في الذكرى الثانية لاستشهاده.. الشهيد جعفر محمد سعد الغائب الحاضر في قلوب الناس

> تقرير/ علاء بدر

> 6 ديسمبر 2017، هو يوم الذكرى الثانية لاغتيال شهيد الوطن اللواء الركن جعفر محمد سعد، محافظ العاصمة عدن السابق، بعملية إرهابية أودت بحياته وثمانية آخرين من مرافقيه.
حيث فجرت أيادي الإرهاب في صبيحة يوم الأحد السادس من شهر ديسمبر من العام 2015م سيارة مفخخة بموكبه أثناء مروره بمنطقة جولد مور بالتواهي بعدن، عملية إجرامية أنهت حكم محافظ لم يتم شهرين منذ توليه المنصب بقرار جمهوري صدر مساء الخميس الموافق الثامن من شهر أكتوبر للعام ذاته.
ولد الشهيد جعفر محمد سعد في مدينة الشيخ عثمان يوم 5 مايو عام 1950م، له من الأبناء ولد: محمد، وبنتان: لينا، وروزا.
يقول مدير عام مكتب المحافظ الراحل وكيل العاصمة عدن د. رشاد صالح بن شائع: “إن اللواء جعفر يُعد مدرسة من الدرجة الرفيعة، ومن الشخصيات التي يندر وجودها بهذا الزمن، فقد جمع ما بين الالتزام والجدية والطيبة، إنه رجل تخطيطي لما يريد الوصول إليه مسبقاً، ورجل ميداني في عمله، يضع حلولاً عملية مباشرة، كما أنه قريب جداً من هموم الناس، فقد خصص يومي الإثنين والأربعاء من كل أسبوع للالتقاء بالمواطنين وتلمس همومهم ومعاناتهم”.
وأشار شائع إلى أن “الشهيد كان لديه طموح كبير بتوظيف 40 ألف شاب من أبناء عدن، وأنه قد شرع بحصر كل الشباب المقيدين في الخدمة المدنية لإيجاد طريقة للبحث عن عمل لهم”، مشيرًا إلى أن “ما أنجزه في أقل من شهرين، يوازي ما عمله المحافظون الآخرون في أعوام”.
وأضاف: “في عهد اللواء جعفر تم التغلب على كثير من القضايا بمجال النظافة والصرف الصحي والمياه والكهرباء، منطلقاً من شعار (لا يمكن أن تعيش عدن في الظلام وأنا موجود)، ففي منتصف شهر نوفمبر 2015م وجَّه مدير عام شركة النفط بشراء شحنة ديزل في سفينة تحتوي على 6 آلاف طن ديزل من محافظة حضرموت مهما كلف الثمن، وذلك حينما تأخر وصول الديزل أكثر من أسبوع”.
*ذكرى خالدة
الشاب المجتمعي إبراهيم بن صالح مجور أراد من خلال مبادرته (غيِّرها) أن يُخلِّد ذكرى الشهيد المحافظ في نفوس الناس، وعن هذه المبادرة يقول لـ«الأيام»: “كنت ماراً برفقة سمير الوهابي عضو الهيئة الإدارية رئيس لجنة التخطيط في المجلس المحلي لمديرية التواهي بمنطقة جولدمور، وكان ذلك قبل حلول الذكرى الأولى لاستشهاد جعفر، فرأينا المكان الذي استشهد فيه، حينها تذكرنا ذلك اليوم الأليم، وما حدث من حزن أصاب أهالي العاصمة عدن، فتولدت لدينا فكرة أن نقيم جدارية نرسم فيها صورة الشهيد، ونكتب في أسفلها اسمه ليعلم المواطنون بأن في هذا المكان اُغتيل رجل الحكمة والوفاء، فتقدمت بطلب خاص إلى مدير عام التواهي عبدالحميد الشعيبي، لتوفير سبل الدعم الممكنة لتنفيذ هذه الفكرة على أرض الواقع، وقد تفاعل معي، وعلى الفور نزل فريق المبادرة بمعية أحد أفضل رسامي العاصمة عدن، لرؤية الحائط الذي سنطبق فيه الفكرة، وبدأنا ننظر في مستلزمات العمل، وكانت أصعبها كيفية تهيئة الحائط الجبلي وتذليل التعرجات الصخرية حتى يتسنَّ لنا وضع رسمة الشهيد عليها، وهو ما شكَّل تحدّيا لنا، ولكن استطعنا تجاوزها”.
*اللقاء الأخير
فيما قال لـ«الأيام» سامر صالح علي جامع، ابن شقيقة المحافظ الشهيد: “عندما قرر اللواء جعفر محمد سعد الالتقاء بجميع أشقائه وشقيقاته وأبنائهم في المنزل البسيط المكوَّن من غرفة واحدة فقط، والمملوك لوالده بالشيخ عثمان بيوم الخميس 29 أكتوبر 2015م، كان أبرز ما قاله الشهيد لهم في ذلك اليوم: “أجبرتني الظروف أن أعيش سنوات طويلة بعيداً عنكم وعن مدينتي عدن، التي ترعرعت فيها، لكنني أشكر الله، الذي جمعني بكم مرة أخرى لأراكم وأرى أحفادكم.. كنت أود أن التقيكم في وقت أجمل من هذا، لكنني عدت إلى عدن ويحذوني الأمل أن أجعلها لؤلؤة العرب كسنغافورة أو كوالالمبور”، حينها دمعت أعين كل من كان حاضراً، لحرارة اللقاء، وما كانوا يعلمون أنه اللقاء الأخير”.
*الوعد المقتول
ويشير المتطوع في فريق الهلال الأحمر الإماراتي بعدن علي عبدالرب السلفي إلى أن “الشهيد جعفر كان دائم الابتسامة، وذا روح مرحة، ويحب عدن وشبابها”، مضيفا: “في إحدى المرات كنا نصعد ببطء على السلالم إلى الطابق الثالث بمستشفى الصداقة التعليمي أثناء مرافقته، وعندما شاهدنا أننا لم نكن نتخطاه أثناء الصعود، بدأ بالركض طالباً ممن حوله أن يسابقوه إلى الأعلى، وقد سبقهم”.
ويتذكره المواطنون دائماً عندما كان يقف لكل من لديه طلب أو شكوى ممن يأتون إليه، وهو يسير في الشارع أو في المرافق الحكومية، فيستمع لشكواهم ولا يغادر المواطنين إلا بعد أن يحل لهم مشكلاتهم”.
وفي موقف إنساني يعبر عن قلبه الرحيم زار جعفر دار المسنين في الشيخ عثمان في السادس والعشرين من أكتوبر 2015م مصطحباً معه فريق الهلال الأحمر الإماراتي الذي قدم لدار المسنين دعما إنسانيا بقيمة 11 مليونا و200 ألف ريال، متمثلة بمواد غذائية وطبية وغيرها، وقبل مغادرته أخبر إدارة الدار أن الكهرباء ستنقطع عن عدن في ذلك اليوم لساعات طويلة، ليقوم بتوجيه سائقه الخاص، والذي استشهد معه أيضاً، بأن يحضر لهم برميل ديزل لتشغيل المولد الكهربائي الخاص بدار المسنين حتى لا تنقطع الكهرباء عن المسنين والعجزة، ووعد الإدارة بتوفير مشتقات نفطية لمدة ستة أشهر، وهو الوعد الذي قتله أعداء السلام قبل تنفيذه فتعلَّق تنفيذه إلى اليوم.
*نجدة الشيخ محمد بن زايد له
وقال وكيل محافظ البنك المركزي لقطاع المصارف خالد إبراهيم زكريا: “لقد اتصل بي المحافظ جعفر بعد تأديته اليمين الدستورية وكنت حينها في السعودية فقال إنني محتاج أن تقف إلى جانبي في هذا الظرف العصيب فأخبرته أنني سأكون إلى جانبه بدون أدنى شك، فطلب مني إعداد موازنة للعاصمة عدن لتقديمها إلى رئيس الجمهورية والحكومة السعودية لاعتمادها، واتفقنا على أن يكون الباب الأول في الموازنة المرتبات والأجور، والباب الثاني المصاريف التشغيلية، وحينها كان البنك قد أُغلق بسبب مشكلات نتجت عنها آثار الحرب، فكونت فريق عمل صغير للعمل بشكل مستعجل، وبدقة متناهية، فكل رقم في الموازنة له قيمته ولا مجال للخطأ”.
يكشف مدير فرع البنك المركزي اليمني السابق بعدن جزءاً من عمله السابق مع المحافظ المرحوم جعفر سعد، وقال: “لقد تشرفت عندما وصل إلى العاصمة عدن لأول مرة بعد تعيينه محافظاً توجه من المطار إلى مصفاة عدن، واجتمع بجميع المسؤولين هناك، بأن طلب مني الحضور، وأتذكر أنه كان يوم إجازة فحضرت، فوضع يده على كتفي وقال للحاضرين “هذا هو جعفر محمد سعد، وهو الأمر الذي أعطاني دفعات نفسية لمواصلة العمل بوتيرة عالية”.
يتذكر خالد زكريا أنه “عندما جاء المحافظ الراحل إلى عدن وصل وليس في جعبته شيء، فلم يتلقَ دعما ماليا من أحد، فوعدته أن أبذل قصارى جهدي للوقوف معه من أجل تحسين مستوى الحياة في العاصمة بقدر الاستطاعة، وكانت حينها استحقاقات عدن ومحافظتي لحج وأبين من البنك المركزي في صنعاء 12 مليارا و150 مليون ريال كل شهر، وحصة عدن منها 8 مليارات ريال، ولكن النظام الانقلابي كان يرسل للمحافظات الثلاث بأجمعها خمسة مليارات ريال شهرياً فقط، فاقترحت حينها على الشهيد جعفر سعد أن يوجه بتسييل (سيولة نقدية) المعاملات في مصلحة جمارك ميناء عدن لتتحول إلى استحقاقات من أجل أن ندفع مرتبات الموظفين والمتقاعدين على أقل تقدير، فبدأت السيولة النقدية تورد إلى خزينة البنك المركزي ابتداء من خمسة ملايين ريال، ومن ثم عندما تحسن الجانب الأمني ارتفع الإيراد إلى عشرة ملايين ريال، إلى أن وصلت للثلاثين مليونا، فاستطاع أن يُلبي جزءا من احتياجات المواطنين”.
بموازاة ذلك كانتا صحيفة الجارديان وقناة الـ BBC البريطانيتان ترصدان حجم التغير المصاحب للحياة المدنية بعد حرب عام 2015م وفترة عمل المحافظ جعفر محمد، حيث إن أداءه كان ملفتاً للنظر، بسبب حنكة إدارته للأزمات التي كانت تعصف بمدينة عدن.
في نهاية شهر أكتوبر 2015م حدث ذات مرة أن نفدت مادة الديزل المخصصة للتوليد الكهربائي، وكان هناك مبلغاً مستحقاً لمؤسسة الكهرباء يريد المحافظ الشهيد تحويله من البنك الأهلي في عدن لشراء شحنة ديزل لإنقاذ العاصمة من الظلام، ولكن إجراءات تحويل المبلغ ستطول، فكان يريد أن يتدين من أحد لشراء الشحنة عاجلاً إلى حين استكمال صرف المبلغ الموجود في البنك الأهلي، وحينها أقسم يميناً بأنه طالما بقي محافظاً لن يجعل عدن تعيش في الظلام، فاتصل اللواء جعفر بالشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة لمساعدة عدن وأهلها، فوافق ولي عهد أبو ظبي على تقديم المبلغ لشراء شحنة الديزل، وكانت لديه نية حقيقية لتشجير مدينة عدن، لتعزيز المدنية، وتطبيع الحياة فيها، فتعود النفس إلى طبيعتها الطيبة.
لا ينسى الوكيل خالد زكريا أن الشهيد جعفر محمد كان يتصل به كل صباح الساعة السابعة و45 دقيقة ليسأله عن رواتب المتقاعدين المدنيين التي تبلغ ملياراً و350 مليون ريال كل شهر، وكان يقول لي: “إيش أخبار حبايبي أو الشيوبة حقي” يقصد المتقاعدين، وكنت أجيبه بأن رواتبهم موجودة، حيث كنا نقوم سوياً بتوفير 100 مليون ريال كل يوم لمدة 13 يوما كرواتب لهم على شكل دفعات”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى