خفايا نبش قبر القبيلة في عدن

> د. مروان هائل عبدالمولى

>
لا أعتقد بوجود شخص عاقل بالغ في الجنوب لا يعرف ضخامة الحملات والضريبة والدماء والأرواح التي دفعها الجنوبيون للتخلص من مفهوم القبيلة في فترة ما بعد الاستقلال في 1967، وما رافق تلك الحملات من ضحايا اختفاء قسري وتصفيات وسجن واختلال طبقي وسياسي واجتماع، ورغم التضحيات والقضاء على مفهوم القبيلة في تلك الفترة، إلا أن بعض القيادات الجنوبية استبدلت حينها مفهوم القبيلة بنظام سياسي جنوبي من طراز جديد محشور بين ثلاثية الاشتراكية والمناطقية، وخليط من المناطقية والقبلية المغلفة بشعارات ماركسية، جرت هذه الثلاثية السوداء الجنوب وشعبه إلى صراعات وانقلابات دموية، كانت عدن ساحة ومنطلق رئيسي للفصل بين تلك الصراعات المتخلفة، التي دمرت البنى التحتية القليلة في المدينة وأخلت بترابط نسيجها الاجتماعي، وأضعفت النظام السياسي وسمعته وتأثيره على الساحة الدولية.

اليوم في الجنوب، هناك بعض القوى السياسية ورجال المال المتحالفين مع رجالات القبيلة والسلاح والدمار في الشمال لازالوا يحملون النية السيئة، ويحاولون إعادة الجنوب وشعبه إلى باب اليمن من مربع القبيلة ومن منظور ومفهوم عفاشي أحمري حوثي قبلي متخلف. وتجد هذه القوى تستغل الوضع الصعب في الجنوب وخاصة في عدن لتبرز أنيابها الدراكولية عبر ممارسات وسلوكيات تتعارض مع ثقافة وشكل العلاقة المجتمعية الجنوبية  من أجل العودة به إلى مربع الأزمات السياسية والاجتماعية وإغراقه في مستنقع التجاذبات القبلية والمناطقية، التي عادةً تنتهي بصراع مسلح ساحته عدن وأهلها وبنيتها التحتية المتهالكة أصلا.. وآخر تلك السلوكيات التي تتعارض مع مفهوم مدنية الجنوب وتحمل النية السيئة هو إشهار حلف قبائل الجنوب.. وأين؟ في عدن، والقصد من هذا الإشهار وفي هذا التوقيت وفي عدن المدنية هو اللعب على وتر التجاذبات السياسية والتصريحات العسكرية القوية، التي اطلقت مؤخرا، وبدايتها كانت من تصريح قائد اللواء الأول دعم وإسناد في الحزام الأمني منير اليافعي المعروف بأبو اليمامة، وتعهد من خلاله بالسيطرة على عدن وطرد الشرعية خلال أيام، ليأتيه الرد المبطن بالرد من العقيد قاسم الجوهري قائد كتائب سلمان الحزم في تصريح صحفي حين قال: ليس لنا خيار سوى شرعية فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي، لحقه في الرد المبطن أيضا تصريحات قائد قوات مكافحة الإرهاب يسران المقطري حين قال: نحن قوات عسكرية لا نتحرك إلا بأوامر فخامة الرئيس. وتناسوا جميعهم أن هناك قوى سياسية خبيثة لازالت تتربص بالجنوب وتحلم بالعودة إليه والسيطرة عليه عبر بوابة الفتن بين الجنوبيين أنفسهم للعودة بهم إلى باب اليمن من بوابة (القبيلة) التي ازدهرت في الشمال ودمرت أي إطلالة أو محاولة لإقامة نظام سياسي مدني، وحرمت الخروج عن نهج القبيلة وشيخها المدمر، وهو النظام الذي أدخل الجنوب وعدن بعد الوحدة في ظلام دامس امتد من بعد حرب 1994 وآثاره واضحة ولازالت حتى يومنا.

للأسف أبواب عقول البعض دائما مغلقة، ولا تنفتح حتى على ذاتها أو حتى بعد سقوط الفأس على رأسها، ولهذا أحب أن أذكر فقط إن في عام 1962 تم تغيير اسم الاتحاد إلى اتحاد الجنوب العربي وذلك من اجل دمج عدن في الاتحاد الجديد، وأثارت هذه الخطوة غضبا شديدا لسكان عدن ومعارضة أشد من القوى الوطنية العدنية، ولكن في النهاية تمت موافقة المجلس التشريعي العدني على الدمج في 24 سبتمبر 1962 وسط احتجاجات ومظاهرات صاخبة وكبيرة خارج المجلس كان الهدف منها محاولة منع التصويت على الدمج، ولكن استطاعت بريطانيا الحصول على موافقة المجلس التشريعي قبل ثورة 26 سبتمبر 1962 بيومين فقط. وفي 18 يناير 1963 انضمت مستعمرة عدن إلى الاتحاد ليتشكل بعد ذلك اتحاد الجنوب العربي، ولو لم تتم إجراءات الموافقة لما تمكنت بريطانيا من دمج عدن في الاتحاد الجديد، وحينها في حال نجاح القوى الوطنية من منع تصويت دمج عدن كانت هذه القوى ستعلن عن قيام دولة مستقلة، وكان الوضع اليوم في عدن مختلفا والمدينة تنافس أعتى مدن العالم من حيث التطور والاقتصاد والعلوم وأهلها منشغلون بالبحوث والدراسات الحديثة.

أشهروا وأسسوا ما تريدون في عدن، ولكن وفق متطلبات العصر والإنسانية والأخلاق والمجتمع، ابعدوا عدن عن الأحقاد والتخلف والعنف، فهذه المدينة منذ الاستقلال وحتى يومنا قد تحولت إلى منطقة نائية تغرق يوميا وبصمت في بحار من دموعها وجزء حضاري ومدني كبير منها قد غرق واختفى مثلما اختفت أتلانتيدا بعد أن أصابها التخلف والعنف والرغبة في الهيمنة والسيطرة.. فحافظوا على ما تبقى من المدينة قبل أن يختفي ما تبقى منها ذاك القليل جدا من المدنية والتحضر.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى