جياع في زمن الشرعية.. حفيد أحد علماء عدن يعاني الأمرين.. فإلى متى؟

> تقرير/ فردوس العلمي

>
 يعيش ابن مدينة عدن «أبو محمد» حياة الفقر والعوز، وهو سليل أرباب العلم والعز، في بيت مكون من غرفة ومطبخ وحمام مع زوجته وأربعة من أبنائه (ولدين وبنتين)، ورغم ضيق الحال إلا أن «أبو محمد» يحاول العيش بأمن وعلى قدر الحال فليس له دخل ثابت، ويعمل بالأجر اليومي.

ويعمل «أبو محمد» نجارا على باب الله، فيوم يجد قوت يومه، وأيام أخرى يبقى على باب الله، ولا يجني شيئا.

ويعد «أبو محمد» من سلالة أسرة عريقة كان لها في العلم والدين باع طويل، فهو حفيد أحد علماء عدن، فلما ضاق به الحال وعاش شتى أنواع الشتات لم يجد بقعة أرض ليبني عليها بيتا يؤويه في عدن، لا سيما وأنه من أبناء هذه المدينة، إلا في أعلى قمة جبل العيدروس، وما زاد الأمر صعوبة وقوع منزله بعد مقبرة، ما يعني أن عليه أن يمر من وسط القبور ليصل إلى منزله.

بيت مهترئ
على باب المقبرة انتظرنا «أبو محمد»، فمشينا معه ومع الزميل «منذر جبل» لنصل إلى منزله، وكانت المسافة بعيدة نوعا ما، وكنا كلما مشينا خطوة يلتفت إلينا «أبو محمد» ويقول «خلاص بانوصل الآن»، ونحن لا نصل، وكأنه يحثنا على الاستمرار في المشي، ويحاول أن يصبرنا خوفا من أن نعود أدراجنا.


فسألته «كيف تستطيعون الطلوع وتحمل مشقة عناء الطريق كل يوم؟»، فأجاب «خلاص تعودنا».
وفي بيته المتواضع جلسنا نص ساعة للتقاط أنفاسنا، بعدها تحدثنا مع «أبو محمد» وزوجته، وسألتهُ «ماذا أتى بك إلى هنا؟»، فأجاب «الظروف وقلة الحيلة هي من رمتنا فوق قمة هذا الجبل».

وبهذه الكلمات الموجعة استهل «أبو محمد» حديثه مع «الأيام» قائلا: «كنت أسكن في بيت الوالد وبعد وفاة الوالد تم بيع البيت، وبنصيبي اشتريت هذه البقعة، وبنيت عليها هذا المنزل ليسترني أنا وأسرتي».

فمنزل «أبو محمد» ذات أرضية إسمنتية، ونصف سقفه زنج (حديد)، ولا توجد فيه سوى مروحة واحدة، وهي لا تعمل، وفوق كل ذلك، وهي الطامة الكبرى، لا يوجد في بيته راشن (مواد غذائية) إلا قليل ولا تكفي لحاجتهم اليومية، فهم من الأسر التي تعتمد على الدخل اليومي، ولا يوجد في منزله أثاث، سوى فرش واحد، وكل الملابس واحتياجاتهم في حقائب قديمة (بقش بالعامية)، ومكومة في ركن الغرفة، أما في المطبخ، فتوجد شولة طبخ صغيرة بالكاد تسد حاجتهم، وكم هائل من دبب الماء «أبو خمسة لترات» للطبخ والشرب، وفي منزل الحمام مثلها وأكثر.

«اسم العائلة أرهقنا»
يتابع «أبو محمد» حديثه، وهو يصف طابع حياتهم اليومية، ويقول «لم أجد وظيفة حكومية، فاكتسبت مهنة (نجار) كي أكسب من عرق جبيني، ولكي لا أحتاج لأي أحد، وكنا قبل سنوات نعيش مستورين، لكن مع هذا الغلاء، وارتفاع الأسعار أصبحت لا أمتلك القدرة على شراء الاحتياجات البسيطة لأسرتي، ولم أستطع الحصول على الإغاثة بسبب اسم العائلة الشهير، وهذا يسبب لي إحراجا كبيرا».

وعن سبب البناء في هذا المكان المرتفع والبعيد قال «اشتريت هذه البقعة في هذا المكان المرتفع لأني لم أجد مكانا آخر، لأن بالأسفل الأسعار نار».

صورة عامة التقطت من منزل "أبو محمد"
صورة عامة التقطت من منزل "أبو محمد"
وأضاف «لكني لم أستطع استكمال بناء البقعة كاملة، واكتفيت ببناء غرفة وحمام ومطبخ كي ترحمنا من بيوت الإيجار التي لم يعد لها أمان، فكل شهر ترتفع الإيجارات، وأصحاب بيوت الإيجار أصبحوا يتكلمون بالدولار والسعودي.. فمن أين لي ذلك؟».
وتابع «حصلت على مليونين كنصيب من تركة أبي، رحمة الله عليه، وسارعت إلى شراء البقعة والبناء فيها لأستر أسرتي من التشرد والضياع».

وعندما سألناه عن أولاده، وهل يدرسونا؟ أجابنا: «الحمد لله أبنائي يدرسون، فأحدهم  يدرس في المعهد، والآخر في الثانوية العامة، والصغيرة في الابتدائي، أما ابنتي الكبيرة فهي متزوجة».

عناء الحصول على المياه
ويقول أبو محمد: «تعبت من جلب الماء، فالماء يوصل إلى هنا لكنه يحتاج إلى دينمة (مضخة ماء)، وأنا عاجز عن شرائها وشراء خزان ماء.. فإيصال الماء من تحت إلى البيت متعب للغاية.. أتمنى شراء دينمة وخزان لأرتاح من هم توفير الماء لأسرتي».

وعن كيفية توفير احتياجاتهم يستطرد «أبو محمد»: «أهل الخير ما يقصروا.. فكانوا يمدوني بمستلزمات الدراسة للأبناء والآن قد المدرسة مغلقة، أما بالنسبة للراشن فلم نحصل على أي معونات فكما تشاهدوا ما عندي شيء، لا أدري المنظمات والمؤسسات والجمعيات تعطي لمن، فكل جيراني محتاجين، والله يعلم بحالهم».


وعندما سألناه عن المكان المرتفع وعناء الطلوع إلى المنزل وخصوصا على كبار السن والأطفال قال: «والله الأطفال أتعودوا على ذلك، رغم خوفنا وقلقنا عليهم، لكن ما باليد حيلة سوى أن ندعي الله أن يغير حالنا».

تقليص الوجبات اليومية
من جانبها، «أم محمد» اعتذرت لنا على تكبدنا مشقة الطلوع إليهم، وقالت «أني عند استمى (مرض الربو)، ورغم هذا ما قدرت اعترض على السكن هنا، وأجبرت عليه، والآن خلاص تعودنا عليه وربنا يرحمنا برحمته».
وأضافت «الآن نحتاج إلى استكمال بناء البيت، وربنا يقدرنا على بناء الغرفتين، فالبيت ضيق وخسرنا في هذا البناء اثنين مليون ريال يمني، وهو نصيب زوجي من بيع بيت والده».

واستطردت «لم نستطيع شراء أثاث للمنزل ما عندنا ثلاجة ونشتهي الماء البارد».
وتابعت «نحن هكذا كما ترين ليس معنا إلا غرفة واحدة تسترنا وكثيرا ما ننحرم من تناول الوجبات الثلاث، ونكتفي بوجبة واحدة وما حد عالمنا بنا إلا الله عز وجل».


وتواصل «أم محمد» بسرد معاناتهم، وتقول «بنتي الصغيرة تعاني من الهزر وعملنا لها عملية وساعدنا فيها فاعل خير، والآن هي محتاجة عملية في الجهة الثانية وكل أسبوعين نأخذها إلى الطبيبة للمعاينة ولا ندري كيف نعمل، لو قالت الطبيبة إن الطفلة محتاجة عملية!».
إلى هنا يقف الحرف عاجزا عن الاسترسال، ويقف دقائق حداد على وضع أسر كان لها شأن، وأصبحت تعيش في الحضيض، وتشتهي لقمة و(هدمة) نظيفة وبيت يضمها بأمان.

أخيرًا.. رسالة إلى منظمات المجتمع المدني، أغيثوا هذه الأسر التي تعيش في هذا الجبل.. فيوجد في أعلى جبل العيدروس أسر تتجرع مرارة العيش، فكونوا عونا لهم، واجعلوا الإغاثة تصلهم إليهم، فهم الأحوج بها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى