قراءة في قصيدة وصية إلى ابنتي

> علي محمد الغريب

>
قصيدة «وصية إلى ابنتي»، للشاعر أشرف محمد قاسم، يمكن اعتبارها نصائح أب خبير إلى جيل كامل من الشباب والفتيات، تسيطر عليهم وقدة الشباب وحدته، أكثر مما يوجههم صوت العقل ونور الحكمة، التي تكون عادة وليدة خبرات كثيرة ومتراكبة في الحياة.

يبدأ الشاعر قصيدته بمخاطبة ابنته، التي اعتبرها صغيرة تعيش في لفائف الطفولة، وتنعم بسذاجتها وغفلتها البريئة، فهي تنطلق في الحياة دون أن تحسب حسابا لتعقيدها، وما أصابها من ملوثات خلقية وسلوكية طاردت الإنسان، فأهلكت البعض، ونجا منها البعض، لكنه لم يسلم من دخانها وحرها الجميع!

ويبدو الشاعر مشفقا على صغيرته التي يراها ما تزال تخب في لفائف الحنان، وهي صورة غاية في الإشفاق من الأب الذي يرى ابنته تعدو في لفائف الطفولة، منطلقة بكل ما فيها من قوة وعفوية لم تثلم إنسانيتها، ولم تصدمها طبيعة الحياة بما فيها من نقائض الجمال والقبح، الخير والشر.
صغيرتي
التي تخُبّ في لفائف الحنانْ
إليك يا حبيبتي وصيتي!
في عالم تحيطه الدماء والنيران
ولم يعد للحب يا صغيرتي مكانْ
يرى الشاعر فتاتة التي هي في الواقع كل فتاة، بل وكل إنسان تتفتح عيناه على الحياة وزاده من الخبرة، هو زاد الصغيرة التي تخب في لفائفها، وتخب هنا تعني: أن تعدو مسرعة داخل هذه اللفائف، التي قد تمثل محيطها الضيق من أسرة وأب وأم وأخوة، دون إدراك للعواقب؛ غير ناظرة لمجتمع كبير يزخر بالخير والشر معا.

أوصيك بالوطن
أوصيك بالإنسانْ
أوصيك يا صغيرتي
أن تجعلي السلام مبدأ الحوارْ
فالحب يا صغيرتي
يمهد الدروب للنهارْ
ويفتح القلوب للخضارْ
ولتجعلي الكتاب
أول الطريق للقمرْ
لا تقطفي الزهرْ
ولتعشقي المطرْ
فإنه يغسلنا
من جفوة البشرْ
وهكذا يبدأ الأب الذي عركته الحياة في توجيه نصائحه لابنته، فأول ما يوصيها: يوصيها بالوطن، فالوطن هو الوعاء الحاضن للهوية، وكيان المجتمع وعقيدته وإيمانه، وبدونه فلا ملامح ولا خصوصية، وغيابه هو الذوبان والضياع.

ثم يوصيها بالإنسان الذي هو أصل عمارة الوطن، وعمارة الكون، فبدونه لا تقوم حياة، ثم يوصيها أن ترى الإنسان كما هو بضعفه وقوته، وانكساراته وانتصاراته، وأن تجعل السلام هو منطلقها في التعامل مع من حولها، وأن تحاور بالتي هي أحسن، دون الذوبان أو التخلي عن قيمها ومبادئها.
كما يدعوها للتمسك بالحب الذي يسبق طلوع النهار، ويفتح الطريق ليتعايش الناس ويتعارفوا، كما يدعوها لأن يكون العلم والقراءة، والتزود المعرفي طريقا لاغنى عنه للارتقاء، بل والصعود للقمر، وهو ما يعنى منتهى الرفعة المعنوية والمادية.

ويدعوها ألا تخرب الحياة وتصونها كما خلقها الله، وألا تقطف الزهر، ودعوتها هنا للامتناع عن قطف الزهر، إشارة رمزية لطيفة إلى البعد عن الذاتية، والسعى للمنفعة الشخصية، وأن تقدم العام على الخاص، فالزهور تشيع في النفوس البهجة والارتياح، والذين يبادورن لقطفها هم في الواقع أنانيون لا يرون إلا أنفسهم، وبالتالي فهذه الدعوة تنسحب على كل فعل أناني من شأنه أن يضر الغير، وليس مجرد قطف زهرة.
ولتسألي الذين قدموا أرواحهم
هدية إلى الوطن
إن استطعت يا صغيرتي سؤالهم
رخيصة أرواحكم
تلك التي تقدمونها إلى الوطنْ؟
ستقرأين ردهم
يطل من عيونهم
بل غالية
لكنها مهما غلت
فلن تكون يا بنيتي
أغلى من الوطنْ
ثم يدعو الشاعر ابنته: لسؤال الذين قدموا أرواحهم هدية لأوطانهم؛ إن استطاعت، فقد ذهبوا إلى عالم غير الذي تعيش فيه، وتسألهم: هل كانت أرواحكم رخيصة، فسيبادرونها: أن أرواحهم غالية، ولكنها ليست أغلى من الوطن، فالوطن هو الوجه الآخر للدين، ومهما تخلى المفرطون عن أوطانهم، فهذا لا يبرر لهم التقاعس عن نصرتها، فالوطن هو الدين والهوية في حقيقة الأمر.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى