ضـاقــت

> ريم وليد

> الحياة حلوة ولكنّها أصبحت مُرّة لكثرة الدّين وهَمّ كلمة (تعال بعدين..)، ومطالبة الشعب حقوقه من حكومته ليس إلا ضمانا لعدم تحول النصر إلى هزيمة، «ضاقت يا حكومة».
كان هذا الشعار المتداول بين صفحات الفيس بوك يوم أمس، إذ مكثت أحلام منذ الثالثة عصرًا على حاسوبها الآلي كأحد حروف لوحة مفاتيحه، تقرأ حول هذا المنشور الذي أثار ضجة كبيرة على مواقع التواصل، وتتلقى الصور والفيديوهات الملتقطة للاشتباكات القائمة في بعض الشوارع والأحياء.
أحلام الفتاة الحالمة، الطموحة، التي تأمل بأن يعم الأمان والسلام بلدها، ومن تكن له الحب ذاته الذي يكنّه قلبها لخطيبها أحمد وأكثر.
إلى حكومة ضاقت وإلى من ضاقت بهم الحكومة، إلى الذي وسعه ضيق أيسر صدري وملأه به «أحمـد».. قريبا عندما سنرحل من هذه الدنيا، سنترك خلفنا طفلا لم يفطم بعد، ورسائل عالقة لم تصل، وفناجين قهوة لم يقرأ بها طالعنا.. قريبا عندما سنرحل من هذه الدنيا سنترك حلوى صنعناها بأيدينا، فبقيت في البراد من دون أن تؤكل، سيضيع عربون صالة أعراس وستلغى تواريخ مناسبات أفراح.. قريبا عندما سنرحل من هذه الدنيا، سيبدّل الثوب الأبيض المرصع بالكريستال بقماش أنصع منه بياضا، ويفوح منه رائحة الكافور، ستكون المرة الأخيرة لتجربة ربطة العنق ولن يكرر قياس بذلة العريس.. قريبا عندما سنرحل من هذه الدنيا، خوفا من راجع الرصاص لن يمشي خلف جنائزنا الكثير، سيتمنى الموت من يأس الحياة وسيصرخ العاشق أريد أن أعيش.. قريبا عندما سنرحل من هذه الدنيا، سنترك بينكم حبا صادقا شاء أن يلتقي عاشقاه في الدنيا، لكن الله كان قد كتب لهما الخلود في الجنة، فكونوا لذاك الحب كمن يسقي زرعة يحبها في بلدة تنبض حربا لا حبا.
عاودت النظر لتقرأ خاطرتها قبل أن تقوم بنشرها، ثم أطفأت جهاز حاسوبها المحمول بعد أن انسدلت خاطرتها على صفحة الفيس بوك، كمن تلقي وصياها قبل موتها، من غرفتها الهندسية التصميم، المربعة والمتسقة مع جدار مستطيل أصغر حجماً ثبت فيه سرير أنيق وكأنها غرفة منفصلة.
وانتقلت إلى هاتفها تتفقده، لكنها لم ترد على رسائل أحد سوى أحمد وأخذت تكتب له رسالة قبل أن يغلبها النوم وتغفو مهدودة بقرب حاسوبها.. (مساء الخير).
«انبثق ضوء هاتفي عدة مرات لكثرة رسائل الواتس أب هذا اليوم، وضبطته على الصامت ونسيت أمره، لذلك لم انتبه لاتصالك ولا لرسائلك أيضا.
اقرأ الخاطرة التي قمت بنشرها على صفحتي مساء.. هاتفني صباحا سأنام الآن، تصبح عليّ».
ثم عادت لتكمل له ما أرادت قوله قبل أن تلقي بهاتفها من يدها (آه تذكرت، سألني والدي إن كان من الأفضل لنا تأخير عقد قراننا، ما رأيك؟..
لم تكن الساعة قد تجاوزت النصف منذ استلام أحلام رسالة أحمد في العاشرة ليلًا، إلا أنها كانت غارقة في نومها كطفل أنهكه اللعب كثيرا، فارتمى نائما حيث هو.
«إلى جميلتي النائمة احذفي لأجلي خاطرتك هذه، دعيهم يأكلوا بعضهم، ولنعش أنا وطفلي بين كفيك بسلام.. أحبك مهما ضاقت.. فكوني للتفاؤل إماما».
ريم وليد

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى