قصة ألم تكشف مدى المتاجرة وغياب الضمير.. رندا حسن.. ضحية ألغام الحوثي وإهمال المستشفيات الخاصة بتعز

> تقرير/ صلاح الجندي

>  رندا حسن، ربة بيت، واحدة من ضحايا اجتياح قوات الحوثي الانقلابية لقرية القوز بمديرية جبل حبشي، غرب محافظة تعز، قبل أشهر.
وقرية القوز هي آخر قرية من قرى منطقة الرحبة بالمديرية وتُشكل شريان الحياة لعدد كبير من سكان المناطق الجبلية الذين اتخذوا منها طريقًا رئيسيًا للوصول إلى مدينة تعز بعد حصار الانقلابيين للمحافظة لِما يزيد عن ثلاث سنين.
وتسبب الحصار الذي فرضه الانقلابيون عليها بنزوح نحو 297 أسرة من القرى المجاورة فيما تشرد من قرية القوز وحدها قرابة 86 أسرة.

ولجأ سكانها عقب هزيمة الحوثيين إلى نزع كميات كبيرة من الألغام المزروعة، بعد أن رفضت قيادة جبهة الأشروح التابعة للواء 17 السماح للفرق الهندسية التابعة لها من نزع الألغام.
وتمكن الأهالي من استخراج الكثير منها، غير أن السيول دفنت بعضها بين منازل المنطقة، الأمر الذي بات يهدد سلامة ساكنيها.

المواطنة رندا حسن لم يُمكنها الوضع المادي الصعب لأسرتها الفقيرة بعد النزوح من الحصول على بيت للإيجار، جراء اجتياح الحوثيين للقرية، لتستقبلهم إحدى الأسر في قرية معزولة بجوار منطقتهم.
وما إن اندحروا من القوز، سرعان ما عادت رندا وهي ربة بيت وأم لطفلين إلى جانب أسرتين أخيرتين.

لم يكن في حسبانها أن عودتها ستقودها إلى نهاية مأساوية، فما إن وصلت منزلها حتى أخذت دبة ماء وذهبت إلى جوار منزلها بغرض تعبئتها من الخزان بمعية طفليها رفيق وسميرة توفيق مقبل، وبينما هي ماشية أنفجر بها وطفليها لغم أرضي كان قد زرعه الانقلابيون في وقت سابق.
وجرى إسعافهم في وقته من قِبل بعض شباب القرية إلى مستشفى البريهي داخل المدينة.

وعلى الفور قرر الدكاترة بتر قدمها اليسرى، فيما بقيت شظية في فخذها الأيمن، وبعد أسبوع من بتر الرجل، أخرج الأطباء الشظية، غير أنهم لم يقوموا بتصفية الجرح وتعقيمه، وهو ما أدى إلى تسمم مكان الشظية نتيجة الإهمال، حينها قرر الأطباء بتر رجلها الأخرى دون عمل أي حلول للتسمم بمكان الجرح.

فيما أُصيب طفليها رفيق وسميرة بشظايا في الوجه وأجزاء كبيرة بالجسد.
يقول أحد المرافقين لـ“رندا”: “بعد أسبوعين من الرقود في المستشفى ونتيجة للإهمال وغياب المتابعة لحالة الجريحة من عمل فحوصات وإعطاء الأدوية أُصيبت ببكتيريا خطيرة في هذا المستشفى الذي يتقاضى أربعة آلاف دولار عن كل حالة يستقبلها.. إنه مستشفى لا يهمه سوى الدخل مقابل الموت الذي يوزعه على نزلائه”.

ويضيف الصحفي هايل سعيد، والذي كان يرافق رندا في حديثه لـ«الأيام»: “طلبنا منهم تصفية الجرح، ولكنهم واجهونا بأعذار ومبررات كاذبة ومتعددة، منها أن التسمم تسبب لها بموت للأنسجة، أو بأن الشظية مزّقت الأوعية الدموية والشرايين وتحتاج إلى بتر، وفي الأخير أكدت لنا الفحوصات بأنها تُعاني من التسمم فقط أما الأوعية الدموية والشرايين فسليمة".

ويتابع: “بعد أن تدهورت حالتها ضغطت إدارة المستشفى على المرافقين بالتوقيع على عمليتين في آن واحد، وأحدة للبتر والأخرى لتصفية جرح مكان الشظية، وكانت الإدارة تصر على أن تجعلها في إعاقة دائمة، وهو ما رفضناه بشدة وأخبرناهم أننا سنوقع على التصفية، وإذا ما نجحت نوقع على العملية الأخرى".
وأوضح هائل لـ“الأيام” أن “د. مأمون، وهو المستلم للحالة مع إدارة المستشفى، رفض ذلك؛ كونهم يستلمون أربعة آلاف دولار عن كل عملية بتر من مركز الملك سلمان، قبل أن يضطر بنقلها إلى مستشفى عدن الألماني، تمهيدًا لتسفيرها العاجل لمصر لتلافي بتر رجلها الأخرى”.

ويتابع بالقول: “زرت المستشفى لاستخراج تقرير للجريحة بعد أن تم نقلها إلى مستشفى عدن الألماني، طلبنا من إدارته تقارير توضح الإجراءات التي تمت أثناء معالجة رندا، لكن المستشفى رفض إعطائي أي تقرير”.
وتزايدت الشكاوى من جرحى تعز من المعاملة المتبعة من قبل إدارة المشفى بحقهم.

وطالبوا خلال الشكاوى المرفوعة إلى مدير مكتب الصحة بتعز، ووكيل المحافظة لشؤون الصحة إغلاق ما اسموه بـ"دكان البريهي"، نتيجة لتزايد عمليات البتر للجرحى بغرض المتاجرة والربح، في الوقت الذي تكون فيه أطرافهم سليمة ولا تستدعي البتر، حسب قولهم.
وقال الجريح رمزي الشارحي، في منشور له بصفحته في “الفيس بوك” باسم الجرحى: “لن نسكت حتى يتم إغلاق دكان البريهي أو على الأقل يلغى عقد التعامل معه، وهذه دعوة إنسانية للصحفيين والناشطين والعاملين في الحقل الطبي، نطلب منكم التعاون معنا وتوصيل أصواتنا لمن يهمه الأمر”.

وأضاف: “جِراحنا ليست للمتاجرة، وأطرافنا ليست حلوى للسكاكين”، مُديناً في الوقت ذاته “ما تعرضت له “رندا” من إهمال وعدم تعقيم والذي تسبب ببتر قدمها الأخرى”.
وقال في منشوره واصفاً ما يجرى لـ“رندا”: “أشعر بقهر وانكسار وخذلان، كم علينا من الضرائب يجب أن ندفعها، لا أحد يشعر بحجم هذا الخذلان سوى رندا لوحدها، حاولنا التواصل مع المسؤولين عن ملف علاج جرحى الحرب التابع لمركز الملك سلمان، وربما هذه المرة سيقتنعون بأنفسهم أن مستشفى البريهي لا يقدم للمرضى سوى خدمة الموت وبتر الأطراف، لكن للأسف لا أحد يرد”.

لفتة إنسانية
من جهته قال الجريح رامز: “ غاب الجميع ولم نجد إلا  الدكتورة إيلان، وكيل المحافظة لشؤون الجرحى، وحدها تفهمت وتألمت لِما يحدث لرندا ووجهت بنقلها إلى القاهرة وبأقصى سرعة، برغم أن ملف الجرحى التابع لمركز الملك سلمان مستقل عن ملف الجرحى الذي تديره الدكتورة إيلان، ولديهم لجنة خاصة يديرها د. مصطفى عبدالجبار، وهذا الأخير يعمل على تلميع المستشفيات الخاصة لدى الداعمين بهدف الحصول على نسبة يتقاضونها بعد كل جرح ينزف في هذا الوطن”.

 لم يكتب لـ“رندا” السفر ولم يكتب لها بقاء إحدى قدميها، بل إن الاهمال الذي تجرعته من الدكاترة في المشفى جعلها تفارق الحياة، لتترك خلفها طفليها يعانيان وجع الجراح وألم اليُتم بعد رحيلها.
ويبقى الأمر بيد مركز الملك سلمان للإغاثة، كونه الوحيد القادر على إلغاء عقوده مع هذه المستشفى واستبداله بآخر قادر على خدمة المريض بعيدا عن الكسب المادي، كما يقول الجرحى.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى