من المسؤول عن انهيار القيم الأخلاقية؟

> نُهى البدوي

>
>  ليس من المنطقي أن نرمي فشلنا وخيبتنا على الحرب في كل شيء، ونحملها وحدها تدميَّر القيم الأخلاقية في اليمن، الذي يعد امتداداً طبيعيا لأزمتنا الأخلاقية الموجودة قبل الحرب بعقود، ولولا وجودها لما تفجرت الحرب نفسها، لتكشف عيوبها والمستور حولها. فهذا لن يعفي المجتمع من مسؤولياته، وصمته، وحيادية مواقفه عن استفحالها، حتى وصلت إلى المستوى الخطير الذي يهدد بانهيار منظومة قيمه الأخلاقية، كما يقول الكاتب الأمريكي «دان بروان» في رواية «الجحيم»: «أحلك الأماكن في الجحيم هي لأولئك الذين يحافظون على حيادهم في الأزمات الأخلاقية».

يُعرف بعضُهم الأزمة الأخلاقية بأنها: «النقصُ الحاد في القيم والأخلاق على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول، مما يؤدي إلى نتائج مدمّرة، تهدد القيم العُليا والأهداف السامية للمجتمع». وتتعدد مسبباتها وعواملها منها: الفقر، والأمية، وطبيعة أنظمة الحكم السياسية، وغياب العدالة، وممارستها الإفساد للمجتمع وتوريطه في الصفقات المشبوهة، والرشاوى، وغيرها، إلى جانب ابتعادنا عن القيم الأخلاقية المُستمدة من الدين، والاعراف الأصيلة للمجتمع اليمني، وغياب البرامج التوعوية، والأنشطة التي تعنى بالجانب الأخلاقي، وضعف التربية الخلقية في مناهج التعليم على كافة المستويات، وعدم سن أو تفعيل أنظمة، وقوانين تحافظ على المبادئ والقيم الأخلاقية العامة، وتوقع العقوبات المناسبة على مرتكبي الجرائم الأخلاقية.

لقد كان للعامل السياسي في بلادنا، دور نشط خلال العقود الماضية، في صناعة، ونشر السلوك المُدمر للقيم والأخلاق في المجتمع، حيث يتمثل دوره في تغذية، وترسيخ ظاهرة الفساد السياسي، لاستحالته الاستمرار في الحكم كنظام فاسد، إلا إذا كانت منظومة حكمه فاسدة، وتنعدم في أدواته، والقائمين على أجهزته السلطوية القيم السياسية، حتى لا يتردد في تخريب النسيج القيمي للمجتمع إذا استُدعي ذلك، لتحقيق مكاسب سياسية، ويظهر ذلك في فساد نهب الثروات وتوزيع الوظيفة العامة على المقربين للحاكم، والحصول عليها بالمحاباة، وتعيين الموظف غير المناسب، وعدم النظر في أصحاب الكفاءة عند اختيار بعض أصحاب القرار، مما أنتج سوء إدارة في المؤسسات، واكتظت بموظفين لا يمتلكون الخبرة في الإدارة التنفيذية، فالأخلاق والإدارة العامة هما وجهان لعملة واحدة لا يمكن الفصل بينهما، وما من كادر اشتهر بقدراته المهنية في الإدارة إلا وتحلى بأخلاق وقيم عالية ورفيعة.

لم تكن الحرب كما أسلفت المسؤولة الوحيدة عن الأزمة الأخلاقية، إنما تسببت نتائجها في استكمال التدمير للمنظومة التربوية والاجتماعية والأخلاقية الموجودة أصلاً في المجتمع، ونقلتها إلى وضع أكثر خطورة جعلها على حافة الانهيار لتوفيرها مناخا سلبياً حوَّل الأزمة الأخلاقية إلى سلاح، وأداة لتدمير بقية النظم المختلة كالمنظومة «السياسية والإدارية والأمنية والاقتصادية» أي أن الحرب خلقت أجواء مكَّنت الأزمة الأخلاقية القيام بالردة العكسية، لتدمير بقية جوانب الحياة بحكم الترابط الوثيق بها.

كما أن الخلافات القائمة بين التيارات المحلية داخل الأطراف المتحاربة نفسها، أسهمت إلى حدٍ كبير في خلق لوبيات الفساد، وبناء مراكز قوى قبلية، مالية، سياسية، وعسكرية (مليشاوية) على حساب تدمير القيم الأخلاقية والتربوية للفرد والمجتمع، والقضاء على ما تبقى منها في إدارة المؤسسات والمصالح والأجهزة الحكومية، وأصبحت لوبيات الفساد، ومراكز القوى القديمة – الجديدة، تتحكم في مفاصل ما بقي من حُطام الدولة في الشمال والجنوب، بل إن بعض المؤسسات والشركات الحكومية تحوّلت إلى أدوات تنفيذية مرتبطة بتلك القوى، تسهم بشكل فاضح في تدمير منظومة القيم الأخلاقية، وبقية المنظومات الأخرى. وإحلال سلوك الجرم والفساد القتل، والتدمير، والسرقة، ليحل محل السلوك القيمي والأخلاقي للفرد والمجتمع، كواقع معاش يؤكد وقوعها في فخ سيطرتها والتحكم في أنشطتها.

تتضح آثار ومظاهر انهيار القيم الأخلاقية في التفشي المتزايد للمجاعة، والأزمة الإنسانية، والمالية، وانهيار العملة المحلية، واستمرار أزمة المشتقات النفطية، وانتشار جرائم غسيل الأموال، والاختلالات الأمنية، وارتفاع معدل ارتكاب الجريمة الجنائية، قتل، اغتصاب، سرقة، نهب ممتلكات عامة، وخاصة، انتحار، جرائم عنف، وانتشار تعاطي المخدرات، وصولاً إلى السماح بالترويج للمنشطات الجنسية في الشوارع، بالإضافة إلى ازدياد حالات الوفيات بسبب المجاعة، وعدم وصول المساعدات والإغاثة لمستحقيها، والمتاجرة بها إلى جانب جرائم الفساد المؤسسي، والمخالفات الإدارية الجسيمة في المؤسسات الحكومية والمنافذ الحدودية والموانئ والمطارات.

إن المسئول عن تدميَّر منظومة القيم الأخلاقية في اليمن أطرافا متعددة، أولها الأنظمة السياسية التي تعاقبت على الحكم شمالا وجنوباً، لتقضي الحرب بجميع أطرافها وداعميها على ما تبقى منها، نتيجة صمت المجتمع الذي يعد شريكا في هذا التدمير، فإذا لم ينهض بكل قواه الخيرة، لإنقاذ منظومة قيمه التربوية والأخلاقية، ومنع انهيارها، فلن يفيد انتظاره للمنقذ المجهول!، ليس خذلاناً بمن يساعدنا أو من يستطيع إنقاذنا أو غياب الثقة بهم، لكن إن لم يساعد المجتمع نفسه للتغلب على بعض مشكلاته، فلن يستطيع أحد مساعدته، مهما قدم من مساعدات، مع التذكير أنه يقع عليهم واجب أخوي وديني، للتحقق لمن يقدم المساعدات والعون؟ وأين تذهب؟ حتى لا تتحوَّل بعض المساعدات إلى سلاح لتدمير ما تبقى من منظومة القيم الاجتماعية والتربوية والأخلاقية في المجتمع اليمني.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى