واقع مآساوي حفز شبابا من عدن لخدمة المعاقين فاقدي الأطراف عدن.. صناعة أطراف بتقنيات ثلاثية الأبعاد تحظى باهتمام دولي

> رصد/ رعد الريمي

> لم ترحم آلة الحرب العسكرية الإجرامية الإنسان في المحافظات الجنوبية، فكيف لها أن ترحم أطرافهم، حيث برزت ظاهرة فاقدي الأطراف والمعاقين بشكل ملاحظ كإحدى النتائج المأساوية للحرب الغاشمة سواء أكانوا رجالا أم نساء أوأطفالا.
‎المشاهد المأساوية زاد من صعوبتها انعدام الإمكانيات وتردي الواقع الصحي بالمدينة وهم يبحثون عن أطراف صناعية، ما ضاعف من آلامهم وأوجاعهم رغم مرور أكثر من ثلاثة أعوام على تحرير المدينة وعودة الحياة إليها.
*‎الحاجة تولد الإبداع
‎الواقع الصعب الذي خلفته الحرب وخاصة بعد أن أصبح لدينا أكثر من (3000) معاق من فاقدي الأطراف في عدن ولحج وأبين، ما جعل الطلب على الأطراف الاصطناعية في عدن يواجه ضغطا كبيرا لتلبية الطلبات المتزايدة على الأطراف البديلة جراء الحرب المستمرة.
‎وأمام هذا الطلب المتزايد من قبل فاقدي الأطراف بادر ثلة من شباب عدن تحت مسمى «تمكين عدن» Enabling Aden لأخذ زمام المبادرة، والتي تعتبر جزءا من شبكة تمكين المستقبل العالمية enabling the Future، للإسهام في تغيير هذا الحال الصعب من خلال العمل على تصميم وتصنيع يد مصممة بطابعة ثلاثية الأبعاد لعدد من فاقدي الأطراف في عدن طوعيا.

*‎فكرة تمكين عدن
‎لم تضع الحرب أوزارها بعد، كما أن الأمل لم يفقد بعد، حيث مازال هناك ثلة كبيرة من شباب عدن يعملون على غرس الأمل في كل مكان، فاستطاع فريق (تمكين عدن - Enabling Aden) أن يقدم نفسه كمبادرة رائدة في العمل الإنساني ومساعدة الكثير ممن أفقدتهم الحرب أطرافهم، حيث عمل فريق المبادرة على صناعة أطراف صناعية عبر طابعة ثلاثية الأبعاد أثبتت فعاليتها مع الكثير ممن جربت عليهم، ومن خلال هذا التقرير سنتعرف على طبيعة الفكرة والتحديات التي واجهت الفريق.
*‎معاق حرب
‎ومن إحدى قرى محافظة لحج يقول المستفيد من المبادرة أحمد سالم (15 عاما) الفاقد لجزء من جسده «ذراعه» بسبب مخلفات الحرب: «قبل سنتين كنت مع أخي الصغير وبعض أصدقائه نقوم بتفقد وجمع بعض المخلفات الحربية في محاذاة قريتنا فانفجر بنا أحد الألغام».

‎وأضاف: «ونتيجة لذلك فقدت يدي اليمنى وتناثرت الشظايا في باقي جسدي لأخضع بعدها لعدد من العمليات الجراحية والتي نتج عنها استئصال جزء من أمعائي».
‎فيما يقول المستفيد الثاني من المبادرة، الجريح موسى محمد: «أصبت خلال الحرب الأخيرة بسبب بقايا الحرب المتفجرة بفقدان يدي اليسرى، والتي حزنت على فقدانها كثيراً».
*‎مئات من حالات البتر
‎تركت لنا الحرب قصصا ومآسي لا تنتهي، طرقت بحزن باب كل بيت وفاقمت آلام الناس وجراحهم، خصوصا الذين فقدوا أطرافهم بسببها، غير أن هناك من التفت إلى معاناتهم سريعا، فدرسوا حجم المشكلة وحددوا لحلها أهدافا بعيدة يبدو بعدها مرحلة جديدة ونقلة نوعية في تركيب أطراف اصطناعية باستخدام طابعات ذات تقنية عالية.
‎من جهته يقول أحد أعضاء مبادرة «تمكين عدن»: «مرت سنوات صعبة على البلد، الجميع شاهدها، خصوصا الحرب الأخيرة، والتي آثارها مازالت مستمرة حتى اليوم، كل تلك السنوات أنهكت القطاع الصحي.. كتجربة شخصية صحية كطبيب كنت متطوعا في عدد من المستشفيات الجراحية خلال الحرب، شاهدت المئات من حالات بترت أجزاؤها العلوية أو السفلية، ولذالك تحمست جداً للعمل و المساهمة في هذه المبادرة».
*‎فكرتنا لخدمة بلدنا
‎وحول مبادرة فريق تمكين عدن يقول أحد أعضائها: «نحن مجموعة شباب من عدن خريجون جامعات مختلفة وتخصصات مختلفة، درسنا هذه الفكرة وكنا مبادرين فيها، وأحببنا أن نتطور فيها ونخدم بلدنا عن طريق الأطراف الصناعية».
‎ويقول عضو آخر في الفريق: «الفكرة عبارة عن توفير طرف صناعي أو إنتاج طرف صناعي متحرك ذي فائدة وذي وظيفة ليست معينة لأن الشخص الذي سيستلم الطرف هو الشخص الذي سيتحكم وسيعرف مدى قدرتها».

‎وأضاف: «وبرغم صعوبة الإمكانيات وشحة الموارد وما تعانيه مراكز الأطراف الصناعية من ضغط فقد ظلت فكرة إنتاج أطراف اصطناعية باستخدام طابعات ثلاثية الأبعاد تراود مخيلتنا طويلا، فغياب هذه الطابعات والمواد الخام المستخدمة شكل عائقا كبيرا لنا مع ما عانيناه من نقص في جانب الإمكانيات والخبرة».
‎واستعرض أحد أعضاء الفريق الصعوبات التي واجهتهم بقوله: «واجهتنا عدة صعوبات في هذا المشروع، أولا مشكلة انقطاعات الكهرباء، ثانيا الطابعة والتي كانت تحتاج بعض المعايرة حتى نستطيع الوصول للمنتج النهائي والأقرب للكمال، وبعدها واجهنا صعوبات في التصميم لتوليفة على المكائن والطابعات التي نمتلكها، وتجاوزنا تلك الأخطاء، وحاليا الخطأ معدوم في العمل الحالي، ولله الحمد والشكر».
*الفكرة بادرة أمل
‎ساعدت هذه الفكرة عددا كبيرا من الأشخاص ممن فقدوا الأمل بعودة أطرافهم، حيث دبت روح الأمل في أجسادهم من جديد.
يقول أحد المستفيدين: «الأطراف الصناعية أفادتني بأشياء كثيرة، حيث أستطيع من خلالها الإمساك بأشياء تحتاج إلى يدين، مثلاً أمسك بها قارورة الماء، وعوضتني بعض الشيء عن يدي التي فقدتها».
‎وحول الفكرة والمبادرة يقول أحد أعضاء المبادرة: «ماتزال فكرة إنتاج أطراف اصطناعية باستخدام الطابعات الثلاثية الأبعاد في بدايتها الأولى، ومازال أعضاء الفريق تنقصهم الإمكانيات ويتطلعون للارتقاء ليصلوا إلى أطراف ذات استخدامات وفوائد متعددة، لينشروا الأمل في أرواح افقدي الأطراف». ويضيف: «طبعا أكبر عائق يواجهنا حاليا هو موضوع الدعم لأن الفريق قائم بشكل ذاتي، ونطمح أيضا إلى أن نصل إلى تحضير التقنيات الحديثة، بحيث أننا نستخدم تقنية المايوالكتريك التي تستخدم حساسات للعضلات وللأعصاب تسمح بحركة الطرف بشكل أجمل وأفضل وباستجابة أسرع وأقوى وبوظيفة أفضل».

*‎تكريم دولي
‎المبادرة التي أطلقها شباب عدن جعلتهم يتميزون دوليا، خاصة أن غرضهم كان محور الإنسان، حيث حصلت مبادرة «تمكين عدن» على المركز الثاني في مسابقة جائزة مركز العمل الإنساني للشباب العربي لعام 2017م والتي أطلقتها دولة الكويت ضمن فعاليات “الكويت عاصمة الشباب العربي».
‎وأعلنت هيئة التحكيم بالهيئة العامة للشباب الكويتية عن فوز أبناء اليمن بالجائزة الثانية، وهم أعضاء المبادرة: عدي عبدالله القاضي، وعبدالله باعبيد، ومحمد كمال باعبيد، عن مشروعهم «تمكين عدن».
‎وشارك في المسابقة منذ انطلاقها في العام 2017 أكثر من 160 شابا وشابة من جميع الدول العربية، واختارت لجنة المسابقة من بينها 10 مشاريع كان نصيب اليمن منها عدد 4 مشاريع شبابية.
‎واعتبر سفير اليمن في الكويت على منصور بن سفاع الشباب الفائزين بهذا الانجاز وتغلبهم على كافة التحديات وقهر المستحيل للوصول إلى المراكز المتقدمة في المسابقات العربية، رغم الظروف الصعبة التي يعيشها الشباب اليمني جراء الأوضاع التي تعيشها البلاد.
رصد/ رعد الريمي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى