محلل: فشل اتفاق الحديدة سيُدخِل اليمن جولات عاصفة من الحرب

> «الأيام» خاص / غرفة الأخبار

>
مع الساعات الأولى من فجر أمس الثلاثاء كان المقرر من أن يبدأ وقف إطلاق النار في الحديدة وفقا للرسالة التي بعث بها المبعوث الأممي مارتن جريفيثس لطرفي الصراع عقب فشل الهدنة وعدم التزام المتحاربين في التقيد باتفاقات السويد.
جاء الموعد الثاني لبدء الهدنة بعد ليلتين داميتين سقط خلالها نحو 100 قتيل وجريح من الحوثيين جراء معارك اندلعت في الدريهمي ومناطق أخرى جنوب مركز المديرية حاول الحوثيون التسلل إليها.

وبعد ساعات من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ أعلنت ألوية العمالقة الجنوبية أن جماعة الحوثي قصفت مناطق غرب مدينة حيس.
وقالت العمالقة في خبر عاجل نشرته صباح أمس في موقها الرسمي على شبكة الإنترنت إن «مليشيات الحوثي قصفت منازل المواطنين في قرية بيت مغاري بقذائف الهاون شمال غرب مديرية حيس بالحديدة». 

مصادر في حكومة الشرعية ذكرت أن «مدفعية جماعة الحوثي المتمركزة في حي غريب ومحيط المؤسسة العامة للكهرباء تشن قصفاً عنيفاً على الأحياء السكنية بالحديدة».
وأوضحت المصادر ذاتها أن الاشتباكات اندلعت في منطقة كيلو 14 وكيلو 16 شرق مدينة الحديدة، كما اندلعت اشتباكات أخرى في شارع الخمسين وحي الربصا وجامعة الحديدة جنوباً.

وقال وكيل محافظة الحديدة إن «ميليشيات الحوثي خرقت الهدنة منذ بدء دخولها حيز التنفيذ».
وتمثل مدينة الحديدة، مركز المحافظة، اختبارًا هو الأصعب أمام الاتفاق، فالحديدة، على ساحل البحر الأحمر، هي الملف الأكثر إلحاحًا وأهمية بين ملفات النزاع؛ نظرًا لأهمية المدينة ومينائها الاستراتيجي.

وبحسب اتفاق السويد، فإن على الحوثيين الانسحاب من موانئ محافظة الحديدة (الحديدة والصليف ورأس عيسى) بحلول نهاية يوم 31 ديسمبر. كما أنّه يتوجب على المتمردين والقوات الموالية للحكومة الانسحاب من المدينة بحلول نهاية يوم 7 يناير المقبل.

ويقضي القرار بالانسحاب الفوري لقوات الحوثيين من المناطق التي استولوا عليها، وبتسليم أسلحتهم، والتوقف عن استخدام السلطات التي تندرج تحت سلطة الرئيس عبدربه منصور هادي، بالإضافة إلى فرض عقوبات على الحوثيين المتهمين بارتكاب جرائم حرب، وباعتبارهم منقلبين على العملية السياسية، والدخول في مفاوضات بهدف التوصل إلى حل فعلي ينتهي إلى سلام واستقرار دائم في اليمن، لا إلى حلول مؤقتة بتداعيات طويلة المدى على اليمن وجواره والمنطقة.

والحديدة، بحسب مراقبين، هي الدافع الرئيسي لجولة المشاورات الأخيرة في السويد، إذ ضغط المجتمع الغربي على أطراف النزاع للتفاوض، بغية تجنيب ميناء الحديدة معركة عسكرية، باعتباره بوابة دخول 70 بالمئة من وادرات اليمن.
وجاء الضغط الدولي بعد اقتراب القوات الحكومية مسنودة بالتحالف العربي من الميناء، ومحاصرتها مركز المحافظة من ثلاث جهات، واقتراب المعارك من مركز المدينة وموانئها الثلاثة: الحديدة، والصليف ورأس عيسى.

واعتبر محللون ومراقبون أن صعوبة اختبار ملف الحديدة تتمثل في كونه محاطًا بتعقيدات كثيرة، بينها عدم وجود آلية واضحة لتنفيذ بنود الاتفاق، وعمومية النصوص، ما جعل طرفي النزاع يفسرون الاتفاق حسب رغباتهما.

المحلل السياسي اليمني، علي سيف حسن، رئيس منتدى التنمية السياسية، يقول في تصريحات لوكالة الأناضول التركية إن «مفاوضات ستوكهولم حققت نجاحين مهمين، أولهما ضمان استمرار جولات مفاوضات قادمة دون قيد أو شرط».

ويضيف حسن، الذي عمل ضمن فريق مستشاري المبعوث الأممي خلال مشاورات السويد أن «البند الأخير في الإطار العام أوضح ذلك (ضمان الجولة القادمة) بصورة حاسمة».
ويتابع: «النجاح الثاني لمفاوضات ستوكهولم يمثل في كبح وإعاقة اندفاع الحرب في الحديدة والساحل الغربي عامة».

ويرى أن «هذا النجاح تحقق بفضل بلوغ المجتمع الدولي، وبالذات الجانبين البريطاني والأمريكي، حالة الإحباط من السير المتعثر لعمليات التحالف العسكرية، وتوقعاتهم السلبية بشأن إمكانية نجاح التحالف وحكومة الرئيس (عبد ربه منصور) هادي في إدارة ميناء ومدينة الحديدة».
رئيس مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية ماجد المذحجي، يعتبر أن «فرص نجاح الاتفاق تبدو حتى الآن غير مرئية؛ بسبب عدم اختبارها».

ويضيف المذحجي أن «هذه الفرص ستتضح في الأسبوع الأول من بدء سريان الاتفاق».
ويتابع: «إذا بدأ الحوثيون والقوات الحكومية في إعادة الانتشار والانسحاب من الموانئ، خلال أسبوعين، سيزيد هذا من فرص نجاح الاتفاق».

ويوضح أن الجزء الأكبر من عملية «الانسحاب من الموانئ وإعادة الانتشار تقع على عاتق الحوثيين، الذين يسيطرون فعليا على تلك الموانئ».
ويرى المذحجي -وفقا للأناضول- أن «الملف الأكثر تعقيدًا هو ملف الانسحاب (من الموانئ) وإحلال قوات الأمن السابقة (محل قوات الحوثيين)».

ويبيّن أن من تعقيدات هذا الملف: «استدعاء القوات السابقة والترتيبات المتعلقة، وضمان خروج كافة ميليشيات الحوثي، خاصة أنها مليشيات غير نظامية».
ومن بين التعقيدات أيضًا، بحسب المذحجي، «المدى الزمني القصير، الذي لا يتجاوز ثلاثة أسابيع، وهذا يشكل تحديًا كبيرًا».

ويعبّر عن خشيته من «أن يكون الاتفاق وليد الضغوط لا وليد الاحتياج، وعلى سبيل المجاملة للمستوى العالي من الضغوط (الأممية والدولية)، ثم نشهد فشلًا بسبب تلكؤ أحد الأطراف في تنفيذ أي جزء منه».
ويحذّر «المذحجي» من أنه في حال فشل الاتفاق فإن اليمن «سيشهد جولات عاصفة من الحرب».



ولعل من أبرز تعقيدات ملف الحديدة أيضًا، غموض بنود الاتفاق بشأنه، ما جعل كل طرف يفسّرها حسب مصالحه.
فالحكومة من طرفها تقول إن ميناء الحديدة سينتقل إلى إدارة القوات المحلية التي كانت موجودة قبل سيطرة الحوثيين عليه، بينما يقول الحوثيون إن الاتفاق ينص على أنهم سيستمرون في إدارة الميناء مع انسحاب القوات العسكرية فقط منه.

ويؤكد كتاب وباحثون يمنيون أن التقدم الذي حققته قوات الشرعية مدعومة بالتحالف العربي من أبز الأسباب التي أفضت إلى مفاوضات ستوكهولم، داعين إلى البناء عليها بشكل واقعي يراعي الفوارق والاختلافات بين الطرفين، وبشكل يعكس حقيقة النفوذ على الأرض؛ فلولا تقدم التحالف والشرعية لما خضع الحوثيون لفكرة الحوار من أساسها، ولما وصل الأمر في محادثات ستوكهولم إلى هذا الاتفاق بغض النظر عن جدية تحقيقه ومضي الحوثيين قدما في التزاماتهم أم لا؟

ويرى محللون أن الاتفاقات التي تم التوصل إليها هي الأهم منذ بداية الحرب لوضع البلد الفقير على سكة السلام، لكن تنفيذها على الأرض تعترضه صعوبات كبيرة، بينها انعدام الثقة بين الأطراف، وأجندة الحوثيين، المدعومين من إيران، ورغبتهم في استنساخ تجربة حزب الله اللبناني في اليمن.

وفشلت المفاوضات السابقة بسبب عدم التزام الحوثيين بالقرارات الأممية، والانسحاب من ميناء الحديدة الذي اتخذوه منفذا لتهريب الأسلحة والاستيلاء على كل المساعدات والتي قدمها التحالف العربي، لكن التقدم العسكري لقوات الشرعية والتحالف العربي وتعرض الحوثيين لضربات موجعة، وتراجع رقعة الأراضي التي سيطروا عليها، كما التنازلات التي قدمها من أجل إنجاح محادثات ستوكهولم رغم بعض النقائص والسلبيات، تضع الحوثيين، والأمم المتحدة أمام مسؤولية ما سيأتي في الأيام القادمة.

وشدّد مصدر التحالف العربي على أن التحالف «لا نية لديه لخرق الاتفاق، وسيقوم بكل ما بوسعه لاحترامه»، متوقعا «أن يقوم الحوثيون بنشاطات تهدف إلى استدراج ردود فعل كونهم يمرّون بأضعف مراحلهم».
ويتطلع اليمنيون الذين أنهكتهم الحرب، إلى تنفيذ الاتفاق وهم يتابعون بقلق استمرار الضربات العسكرية وسط تساؤلات منهكة حول مدى إمكانية نجاح الهدنة والاتفاق وعودة الشرعية إلى مدينة الحديدة وإنهاء سيطرة الحوثيين على مينائها كخطوة للمساعدة في رفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني وإيصال المساعدات.

وعشية دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، لم تتوقف الاشتباكات. وأمس الأول الإثنين، قال اثنان من السكان في تصريحات صحافية، إن الاشتباكات المتقطعة تسمع عند الأطراف الشرقية والجنوبية للمدينة المطلة على البحر الأحمر، وأن القوات الموالية للحكومة والمتمردين الحوثيين يتبادلون القصف المدفعي. وأكد مسؤول في القوات الموالية للحكومة الاشتباكات المتقطعة والقصف المدفعي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى