دور اللغة العربية في نشأة اللغة الفرنسية

> بقلم/ المحقق د. محمد الحيدر أبادي - ترجمة من الأردوية/ د. هيفاء شاكري

> لم تكن اللغة اللاتينية رائجةً فقط في إيطاليا، إنما في إسبانيا وفرنسا أيضًا، وكانت تحتل مكانة اللغة العِلمية فيها.
وصل العربُ إلى هذه البلدان ومكَثوا فيها لمدة طويلة، فكان من اللازم أن يُضطرُوا إلى التحدث باللاتينية، ولم تبق هذه اللغة على حالها لدى هؤلاء الأجانب كما كانت لدى علماء الفرنجة، وإن حاول العربُ إفسادها، فكان هدفُهم هو تسهيلَها، ثم أدخَلوا بعض خصائص اللغة العربية على هذه اللاتينية الجديدة، وبقيَت هذه اللاتينية الخاطئةُ تَنمو وتتطور، وهكذا وُلدت اللغات الإسبانية والإيطالية والفرنسية.
لا يُهمني في هذا الموضع عددُ الكلمات العربية في اللغة الفرنسية؛ فلا تتغيَّر اللغة بأخذ كلماتٍ من لغة أخرى، بل تصبح الكلمات المستعارةُ تابعةً لقواعدِ وجوِّ اللغة التي دخَلت إليها، وهذا يَحدث دائمًا في اللغات الموجودة الحيَّة؛ فقد أرسل الروس قبلَ فترة قصيرة كرةً بدأت تدور حول الكرة الأرضية، وسمَّوها “إسبوتينك”، وفورًا دخلَت هذه الكلمة إلى كل لغات العالم، مثلما حدَث مع تليفون وعراموفون سابقًا.
وما يُهمني هي الكلماتُ التي تدخل إلى لغةٍ ما زالت في مرحلة التطور من لغة أخرى، ولأنَّ هذا البحث في بدايته؛ لذلك لا يمكن التوقع بوجود أمثلة كثيرة.
على كل حال، فالجميع يعرف أن اللاتينية لا تحتوي على علامة المعرفة، ولكنها توجد في فروعها الثلاثة: الفرنسية والإيطالية والإسبانية؛ في العربية توجد (ال) التعريف؛ (الإسلام)، وفي الإيطالية IL، وفي الإسبانية EL، وفي الفرنسية كما يلي:
إذا أدخَلنا أداة التعريف على اسمٍ يبدأ بحرف العلة مثلاً (ل) L’، وهذا موجودٌ في العربية أيضًا، فإذا سبَق (ال) التعريف حرفُ الباء فتسقط ألف (ال) التعريف، وتبقى اللام، فتُصبح كلمة (بالإسلام): (بِلْإسلام) في نُطقها، ولا ننطقها: (بِالإسلام).
إذا أدخلنا (ال) التعريف على كلمة تبدأ بحرف صحيح، فنُدخل LE في حالة المفرد المذكَّر، و LA في حالة المفرد المؤنث، وLES في حالة جمعِهما، (ولا توجد طريقة التعريف هذه في اللغة العربية).
إذا وجدت بمعنى (على) قبل أداة التعريف فتتحول A LE إلى AU بمعنى على ذلك الشيء، ويقابلها في العربية اللام الشمسيَّة والقمرية؛ فيختلف نُطق اللام عندما تدخل على حروف مختلفة، مثلاً: الإسلام تُنطق (ال إسلام)، والسلام تنطق (أسْ سَلام).
على كلٍّ فلم تكن علامةُ التعريف موجودةً في اللغة اللاتينية، ولكنها جاءت في فروعها؛ فـ (ال) العربية، و (EL) الإسبانية و (IL) الإيطالية و (L) الفرنسية لافتة للانتباه.
شيء آخر مهم؛ هو أن الفعل في اللاتينية يأتي في نهاية الجملة مثلَ الأرديَّة، وفي العربية يكون الفعلُ والفاعل في البداية ثم تأتي المفاعيل والمتعلَّقات الأخرى، ونجد في الفرنسية وغيرها من اللغات المتفرعة من اللاتينية القاعدةَ العربية، والاضطرارُ إلى تغيير الشيء الموروث يحتاج إلى مؤثِّر خارجي قوي.
أذكر هنا شيئًا آخَر: لا يوجد صوت (ج) في اللغة اللاتينية، وتستخدم (ي) مكانها، ولا فرق في الإيطالية، وتحولت في الفرنسية إلى (ژ)، وهي لهجة العربية في دول شمال إفريقيا، وكذلك الحال في لبنان، ولإظهار هذا الفرق أضيفت (î) إلى (I).
ونفس الشيء في الإسبانية، ولكنهم ينطقون (ج) (خ)، فـ(جبرالتر) هي (خبرالتر)، والواقع أن الـ (ج) لها نطق مختلف في القبائل المختلفة؛ ففي مصر تنطق (ج) (گ)، (گمال عبدالناصر)، وفي اليمن تتحول إلى (ي)، وفي الحجاز تبقى (ج)، وفي لبنان وشمال إفريقيا (ژ)، وفي شرق إفريقيا (خ).
وفي النهاية من المهم جدًّا أن نَذكر أن أقدم استخدام لأداة التعريف في اللغة الفرنسية وجد في Cantilene de Saint - Eulalie الذي أُلِّف في 880م تقريبًا، كما علم من الأكاديمية الفرنسية، وهو نفس زمن وجود المسلمين في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا.
في الوقت الذي كان المسلمون يَحكمون ليست إسبانيا فقط وإنما جنوب فرنسا وإيطاليا أيضًا، وكانوا يُسيطرون على مناطقَ من سويسرا في نفس الفترة. وكما يَعرف زملاؤنا الأفاضل من كتابات البروفيسور هارون خان الشيرواني، فبعد بحثٍ اكتشَفنا أن هناك لغةً محلية في سويسرا تسمَّى رومانش (Romansch)، وهي أيضًا فرع من اللاتينية، وفي هذه اللغة أيضًا تستعمل (IL) لجعل الكلمة معرفة، وبكلمات أخرى فإنَّ للعربية تأثيرًا في تشكيل لغة الرومانش أيضًا.
وتجدر الإشارة إلى أن عاميَّة شمال إفريقيا (المغرب، الجزائر، تونس) تَسقط فيها ألف (ال) التعريف، فيكتبون اسم عالم Larbi وأصله “العربي”، وكذلك Lahbabi ويراد به “الحبابي”، ويمكن ذِكر آلاف الأمثلة لذلك، وقد علم أن العرب الذين وصلوا إلى جنوب فرنسا في القرن الثاني والثالث الهجري، وأثَّروا على اللاتينية الرائجة هناك، كانوا يُسقطون ألف (ال) التعريف، ونتيجة لذلك عندما دخلت أداة التعريف إلى الفرنسية أصبحت (LE) أو (L)، ولم تصبح (IL) أو (EL) مثل الإسبانية والإيطالية والرومانش.
على كلٍّ فإن اللغات اللاتينية قد تأثرت بالعربية، وما أضيف إلى صرفها ونحوها من قواعدَ عربية، ظهرت فيها (ال) التعريف بشكل جلي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى