سليمان الشميري.. طالب امتهن نزع الألغام ففقد أطرافه وإحدى عينيه

> تقرير/ صلاح الجندي

>
 تنام تعز في أحضان الجراح، وتتسع رقعة المعاناة والمأساة فيها مع ازدياد حالات القصص الإنسانية التي حصدتها مسيرة الموت الإجرامية، وأصوات الوجع المنبثقة من هموم الناس ومعاناتهم في تصاعد يومًا تلو آخر، خصوصاً مع استياء الأوضاع المعيشية وتأخر الحسم العسكري فيها.

كثيرة هي تلك القصص المتخمة بمختلف أشكال الموت والقساوة التي جرّعت الجميع دونما أي تمييز، والأكثر وجعاً بقاياها المنكسرة.

الجريح المعاق سليمان الشميري سيظل صورة تعكس واقع هذا الوطن المُمزق بالخيبات، والخافق بكثير من الصمود والحب.

فقد رجليه ويديه
يمكن للمرء أن يتصور هذه المدينة وهي تعيش سيلاً من المعاناة والحرمان منذ الوهلة الأولى لحلول الحرب فيها، إلا أنه سيبقى حائرًا ومتسائلاً ما الذي قد يدفع شابًا في مقتبل عمره كـ «سليمان» إلى اعتناق مهنة خطرة (نزع الألغام) دون أي تردد، في سبيل توفير الحياة الأبناء مدينة، ليصير جراءها فاقدًا لجميع أطرافه الأربع وإحدى عينيه، مع تهديد الخطورة للأخرى.

لم يكن الشميري يدرك أن مسيرته البطولية ستختم بنقطة عند الموقع الأخير لجبهة الزنوج شمال المدينة، بعد أن غدرت به شحنة كهربائية استثارت جوع لغم كان قد جلبه من منطقة جبل حبشي، وعبوات تلفزيونية أخرى، أثناء تعليمه لأفراد آخرين عن كيفية نزع الألغام والأجسام المحرمة دوليًا عن تربة تعز، لتبدأ على إثرها قصته مع الإعاقة والمعاناة.

ويوضح الشميري، في حديثه لـ«الأيام»، أنه اختار الانضمام إلى صفوف المقاومة، لمواجهة الحرب الخانقة بروائح القتل والجوع والتدمير والتشرد، بعد أن كان مجرد طالب في المستوى الثاني بكلية الهندسة في جامعة تعز.

يضف: «قاتلت مع إخواني في المقاومة للدفاع عن تعز ضد مليشيات إيران الحوثية بكل شجاعة وعزيمة، لأني مؤمن بقضيتي ودفاعي عن كرامة محافظتي».

وبعد عامين من النضال كجندي وطالب، ساقت الشميري الهمّة ليلتحق بوحدة الهندسة العسكرية في مأرب، وهناك تعلم دورات مكثفة عن كيفية نزع الألغام وتطهير هذه الأرض من الخبث المزروع فيها.. وشارك في جبهات كثيرة في مأرب، ونزع العديد من الألغام التي زرعها الانقلابيون في جبهاتها.

تلبية النداء
ولأن سليمان كغيره من أبناء تعز يؤمن بأن في استعادة النَّفَس الأول حياة، وأن الحياة باهظة الثمن لذا كان الجندي المُلبِي لنداء حبيبته تعز، والمتأهب دائماً لخدمتها، بعد أن كان يرى إخوانه الأبطال تنتزع الألغام أطرافهم دون رحمة، وتنال من أبناء مدينته دون هوادة، فقرر النزول إليها.

وعن عودته يقول: «عدت إلى مدينتي على الرغم من المعدات والإمكانيات الشحيحة فيها، وانطلقت إلى الكثير من المواقع العسكرية، نازعاً للألغام ومعلماً لكيفية استخراجها، فكنت في كل جبهة سواء في: الزنوج، أو في الشقب، أو في جبل حبشي، أقوم بتعليم ثلاثة إلى أربعة أفراد عن كيفية نزع الألغام ونجحت في ذلك».

وبعد أن تمكن الشميري خلال مروره بجبهتي الشقب، وجبل حبشي، وكافة مواقع الزنوج ونزع منها ما يزيد عن ألف لغم كان على موعد مع نكسة حياته في آخرها، بانفجار لغم عليه في جبهة الزنوج قبل شهر، نهش جسمه وأدخله في غيبوبة، وحينما أفاق بغرفة العمليات في إحدى مستشفيات المدينة، وجد نفسه فاقداً ليديه ورجليه وإحدى عينيه.

صار طريح الفراش، لا يقوى على شيء، وعلى الرغم من الحزن واليأس الجاثم على صدره إلا أنه ما زال يحلم ويؤمل من الآخرين بتطهير الأرض من بقايا الحقد المكدسة تحتها ليعيش أبناء المدينة بأمن وأمان.

ضحايا كُثُر 
وبعد أن ظل الشميري يترقب موته البطيء وخوفه من فقد عينه الأخرى، قُرِر له السفر إلى الخارج، بمنحه مبلغ مليون ريال مقدم من المحافظ د. أمين أحمد محمود، ومليون آخر من السلطة المحلية، بالإضافة إلى ترتيبات سفره إلى جمهورية مصر العربية للعلاج.

هذه المنحة العلاجية رسمت على ملامحه الشاحبة الفرحة كما أسعدت أسرته كثيرا، وفي السياق دعا الشميري الجهات المختصة إلى الاهتمام بأفراد الوحدات الهندسة العسكرية ليتسنى لهم القيام بعملهم الإنساني بأكمل وجه، وكذا الإسراع في معالجة الجرحى، خصوصًا جرحى تعز الذين يعانون حتى اللحظة».

آلة الموت في تعز لا تفرق بين صغير وكبير، إذ حصدت خلال الثلاث السنين الماضية أرواح وأطراف الكثير من الجنود والمواطنين والأطفال والنساء، مخلفة طابورا كبيرا من المعاقين، والمصابين الذين بقوا شخوصًا شاهدة على مسيرة إجرامية مرت من تعز.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى