تاريخ التعليم في عدن 1839م - 1967م.. مدرسة النهضة أول مدرسة نظامية أهلية في عدن أُسست عام 1948م (5-5)

> علي راوح

> كنا وعلى مدى أربع حلقات مضت قد تناولنا العديد من قضايا التعليم خلال الفترة (1839 – 1967م) معتمدين في ذلك على المعلومات والوثائق والوقائع التاريخية التي تضمنها كتاب الدكتور/ علي صلاح محمد الأرضي/ الأستاذ المحاضر في جامعة عدن والذي تناول فيه تاريخ التعليم في عدن (1839 – 1967) وفي هذه الحلقة الخامسة والأخيرة، نتناول ماتضمنه الباب السادس من الكتاب، والذي فضل فيه المؤلف دور المنظمات الاجتماعية والأهالي في النهضة العلمية والثقافية في عدن، مستعرضاً المواضيع الآتية: نشأة التعليم الخاص/ واقع التعليم الخاص في مستعمرة عدن، وأسباب تأسيس المدارس الأهلية في عدن، حيث تطرق بالتفصيل المدعوم بالمراجع والمعلومات الدقيقة، لتلك المدارس والمعاهد الأهلية.
*نشأة التعليم الخاص
للتعليم الخاص مكانة في كل المجتمعات، وهو تاريخياً أقدم من التعليم الرسمي، لأسباب كثيرة، والسبب الأساسي هو أن التعليم بدأ كتعليم ديني اهتمت به الأديرة في الغرب، ووجد موقعه في المسجد في العالم الإسلامي واستمر عدم الاهتمام الرسمي بالتعليم حتى أواخر القرن الثامن عشر وبروز الثورة الصناعية في أوروبا، وظهور الحاجة إلى كثير من العلوم الدينية والفلسفة بمفهومها القديم لمواجهة التقدم العلمي، وإذا كان روح القوميات والتفاخر بالمقدرات العلمية لكل بلد في هذه الفترة بدأت تدخل الدولة تدريجياً بعد مواجهتها لموجة عارمة من المعارضة الشديدة من الكنيسة، لكن وبعد هدوء هذه العارضة بدأت بريطانيا – وهي الدولة المعنية في هذه الدراسة – تفنن النظام التعليمي، حتى وصلت إلى اتفاق مع الكنيسة وبناءً على ذلك الاتفاق صنفت الدارس إلى مدارس حكومية تعتمد على الميزانية العامة وميزانية الأقاليم، ومدارس مستقلة تعتمد على ماتقدمه الجهات الراعية كالكنائس وبعض الأثرياء، ومدارس معاناة تتسلم مساعدات من ميزانية الدولة والأقاليم مقابل الالتزام بإشراف رسمي محدود، ومدارس غير معانة لا تقبل شروط الدولة وتدخلها. كما أن هناك تصنيفاً آخر للمدارس الخاصة يهتم بالجوانب الأكاديمية. وقد نقلت بريطانيا هذا التصنيف للمدارس الخاصة إلى مستعمراتها، وعدن كإحدى المستعمرات البريطانية طالها هذا التصنيف وأصبحت المدارس الخاصة ضمن السياسة العامة للتعليم.

*واقع التعليم الخاص في مستعمرة عدن
بدأ منذ السنوات الأولى للاستعمار البريطاني تأسيس مدارس خاصة في عدن، وانحصرت في الربع الأخير من القرن التاسع عشر على المدارس التبشيرية التي ارتبط تاريخها باستمرار بتاريخ الاستعمار، قد استقرت ثلاث بعثات تبشيرية في عدن هي: البعثة التابعة للفاتيكان والتي عرفت مدارسها بمدارس القديس جوزيف بصورة خاصة، ومدارس القديس أنتوني في منطقة التواهي، والبعثة الإرسالية الاسكتلندية، وتأسس في الشيخ عثان مجمع صحي وتعليمي عرف بـ (Falcner)تابع للإرسالية البروتستنتية، وهناك المدارس الخاصة بأبناء الجاليات.
وقد توسعت هذه المدارس وتنوعت حتى وصلت المرحلة الثانوية لأبناء الهندوس.. أما على النطاق الأهلي فقد ظلت المدارس الأساسية (المعلامات) هي الوحدة الأساسية للتعليم الخاص حتى الثلاثينيات حين بدأت السلطات البريطانية تدعم الجيدة منها وتحيلها إلى مدارس، تقول الأخت، نور حيدر سعيد إنها فتحت مدرسة أهلية مصغرة بعد أن تحصل والدها على إذن بذلك وشاركتها اختها لولة حيدر في التدريس، وكان المسئول في المعارف يقوم بزيارة المدرسة، ويمدني بكتب وألواح وأقلام، وفي آخر السنة يقوم بامتحان الطلبة ويقدم لي مائة ربية كمساعدة.. كما تحدث الأستاذ محمد اليابلي بأنه عندما تقدم بطلب المساعدة المالية من الحكومة البريطانية طلبوا منه الانتقال إلى حارة أخرى في الشيخ عثمان وذلك لوجود (معلامة) اخرى بجواره، فقام بالانتقال وتحصل على إعانة ومقدارها (200) ربية. وفي العام 1937م قامت الحكومة البريطانية ـ كما أسلفنا ـ بإرسال السيد (أتنبروا) إلى عدن لإعداد تقرير عن سير التربية والتعليم وخصص جزءاً من تقريره للمدارس الأهلية، وطالب الحكومة بتحمل مسئوليتها تجاه المدارس الأهلية، وقد كانت الانطلاقة الحقيقية للمدارس الأهلية النظامية عام 1948م حيث بدأ الأهالي في عدن يستشعرون الصحوة تجاه تعليم أبنائهم فبدؤوا يفكرون في تأسيس مدارس أهلية، وكانت هناك صعوبات لقبول أبناء المحميات وشمال الوطن ممن لا يحملون شهادات ميلاد في عدن، بينما يسمح لأبناء الجاليات بدخول مدارس الحكومة، ومن الصعوبات تحديد سن القبول والانتقال من مرحلة إلى أخرى، فضلاً عن امتحانات المنافسة ومحدودية المبنى المدرسي.
والمعروف أن بريطانيا أرادت أن يظل شعب عدن جاهلاً فلم تقم بإنشاء مدارس كافية، فنجد أنه خلال ما يقرب من نصف قرن للاحتلال لم يزد عدد المدارس عن أربع مدارس ابتداية، وبحسب تقرير لإدارة المعارف في عدن عام 1947م نجد أن نسبة الطلاب الملتحقين (6 %) من عدد السكان فقط، وهذه نسبة ضئيلة جداً.
*انتشار المدارس التبشيرية ومدارس الجاليات
شجعت بريطانيا على بناء المدارس التبشيرية ومدارس الجاليات، وكان نظام الإعانة عوناً لهم فانتشرت هذه المدارس، فكان أبناء عدن الذين ينهون دراستهم الابتدائية الحكومية لا يجدون خيارا سوى الالتحاق بهذه المدارس، وكان أولياً أمور الطلاب يترددون قبل إلحاق أبنائهم بالمدارس التبشيرية خوفاً من تأثير المبشرين على عقيدة أبنائهم الإسلامية، وحذر الكاتب أحمد محمد سعيد الأصنج من مغبة لجوء الطلاب إلى هذه المدارس، ونتيجة لهذا الوضع تحمس المواطنون لبناء مدارسهم الأهلية في مختلف أنحاء عدن.

*مدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية
بناها وأسسها الشيخ/ محمد عمر بازرعة عام 1912م وعين لها مديراً وهو الشيخ العالم (محمد الملكي) ثم تولى إدارتها الأستاذ محمد صبحي المعاز في الثلاثينات، وطور منها وركز على تدريس اللغة العربية واهتم بالجانب الديني، وفي عام 1954م تم تهديم المبنى القديم وإقامة المبنى الخاص (مدرسة بازرعة الموحدة) لتجاري التطور والأعداد المتزايدة من الطلاب الفقراء وشكلت لجان لمساعدة إدارة المدرسة ومن أبرز أعضائها الشيخ محمد عوض بن طاهر، والأستاذ محمد علي باشراحيل، وفي عام 1959م ضربت مدرسة بازرعة رقماً قياسياً بدخول أكثر من نصف طلابها إلى كلية عدن.
*مدرسة الفلاح الإسلامية العربية الهاشمية
تأسست هذه المدرسة عام 1936م، ومؤسسها هو السيد (حسين الدباغ) وقد ساهمت علاقته بالأسرة الحاكمة الهاشمية بالعراق في إرسال عشرة طلاب من عدن عام 1937م لإكمال دراستهم في العراق، يقول الأستاذ/ حسين سالم باصديق كانت مدرسة الفلاح من المدارس القليلة المشهورة والمعروفة بقوة تدريسها، بل كانت مع مدرسة بازرعة الوحيدتان في مواجهة مدارس الحكومة.
*المعهد التجاري العدني
يعتبر هذا المعهد من أبرز المعاهد التجارية الخاصة في عدن والجزيرة العربية، والذي أسسه ياسين راجمنار عام 1927م بجهود شخصية، وابتدأ المعهد بصف مسائي بعدد لا يتجاوز خمسة طلاب، ثم زاد العدد إلى (35) طالباً، فاستأجر مؤسسه عمارة في الخليج الأمامي (الرزميت) ثم استأجر أخرى بجانب الأولى وفتح قسماً للتعليم الثانوي العام بـ (50) طالباً، ثم ارتفع العدد إلى (150) ثم تم الحصول على أرض بجانب العمارتين السابقتين وبدأ البناء فيه وافتتاحه عام 1952م بحضور حاكم عدن السير (هيكينبوتم)، وفي عام 1953م افتتح مدرسة للبنات كما افتتح فروعاً للمعهد القسم التجاري في الشيخ عثمان والتواهي في الحوطة بلحج.
*المعهد العلمي الإسلامي (البيحاني)
ارتبط هذا المعهد بشخص العلامة (محمد بن سالم البيحاني) مؤسس المعهد، والذي بدأ بحملة تبرعات، حتى أنه ذهب إلى الخارج لجمع التبرعات وتم افتتاحة عام 1957م، بحضور حاكم عدن بالنيابة وكبار ضباط الدولة، وبدأ المعهد بتدريس المرحلتين الأساسيتين الابتدائية والمتوسطة، ثم تطورت لتبدأ بالدراسة الثانوية عام 1959م ، وصار للمعهد عدد من العمارات كوقف ثابت لصالح المعهد.
مدرسة الإنقاذ الإسلامية
هي مدرسة إسلامية أهلية صغيرة، تم تأسيسها في 13 / إبريل 1953م في شارع حسن الأدهل بعدن، ومؤسسها هو الأستاذ محمد عبدالهادي العجيل (رجل دين) فمن ضمن برامج الدراسة فيها تلقين تعاليم الدين الإسلامي وتدريس اللغة العربية والسيرة النبوية وتاريخ علماء المسلمين.
*معهد الضياء الإسلامي
أنشئ هذا المعهد في بناية ملحقة بمسجد الضياء في شعب العيدروس وافتتح عام 1962م بإشراف وإدارة الأستاذ/ أحمد عبدالرب جابر، وساعده في التدريس الأستاذ حمود بجاش، وتركزت الدراسة في المعهد على العلوم الشرعية واللغة العربية وآدابها ومبادئ الحساب.
مدرسة الشيخ عبدالله الخوربي
هذه مدرسة مختلطة ملحقة بمسجد الخوربي، في منطقة القطيع بعدن تغطي مستوى المرحلة الابتدائية (أربع سنوات) يجلس طلابها في نهاية العام للامتحان الحكومي العام الخاص بالمرحلة الابتدائية، وهي مدرسة معاناة.
وفي المعلا أسس صالح الخوربي وأدار مدرسة مصغرة، وأشار يوسف حسن السعيدي عن تأسيس هذه المدرسة في العشرينيات إلى أنه قد تلقى بها تعليمه الابتدائي قبل أن ينتقل إلى المدرسة الحكومية في عدن (المتحف العسكري) حالياً.
كما قام الأستاذ/ حسن بازرعة بإنشاء معهد تجاري في الخمسينيات في المعلا، وقد قام بتدريس المواد التجارية من مسك الدفاتر والحساب والطباعة، لكن المعهد أغلق بعد سنوات قليلة من افتتاحه.
*مدرسة الأخوة في التواهي
تأثرت مدينة التواهي كغيرها من مدن عدن بالشروط البريطانية المفروضة على دخول المدارس الحكومية، وخاصة على أبناء شمال الوطن والمحميات، لذا اجتمع بعض من أهل الخير وتدارسوا فكرة إنشاء مدرسة أهلية نظامية في التواهي، ومن أبرز هؤلاء الحاج حمزة محمد ناصر، ومحد سلام ناجي، وعبدالله وعلي غانم كليب، وعمر أحمد قاسم كوكني، وأحمد عبده حمزة، وعبده عبدالله سعدان، وقد فتحت المدرسة أبوابها في نادي الإخاء والتعاون في (1) إبريل 1949، وعندما كثر العدد انتقلت إلى بخاخير (مستودعات كبيرة) وعندما جمعت التبرعات الكافية تم بناؤها من ثلاثة أدوار وافتتحت رسمياً في أغسطس 1952م بعد أن تحولت إلى مدرسة أهلية معاناة، وبعد عشر سنوات استكمل بناء المرحلة الثانوية.
*المدارس الأهلية في ضاحية الشيخ عثمان
أول مدرسة نظامية أهلية هي مدرسة النهضة التي تأسست عام 1948م وبرزت الفكرة لمؤسسها الحاج عبده حسين الأدهل بعد نزوح القيادة الوطنية من شمال الوطن بعد فشل ثورة 1948م هناك، وكانت المدرسة في البداية عبارة عن بناية قديمة، وعين للمدرسة مجلس إدارة وكانت تعتمد على الاشتراكات والتبرعات، وتم بناء مبنى حديث لها كلفته (500 ألف شلن) ويتكون السلم التعليمي للمدرسة من المرحلة الابتدائية والمتوسطة. وصل عدد الطلاب عام 1959 إلى (300) طالب، وفي يوليو 1965م تم ضمها رسمياً إلى كلية بلقيس الأهلية المجاورة وتم تخصيصها للبنات فقط.
*كلية بلقيس
تعتبر كلية بلقيس من أهم المدارس الأهلية وأكثرها تنظيماً، كما امتازت بمبنى كبير تتوسطه ساحة واسعة، وقد برزت ومنذ نشأتها بقبول أعداد كبيرة من الطلاب والطالبات، وكانت بدايتها من ثمار خطاب ألقاه الشيخ أحمد محمد نعمان فقال قولته المشهورة (علموا أبناء اليمن) فكان لكلمته صدى واسع وقامت بنشرها الصحف المحلية، واندفع أبناء اليمن سياسيون وتجار ومقاولون لبناء صرح بلقيس، ومن أبرزهم: شمسان عون/ سلام علي ثابت/ محمد عثمان/ وهائل سعيد أنعم، وافتتحت في (16) أكتوبر 1961م وتم وضع أهداف رسالتها التعليمية، وفي نهاية العام الدراسي الأول 61/ 1962م قال مديرها حسين الحبيشي “إننا إذا ساعدنا المرأة على تثقيف نفسها فإنما نساعد أنفسنا، فويلٌ لرجل تولت أمر تنشئته أم جاهلة”، مشجعاً الآباء على تعليم بناتهم، استقبلت الكلية عند افتتاحها (1300) طالب وطالبة، وبلغ تسجيل الطلبة في العام التالي (1400) واستمر العدد بالتزايد فبلغ عام 1963 (1677) وضمت الكلية روضة للأطفال (140) طفلا، وفي العام الدراسي 65/ 1966م افتتحت القسم الثانوي، وأسهمت دولة الكويت في بناء ثلاث مختبرات ومكتبة وبناء طابقين، وقد اعتمدت الكلية على المناهج المصرية مع بعض التعديلات.
ثم مالبث أن حلت المساعدات العراقية محل المساعدات المصرية، فتحولت الكلية إلى المنهج العراقي، وفي عام 1974م تم إغلاق الكلية وتحويلها إلى مدرسة حكومية باسم (ثانوية بلقيس).
كما تطرق د/ علي صلاح إلى الدور الذي قام به (معهد الحصيني) منذ بداية نشاطه عام 1952م وإلى دور الأندية الثقافية والجمعيات الخيرية في الإسهام في نشر العلم والثقافة في أوساط المجتمع في مدينة عدن.
علي راوح

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى