عدن.. المدينة الساحلية المحروم أهلها من أسماكها

> تقرير/ رعد الريمي

>
 يمخر محمد سالم (43 عاما) بقاربه عباب البحر بحثاً عن صيد وفير في أعماق بحر العرب بالعاصمة عدن، غير أنه عادة ما يعود بخفي حنين من رحلته البحرية التي تكلفه الكثير.

وسالم واحد من مئات الصيادين في عدن الذين حرمتهم أزمة المشتقات النفطية وقلة الأسماك في السواحل، نتيجة للاصطياد الجائر، من الحصول على الكميات المناسبة للاستمرار في عملية الاصطياد.
كما تسببت شحة الصيد في الأسواق وما نتج عنها من ارتفاع أسعارها في المدينة بعزوف المواطنين عن شرائها على الرغم من أنها كانت تمثل الوجبة الرئيسة اليومية لهم.

تكاليف باهظة
يقول الصياد سالم «اضطررت للانتقال من موطني بالمكلا عاصمة محافظة حضرموت بسبب ضعف الاصطياد فيها إلى محافظتي عدن وأبين (شقرة)، بحثاً عن الرزق، على الرغم ممّا نتجرعه من تكاليف باهظة لهذا الانتقال وما تشهده عدن من غلاء فاحش وأزمة في الوقود والخدمات الأخرى».


وكان القطاع السمكي فيما مضى يُمثل إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني، فضلاً عن استيعابه لكثير من القوى العاملة في مجالات متعددة: كالاصطياد، والتسويق، والتصدير، والتصنيع السمكي، فضلاً عن إسهامه في توفير الأمن الغذائي للمواطنين من خلال توسيع دائرة التسويق الداخلي، حيث يستهلك السوق المحلي نسبة 70 % من إجمالي حجم الأسماك المصطادة سنويًا، بحسب آخر إحصائية تمتلكها وزارة الثروة السمكية.

إهمال حكومي
وعلى الرغم من كون هذا القطاع ما يزال بكرًا وفرص الاستثمار المحلي والأجنبي فيه كبيرة جداً إلا أن إهمال الحكومة هو سيد الموقف فيه، لاسيما عقب حرب 2015م، فمنذ أربعة أعوام من التحرير لم تعمل الدولة والجهات ذات العلاقة بشكل جاد لترميم الدمار الذي تعرض له القطاع واكتفت بما قدمته من مساعدات خجولة للصيادين في عدن وأبين والمكلا والمخا.

وتمثل الثروة السمكة أحد الأركان الاقتصادية الرئيسة للعاصمة عدن، والتي تطل على شريط ساحلي بطول 181 كيلو مترا، تبدأ مساحته من منطقة العلم شرقًا، حتى قرية قعوة بالبريقة غربا.
وتتميز مدينة عدن بميناء الاصطياد في منطقة حجيف بمديرية التواهي، والذي يُعد من أهم وأكبر الموانئ السمكية في اليمن، إذ يُمثل مركزًا لرسو وخدمات قوارب الصيد الصناعي برصيف تبلغ مساحته 553 مترا.


وينتشر على امتداد الشريط الساحلي للمحافظة 11 مركزًا وموقعًا للإنزال السمكي منها 5 مراكز إنزال رئيسة و6 فرعية، تُعاني معظمها الإهمال، وباتت غير مؤهلة لاستقبال وإنزال المنتجات السمكية.
كما يوجد في المدينة خمسة مواقع إنزال سمكي وساحات للمزاد العلني، وهي: صيرة، الدوكيارد، الضربة، فقم، رأس عمران.

آلاف الصيادين
ويبلغ عدد الصيادين المسجلين فيها بحسب إحصائية الوزارة السمكية لعام 2011م (6000) صياد، فيما يبلغ عدد القوارب التقليدية في (8000) قارب.

وعلى الرغم من كون عدن تشكل موردًا سمكيًا مهما إلا أن أسواقها تشهد ارتفاعًا غير مسبوق في قيمة السمك أدى إلى تراجع كبير في حركة البيع والشراء، خاصة في الأنواع المشتراة بشكل يومي كـ(الثمد، والبياض، والديرك)، حيث بلغ سعر كليو الثمد الواحد خلال اليومين الماضيين 4000 ريال، فيما وصل سعر الديرك 6000 ريال، و8000 ألف ريال للبياض، وتتباين الأسباب في ارتفاع قيمته في هذه المدينة الساحلية.

أسباب كثيرة
وبيّن المسؤول المالي لـ«جمعية صيادي خليج صيرة» محمد هادي أن «أسباب الارتفاع الحاصل في أسعار السمك كثيرة منها: الإقبال الكبير عليه والناتج عن الكثافة السكانية في المدينة، وكذا التغييرات الموسمية والتي تبدأ من أواخر شهر أغسطس وحتى نهاية شهر نوفمبر، وفيها تخف الأسماك وبالتالي ارتفاع ثمنها، بالإضافة إلى المعوقات الأخرى كانعدام الوقود (البترول) وأزمته المستمر في الوقت الذي يستخدم فيه الصياد نحو 270 لتراً في الرحلة الواحدة وهي كمية كبيرة، وهو ما يجبره للجوء إلى السوق السوداء للحصول عليه».

تخلي الحكومة عن مهامها
وأضاف موضحاً لـ«الأيام»: «انعدام الوقود أثر بشكل بالغ على الصيادين وعملية الاصطياد، فمثلاً إذا كان 500 بحار يُبحرون بقوارهم في الشهر، صاروا نحو 200 قارب فقط، ولا يعود جميعهم بصيد وفير وهذا واحد من الأسباب في الارتفاع فضلاً عن التكاليف الباهظة الأخرى لعملية الاصطياد كأوتار الشباك، والجلاب، وعظام الشباك، والسليط، إلى جانب محركات القوارب والتي هي الأخرى ارتفعت بشكل فظيع، إذ ارتفع سعر المحرك الوحد في الوقت الحاضر من مليون وسبعمائة ألف إلى ثلاثة ملايين».


واتهم المسؤول المالي لجمعية صيادين خليج صيرة، الحكومة بالتخلي الكلي عن الصيادين، وقال: «الدولة لم تقف معنا، وما تحصلنا عليه من دعم كان من قِبل منظمات دولية لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة».

وحول أبرز مطالب الجمعية قال: «سبق أن طالبنا وزارة الثروة السمكية برسائل رسمية بتوفير الوقود حتى لا ننقطع عن الاصطياد في حال حدوث أزمة، خاصة أننا نثمل أحد ركائز الدخل القومي للبلاد ولكن مع الأسف لم يتم التجاوب معنا».

زيادة الطلب وقلة العرض
وأعاد العديد من باعة السمك في أسواق (الحراج) في العاصمة لـ«الأيام» الارتفاع الملحوظ لسعر الصيد مؤخراً إلى تقلب أحوال البحر خلال هذه الفترة، واستخدام وسائل صيد غير مشروعة كاستخدام الشباك في الاصطياد والمسببة بجرف الأسماك الصغيرة بكميات كبيرة بسبب ضعف الرقابة، وكذا تزايد الإقبال عليه من أبناء العاصمة والمحافظات الأخرى نتيجة لارتفاع سعر اللحوم.

وهو ما أكده سليم صالح (33 عاما)، أحد بائعي سمك في مديرية الشيخ عثمان، مضيفاً «أصبحنا نشاهد في عدن ولأول مرة استيراد الصيد المجمد من محافظتي أبين وحضرموت وغيرهما، وهذا أمر مستغرب أن يحدث في مدينة معروفة بغنى شواطئها بأنواع متعددة من الأسماك».


فيما أرجع ماهر نجيب (45 عاما)، وهو بائع صيد بالمنصورة الارتفاع الكبير في قيمته إلى ارتفاع سعر البترول، وقلة تواجد الأسماك في البحر، والذي يتسبب بالتالي إلى شحتها في الأسواق ومن ثم غلائها.
وأوضح لـ«الأيام» أن "الصيادين اضطروا نتيجة لشحة الصيد في عدن للذهاب إلى مدينة شقرة بمحافظة أبين».

وعبر مواطنون عن غضبهم من الارتفاع في قيمتها وقالوا «إن بيعها بأسعار مضاعفة عن قيمتها الحقيقية حرمهم من شرائها بعد أن كانت تمثل وجبتهم الرئيسة في كل يوم».

وطالبوا من خلال «الأيام» الجهات ذات العلاقة في الحكومة والسلطة المحلية بالتدخل بوضع إجراءات رادعة في التلاعب بقيمته بعد أن أضحى ظاهرة ليست في العاصمة وحسب بل في عموم المحافظات الجنوبية.

ترقب لدور حكومي 
وفي الوقت الذي يطالب فيه المواطنون تدخل الجهات المسؤولة في العاصمة، ينتظر الصيادون الدور الحكومي بإصلاح وترميم المناطق الساحلية وقرى وتجمعاتهم، كما يؤملون منها تلبية احتياجاتهم من القود والدعم بالمعدات الخاصة الاصطياد، وكذا العمل على تجديد مواقع إنزال الأسماك نتيجة لتضررها بفعل الحرب والأعاصير التي ضربت السواحل قبل بضعة أشهر وتسببت بخسائر كبيرهم عليهم.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى