهارها، لذا نرى الدول تولي مراكز البحوث التربوية أهمية كبيرة لما تقوم به من دور كبير في تغيير نظام الدولة، لأن تغيير وتطوير المنهج الدراسي يعني تغيير وتطوير نظام الدولة”.
ويضيف: “تسلمنا المركز وكان بحالة مزرية للغاية، إذ تعرض المبنى إبان الحرب لنهب وسرقة الكثير من أجهزته وأثاثه، بالإضافة إلى المبنى المتهالك الذي يحتاج إلى عملية ترميم وتأهيل من جديد، إلا أن ذلك لم يقف عائقا أمام إصرارنا وحماسنا لتحمل المسؤولية وإعادة الروح إلى المركز واستئناف المهام والأنشطة والفعاليات التي كان يقوم بها في السابق قبل العام 1990م، وإعادة الشخصية الاعتبارية له والدور الوطني الريادي الذي كان يضطلع به، واسترداد الهيبة له التي كان يتمتع بها في الدولة.. فتكاتف الجميع وعملنا على إعادة النشاط والحيوية للمركز، على الرغم من الإمكانيات الشحيحة في المركز”.
وأردف د. الشوذبي: “كان أول وأهم امتحان للمركز بعد نهوضه ومحاولة العودة به إلى مجده السابق هو احتضانه للورشة الوطنية لتطوير المناهج الدراسية للتعليم العام، التي أقامها المركز بالاشتراك مع قطاع المناهج بوزارة التربية والتعليم في ديسمبر 2016م، حيث كان المركز مسؤولا عنها من الإعداد والترتيب وأوراق العمل والإدارة والتقديم والدعم. قمنا في هذه الورشة بتحليل واستعراض لطرائق وأساليب تأليف المناهج وحجم محتواها وما شابها من أخطاء وعيوب وكثافة غير مبررة وعدم مواكبتها المعرفية المعاصرة ومتطلبات التعليم، فقمنا باستعراض تصور مقترح بآليات جديدة لمراقبة هذه المناهج ومعايير تطويرها في ضوء تجارب التطوير الحديثة التي تشهدها المناهج الدراسية في دول الخليج العربي وبعض البلدان العربية والإقليمية والدولية”.
وتابع مدير مركز البحوث حديثه: “قمنا بتعرية كل التدخلات الدنيئة التي قام بها الانقلابيون على الشرعية الذين وصل بهم الأمر إلى التدخل في استبدال وتغيير المناهج الدراسية وصبغ العملية التعليمية بالصبغة الطائفية، وربطها بالصراع الديني السياسي.. ونجحنا فيها نجاحا فريدا وعظيما، ووصلنا إلى مكانة مرموقة، ونطمح إلى نيل المزيد من النجاح والتطور”.
واستطرد د. عبدالغني الشوذبي بالقول: “أثبتنا للجميع وبالذات الذين كانوا يقولون أن المركز لا يقدم شيئا أننا جديرون بعمل كل ما يوكل إلينا.. فنحن نمتلك كادرا جاهزا لتنفيذ كل ما يوكل إليه، فقط يحتاج للتشجيع والتحفيز، فهنا في المركز كوادر وقامات أكاديمية وتربوية يشهد لهم الميدان بالكثير من الانجازات.. وأنا صراحة كمدير للمركز لي الفخر أن أشتغل تحت أيديهم، أولئك الكبار الذين لهم منذ تأسيس المركز في العام 1975م، ومازالوا يحضرون إلى الآن، ليس لديهم أي مصلحة سوى حبهم للمركز والمشاركة في النهوض به”.
وأشار الشوذبي إلى أن المركز سيقوم بعمل مجلة تربوية، وقال: “كانت هذه المجلة في السابق تنشر من مركز صنعاء، وتحصلنا على الموافقة من الدكتور صالح ناصر الصوفي رئيس المركز القائم بأعمال وكيل قطاع المناهج والتوجيه بوزارة التربية والتعليم بأن تصدر هذه المجلة من مركزنا هنا في عدن، سيتم فيها نشر أي بحث من قبل الباحثين في المركز الذين، فالمجال مفتوح لكل باحث منتمٍ للمركز بنشر أي بحث لديه في المجلة التربوية التي سنصدرها قريبا.. كذلك لدينا موقع إلكتروني خاص اسمه موقع مركز البحوث والتطوير التربوي - عدن، والمجال فيه أيضا مفتوح لجميع الباحثين”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى