النازحون في عدن.. الهروب من جحيم الحرب إلى أحضان ضنك العيش

> تقرير / صديق الطيار

> ألجأت الحرب في اليمن، والتي دخلت عامها الرابع، الكثير من الأسر في مناطق الصراع إلى ترك منازلهم ومناطقهم، والانتقال إلى مناطق آمنة بعد أن باتت المواجهات والقصف العشوائي يهدد حياتهم، وأوقفت أعمالهم وسبل عيشهم التي كانوا يقتاتون منها..
فجأة وجد أولئك الأهالي أنفسهم بين أمر واقع.. حرب ضارية، لا ترحم نيرانها أحدا، والموت يترصدهم في كل زاوية.. قصف من البر والبحر والجو، ورصاصات تطيش هنا وهناك..
وبعد أن رأوا أن شبح الموت يحوم حولهم وواقع بهم لا محالة في مناطقهم تلك التي صارت ساحة حرب بين الخصوم، ما كان منهم إلا النفاد بجلودهم والبحث عن مناطق يأمنون فيها على حياتهم.
فخرجوا مكرهين من أرضهم ومنازلهم بجلودهم وما يسترها من ملابس، فلم يمهلهم القصف والرصاص المتطاير في كل مكان لاصطحاب بعض أمتعتهم ومستلزمات العيش لاستخدامها في المناطق التي سينتقلون إليها.. تقاطرت تلك الأسر المتشردة أثناء هروبها، فكانت بعضها قد حددت وجهتها والمكان الذي ستأوي إليه، وأسر أخرى لا تدري إلى أين تتجه، فقط خرجت لتبتعد من خط النار بعد أن شممت رائحة الموت التي تملأ المكان، والذي لم يمهلها دقائق معدودة لتفكر بمكان تلجأ إليه يضمن لأفرادها البقاء على قيد الحياة، ويعصمها من الموت المحقق في مناطقهم المشتعلة بنيران الحرب.. متنقلة من مكان إلى آخر، ليستقر بها الحال أخيرا في مكان ربما لم يكن في حسبانها.
أم نازحة مع أطفالها
أم نازحة مع أطفالها

نزحت مئات الأسر من مدن وقرى محافظتي تعز والحديدة مكرهين، هربا من سعير الحرب المستعرة، وتوزعوا بين المناطق الآمنة، والكثير منها توجت نحو المحافظات الجنوبية، وآثرت أغلب الأسر النازحة أن تحط رحالها في عدن، بحكم كونها باتت مركز البلاد والعاصمة المؤقتة لها، والتي تعتقد تلك الأسر النازحة أنها فيها ستلقى اهتماما كبيرا من قبل المنظمات والجمعيات والمؤسسات الإغاثية، وكذا من قبل الحكومة الشرعية الموجودة فيها..
*بداية المعاناة
لتبدأ من عدن رحلة المعاناة الحقيقية لتلك الأسر المستضعفة، وتبتدئ فصول من المآسي الإنسانية، في ظل غياب دور الجهات الحكومية تجاههم، بتوفير المواد الإيوائية والغذائية والدوائية لهم ومستلزمات العيش في موطن نزوحهم الاضطراري.. فقد تجاهلتهم الحكومة الشرعية المتواجدة وتنصلت عن مسؤوليتها تجاههم، تاركة إياهم في العراء يتضورون جوعا، ويتخبطون يمنة ويسرة باحثين عن كسرة خبز تسد رمقهم ورمق أطفالهم، وتطفئ لهيب بطونهم الخاوية.
نست الحكومة أو تناست أولئك المستضعفين الذين ما كانوا ليخرجوا من ديارهم التي كانوا فيها مستوري الحال يقتاتون مما تجود به مصادر العيش في مناطقهم، لولا تلك الحرب اللعينة التي تدور رحاها منذ أكثر من ثلاثة أعوام، مخلفةً دمارا شاملا على المستويات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، والتي طالت آثارها شتى مناحي الحياة في البلد الفقير، والذي يعاني أغلب أهله فاقة وعوزا وحرمانا من أبسط مقومات الحياة.
لا جديد حول بوادر سلام لإيقاف نزيف الدم اليمني، لتدخل الحرب اليمنية عامها الرابع، ومعها تدخل فصول أخرى ومراحل جديدة من معاناة المواطن اليمني، والتي زادت هذه الحرب من تفاقمها، لتتنوع على إثرها قصص وحكايا مآسي الأسر اليمنية وخاصة تلك التي شردتها الحرب من مواطنها وانتشرت في أرجاء ما يعرف بـ"المناطق المحررة"، والتي وجدت فيها أماناً من الموت بنيران القصف والرصاص، لكنها لم تجد فيها الأمان من الموت جوعا.
صور لأطفال نازحين
صور لأطفال نازحين

فالنازحون الموجودون في العاصمة المؤقتة عدن، والتي تحررت من قبضة المليشيات الانقلابية في يوليو 2015، منهكون ماديا ونفسيا ويعانون ظروفا معيشية صعبة، ومأساة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. فقد غضت الجهات الحكومية الطرف عنهم ولم تقم بواجبها الإغاثي تجاههم، حيث لم تقدم لهم ما يلزم من مواد إيوائية أو غذائية، وكل ما يعينهم على مجاراة الحياة..
وبالمقابل الكثير من المنظمات والمؤسسات والهيئات الإنسانية والإغاثية، الدولية منها والمحلية، المشتغلة في الجانب الإغاثي والإنساني، لم تقدم ما يكفي لتلك الأسر النازحة من المواد الغذائية والإيوائية، إلى جانب أن آلية عملهم الإغاثي شابها الكثير من العشوائية والتخبط، مما نتج عن ذلك حرمان الكثير من الأسر النازحة من المواد الغذائية والإغاثية..
*النازحون في أحضان عدن
هنا في عدن قصص وحكايات عن مآسي ومعاناة الكثير من الأسر النازحة من تعز ومناطق الساحل الغربي، والتي تمر بظروف معيشية غاية في الصعوبة وتفتقر إلى أبسط مقومات العيش الكريم..
أسر عزيزة وعفيفة تمر عليها أيام وليال وأسابيع وربما أشهر لا تجد فيها القوت الضروري.. أسر ضعيفة مستضعفة منكفئة على نفسها ربما يبات أفرادها طاوين، لا يسألون الناس إلحافا..
يقول أحد النازحين من محافظة تعز، من مديرية موزع، ويدعى "ز. م. ع" ( 46 عاما): "نزحت أنا وأسرتي المكونة من أربعة أفراد إلى عدن بعد تحرير عدن مباشرة، وكنا نظن أننا سنجد المأوى والمواد الغذائية والإغاثة التي ستوفرها لنا الحكومة هنا في عدن، لكن كان عكس ما توقعنا، فقد تجاهلتنا الحكومة وتركتنا نواجه مصيرنا بأنفسنا، حيث نعاني ظروفا معيشية صعبة ونفتقر إلى أبسط الضروريات اليومية، وأحيانا لا نجد قوت يومنا".

وتابع: “ما بين فترة وأخرى نتحصل على بعض المواد الغذائية من بعض المنظمات والمؤسسات الإغاثية لكن ذلك ليس بشكل منتظم، فبعد الأربعة إلى الخمسة أشهر تطل علينا جهة داعمة وتعطينا سلة غذائية لا تستغرق معنا عشرة أيام"..
وأضاف: "أسكن هنا في بيت إيجار بـ 25 ألف ريال في مدينة الحسوة، لأن الحكومة الشرعية لم توفر لنا مأوى.. وأعمل بالأجر اليومي في إحدى ورش الحديد في منطقة الدرين، لأوفر لأفراد أسرتي قيمة الوجبات اليومية ولأتمكن من توفير مبلغ إيجار البيت الذي أسكنه"..
واستطرد بالقول “حقيقة حياتنا هنا صعبة للغاية وظروفنا قاسية، قد كنا في ديارنا في مديرية موزع مستوري الحال، حيث كنت أعيش على ما تجود به مزرعتي من محاصيل زراعية، ولكن بلغني أن بيتي هناك طاله القصف وتهدف بالكامل والمزرعة انتهت تماما، فالمليشيات الحوثية مازالت تسيطر على المنطقة والتي جعلتها عرضة وهدفا لقصف الطيران.. حتى ولو تم تحرير موزع من الحوثيين كيف لي العودة إليها ومنزلي قد تدمر ومزرعتي احترقت".
اضطر أفراد الأسر النازحة في عدن إلى البحث عن فرص عمل في المدينة لكسب قيمة القوت الضروري، في ظل مواد ومؤن إغاثية يسيرة توفرها كل عدة أشهر المنظمات والمؤسسات العاملة في عدن في المجال الإغاثي.
*الهروب من الموت الى الموت
اضطر أفراد الأسر النازحة في عدن إلى البحث عن فرص عمل في المدينة لكسب قيمة القوت الضروري، في ظل مواد ومؤن إغاثية يسيرة توفرها كل عدة أشهر المنظمات والمؤسسات العاملة في عدن في المجال الإغاثي..
حتى أطفال تلك الأسر شاركوا أهاليهم فصول البحث عن لقمة العيش، حيث وجدنا أطفالا ذكورا وإناثا، لا تتجاوز أعمارهم الاثني عشر عاما على جوانب شوارع وطرق المدينة وعند الجولات يبيعون المياه والمناديل الورقية والآيسكريم وغيرها، لمساعدة أهاليهم في محنتهم التي فرضتها الحرب الوحشية، وتجاهل الجهات الرسمية لمعاناتهم والظروف الإنسانية التي يمرون بها هنا في عدن..
الطفل خالد (12 عاما) وجدناه واقفا عند أحد المطبات في أحد شوارع مدينة المنصورة ويحمل بيديه قنينة ماء (2 لتر) ويعرضها للبيع على سائق وراكبي السيارات التي تتوقف عند ذلك المطب.. فسألناه عن سبب وقوفه هذا الساعات الطويلة للبيع فأخبرنا أنهم نازحون هنا من محافظة الحديدة منذ عامين، وأن أباه معاق لا يقوى على العمل، والذي أصيب برصاصة في إحدى قدميه حينما اجتاحت المليشيات الحوثية محافظة الحديدة، وقال: “نحن هنا نعيش في بيت إيجار وأبي لا يقوى على العمل بسبب إعاقته، فاضطررت أنا وأخي للخروج للعمل لتوفير قيمة الطعان والإيجار، فأخي يعمل على دراجته النارية وأنا أبيع الماء البارد”.
وأضاف خالد: "أبي كان في الحديدة يعمل في البحر صيادا أما الآن فلا يستطيع الخروج والعمل بعد أن أصبح عاجزا عن الحركة بسبب الإصابة".
وهناك الكثير من الأمثلة على المآسي التي يمر بها أغلب النازحين في عدن، ولمن أراد التعرف عليها فليفتش عنها في بيوتات النازحين في مدن وحارات عدن..
وعبر «الأيام» يطلق النازحون نداء استغاثة لانتشالهم من وضعهم الإنساني الصعب الذي يمرون به، ويناشدون رئيس الجمهورية والحكومة الشرعية والجهات الإنسانية الداعمة بالنظر إليهم بعين الرأفة والرحمة وتوفير ما يلزمهم ويعينهم مجاراة الحياة.
تقرير / صديق الطيار

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى