أحمد عبدالله حوّل إعاقاته المتعددة لمواهب حصدت جوائز دولية

> تقرير/ فردوس العلمي

>
تبوأ المرتبة الأولى للرسم بمصر ويطمح لمشاركات دولية في السباحة 

 تحدٍّ، إصرار، عزيمة، وأم قوية راضية بقدر الله، عوامل اجتمعت لتشكل لـ«أحمد محمد عبدالله» قوة إرادة لا تهزم رغم ما يعانيه من إعاقات مختلفة.
أحمد محمد عبدالله، أحد شبان العاصمة عدن، يتيم الأب يبلغ من العمر عشرون، ويُعاني من اعاقات متعددة هو: أصم، أبكم، ضعف شديد في السمع، وتأزر حركي، غير أنه تجاوز كل هذه وأصبح بفضل الله ثم بفضل إصراره والدعم الأسري شابا يشار له بالبنان ومحط إعجاب كل من عرفوه.

أحمد حول إعاقاته المتعددة لمواهب متعددة مكنته من مشاركات محلية ودولية وتبوأ المراكز الأولى فيها.
تقول والدته: «ولدي في رحلة مع العلاج منذ أن كان عمره ثلاث أشهر، وإلى جانب إعاقته يشكو أيضاً من مشاكل صحية في الرئة، وصعوبة في البلع، ولكن كل ذلك لم يقف عائقاً أمامه، وتمكن بفضل الله تعالى ثم بفضل إرادته القوية من العيش بحياة مليئة بالإبداعات والتميز والتفرد، نال على إثرها في شهر شهادة تميز للإبداع وجائزة ماجدة موسى للحرف الفنية واليدوية والفنون التشكيلية والتي تقام سنوياً في جمهورية مصر العربية.

يصف أحمد متحدثاً بلغة الإشارة وبترجمة من أمه «أنا أمتلك شخصية الأسد ولكنه حزين يبكي».
«ابني له قدرات إبداعية، فهو رسام يجيد الرسم والسباحة»، بهذا الوصف تصف القاضية منى صالح محمد رئيسية دائرة حقوق المرأة والطفل في مكتب النائب العام ورئيس جمعية «أنا وليست إعاقتي»، ومنسق عام لمناصرة حقوق المعاقين رئيسية الرقابة والتفتيش في نادي القضاء الجنوبي ابنها أحمد الحاصل على شهادة التميز في الرسم من الملتقى الدولي الثاني لأولادنا للفنون بمصر هذا العام».

هواية السباحة
على رمال ساحل  كود النمر في مديرية البريقة جلستُ أنا وأمه نشاهده وهو يسبح بكل مهارة في الساحل بمعية مدربه، سألت أمه عن فكرة مشاركته في مسابقة الرسم في مصر، فقالت: «ابني يُمارس هوايات الرسم منذ سنوات طويلة ولديه عدة رسومات ما لفت نظري ونظر الأخرين، فقمت بجمع رسوماته وعرضتها على إدارة «معهد جميل غانم  للفنون الجميلة» بعدن،  وأكدوا لي بدورهم أن أحمد مبدع ورسام بالفطرة، وطلبوا منا في حينها أن لا نتدخل برسوماته من ناحية تعليمه، لأنه حسب رأيهم أحمد رسام بالفطرة وله هوايته الخاصة، وقاموا باختيار مجموعة رسومات.

وتضيف في حديثها لـ«الأيام»: «بدأت أيضاً بالتواصل مع السيدة سهير عبدالقادر منسقة المهرجانات السينمائية الدولية والتي بدأت بالاهتمام بذوي القدرات والمبدعين في مختلف المجالات، وعرضت عليها رسومات أحمد وأبلغتني بأن ابني بهذه الرسومات ستكون له مكانة كبيرة في الملتقى». وتتابع: «خضع أحمد على مدى عشر أيام، وهي أيام عقد الملتقى، للكثير من ورش العمل والاختبارات وعرض على لجان مختلفة من كل أنحاء العالم وتوصل جميعهم إلى أن أحمد يمتلك ميزة غير عادية وتفردا رغم الإعاقة الشديدة التي يعاني منها، وفي الحقيقة تفاجأنا في ختام الحفل على مسرح القاهرة بتاريخ 4 مايو الماضي تكريم ابني أحمد بجائزة ماجد موسى للحرف اليدوية والفنون التشكيلية كأفضل رسام في الملتقى الدولي الثاني لفنون ذوي القدرات الخاصة، بحضور جماهيري كبير، وتصفيق وتشجيع منقطع النظير من الفنانين والممثلين الكبار كـ(ليلي علوي، وسمير غانم، ورانيا فريد شوقي، وغيرهم الكثير)، وعلى الرغم من أن هذا التكريم لم يحظَ بأي حضور يمني، إلا أنني أحسست وكأني في بلدي».

وتضيف: «كنت أقف خلف ابني أحمد لأمكنه من استلام شهادة التكريم، وما إن استلمتها حتى شدني بقوة إلى الأمام وسلمني إياها، وبلغة الإشارة قال  للجنة والجماهير : «هذا الشهادة لأمي فهي من تستحقها»، وهو ما جعل كل من في القاعة يبكون من قوة المشهد».

أحمد يقف أمام أعماله
أحمد يقف أمام أعماله
وتضيف: «وجدت صعوبة كبيرة في توفير تذاكر سفر لـ (أحمد) للمشاركة في المسابقة رغم أني توجهت لوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل - وهذا حق له - وفق قانون العمل وصندوق رعاية تأهيل المعاقين، حسب بند المادة (15) بأن تعطى للمبدعين تذاكر سفر، ولكن للأسف الوزيرة أخجلتنا، حينها لم أستسلم وتحديت كل المعوقات والصعوبات وسافرت به للقاهرة بهدف المشاركة، وكان له الفوز، الحمد لله، أعطى أحمد صورة مشرفة لعدن، وعدن بالذات ليست عنصرية، ولكن هناك من لم يعط الاهتمام لابني؛ كونه من أبناء هذه المدينة ومن أبوين عدنيان».

وعن دراسته تقول: «دخلت أحمد فصول دراسية وقد تجاوز السن القانونية للتعليم، كما أنني عملت على تأسيس جمعية ضمته وكثيرا من أطفال الأسر في المنطقة أمثاله وبسنه وأقل، والمؤسف بأن لا دور للدولة تجاه هذه الفئة، وعلينا أن لا نقف مكتوفي الأيدي تجاههم بل نعمل كل ما نستطيع لمساعدتهم والعمل على التواصل مع الجهات المعنية لتقديم ولو القدر البسيط، وهذا هو حق لهم وليس على سبيل الشفقة والرحمة ليتمكنوا من الانطلاق والابداع».

وعلى الرغم مما يعانيه أحمد من إعاقات متعددة إلا أن والدته ركزت كل قدراتها ليحصل ابنها على شهادة في الرسم من الملتقى الدولي الثاني للفنون الذي أقيم في جمهورية مصر مؤخراً.
وتشير في حديثها لـ «الأيام» إلى أنه «كان لها اهتمامات بهذه الفئة من جانب إنساني ولكنها عندما أنجبت أحمد وشعرت بإعاقته أصبح همها كأم وفكرت كيف تجعل حياته طبيعية وكيف تطور قدراته، فعلمته  الكثير من المهارات منها استخدم الكمبيوتر والرسم.

وبينما أمه تتحدث قاطعها أحمد فجأة متحدثاً بلغة الإشارة معي، وكوني لا أجيدها قامت والدته بترجمة إشاراته وكان مما قاله: «أمنيتي أن أتزوج كأي شاب، لأكوّن أسرة وأنجب ولدين، بنت اسميها باسم أمي، وابن اسميه باسم أبي».
وتعلق أمه بالقول: «هذا يدل على تمسكه وانتمائه الشديد لأسرته التي تدفعه وتقف معه»، وتضيف بعد أن ربتت على كتفه «هو ولد مطيع».

مشاركة محلية
وعن فكرة مشاركة أحمد  في  مسابقة بطولة عدن الرابعة للسباحة في المياه المفتوحة للمحافظات المحررة، والتي حظيت برعاية كريمة من قبل الهلال الأحمر الإماراتي، وإشراف مكتب الشباب والرياضة في محافظة عدن تقول: «أحمد يهوى السباحة ويجيدها رغم حالته الصحية، وعنده الشجاعة، ولأنه بحاجة لمدرب فقد تواصلت مع خالد الخليفي رئيس اتحاد السباحة اليمني وأرسل لي مشكوراً مدربا للسباحة، كما تواصلت مع نائف البكري وزير الشباب والرياضة وأبدى استعداده لاحتضان أحمد في التدريبات للمشاركة في معسكرات دولية ليتدرب بالشكل الصحيح كونه يحتاج لتدريب في أماكن محددة ومساحات وعمق محددين للمشاركة في الأولمبيادات الدولية».

وتضيف: «يوجد لدينا ما يسمى اتحاد رياضة المعاقين لكن للأسف متوقف، ونطالب وزارة الشباب والرياضة أن تفعله، بالإضافة إلى دعم المبدعين في أوساط فئة ذوي الاحتياجات الخاصة في مختلف المجالات، كما يتوجب على هذا الاتحاد ضم أشخاص على فهم ودراية بالعمل واستعداد تام للعمل دون أي مقابل مادي خدمة لهذه الفئة لتمكينها من الانخراط في المجتمع ويكونون فيه عناصر فاعلة، وعلينا أيضاً أن نحتذي بمصر في هذا المجال، فعلى الرغم من الكثافة السكانية فيها إلا أن لديهم اهتماما كبيرا بهذه الفئة، حيث قام الرئيسي عبدالفتاح السيسي بتسمية هذا العام بـ(عام ذوي القدرات)، ليدفعوا بأفراد هذه الفئة إلى الأمام وليمثلوا بلادهم في كافة المحافل الدولية وفي كل المجالات.

وعلينا نحن أيضاً أن نقف بجانبهم وأن نضافر جهودنا بدءا من الأسرة والمجتمع ثم الجهات المعنية لنساعدهم على تجاوز إعاقاتهم وإبراز إبداعاتهم ومواهبهم، مؤكدة بأن هذه  الفئة لا تحتاج للكثير، فكل ما يحتاجونه هو  إيجاد مدربين أكفاء واعتماد مبالغ شهرية لهم كمدربين، والميزانية موجودة والهلال الأحمر الإماراتي موجود ويدعم وعدن كمدينة محررة، كما تمنت من الجهات ذات العلاقة العمل على دعم المبدعين سنوياً بتذكرة سفر مع مرافق للمشاركة في المحافل الدولية لإظهار قدرات وإمكانات هذه الفئة المجتمعية من ذوي الاحتياجات الخاصة».

وأضافت في حديثها لـ«الأيام»: «هناك جهات تعمل على تحسين أدائهم ولكن أرى بأن الأسرة هي الجهة الأولى والأساسية للعناية بهم، فهي المحيط الصحيح لانطلاق هؤلاء، وهذا رسالة أوجهها لكل أم وأب وكل من هو قائم على هذا الفئة أقول لهم «عليكم احتضان هؤلاء والتعامل معهم بأن لهم حق في التواجد والتعايش المجتمعي، والتخلي عن فكرة أنهم غير قادرين  أو عاجزين، بل على العكس تماما بانهم يمتلكون قدرات كبيرة، وهذا هو المؤكد، فالله عز وجل حينما يأخذ  شيئا من شخص فإن في ذلك حكمة منه، وما أخذ منه شيئاً إلا عوضه بشيء آخر أعظم».

بحاجة لمعسكرات تدريب
فيما يقول الكابتن حسين جعفر حسن الصعيدي، مدرب أحمد في مجال السباحة لـ«الأيام»: «يمتلك أحمد القدرة والشجاعة والرغبة في التعلم.. أحمد خلص اليوم حصة التدريب، واستطاع المشي معي في أوقات كثيرة، ولكن ما يزال يعاني من صعوبة في رفع اليد وفرد الرجلين.. لكن كموهبة عنده رغبة شديدة وشجاعة في إظهارها».

وعن احتياجات أحمد ليتمكن من السباحة قال «يحتاج (تيوب) ليستطيع التحكم بحركة الرجلين بقوة أكثر، فهناك قانون للسباحة يتحكم بالعمل منها العمق وكيفية فرد الرجلين واليدين ورفع الرقبة، وإلى مسابح مغلقة».
ومن الصعوبات التي واجهته أثناء تدريب أحمد قال «لا أجيد لغة الإشارة لكن أحمد لديه ذكاء يتمكن من خلال النظر بتنفيذ الحركات التي أوجهه بها».

 مختتماً: «أحمد والمبدعون أمثاله يحتاجون إلى معسكرات خارجية، ليس للتدريب فقط ولكن لكل المبدعين المنتمين لهذا الفئة، فهؤلاء أولادنا، وعلينا أن نقدم لهم كل ما يثبت وجودهم في المجتمع، وعلينا أيضاً تحفيزهم وعدم تعقيدهم، وأن نعمل جاهدين لخلق كيان لهم ومساعدتهم في تجاوز العقبات».​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى