«حقول الموت» باليمن كارثة إنسانية..

> «الأيام» عن العربي

> كارثة أخرى من الكوارث الإنسانية في اليمن.. إنها “الألغام” التي زرعتها مليشيات الحوثي في كل مكان بالأراضي اليمنية بعد أن اندحرت الميليشيات من عدن، وعدد من المحافظات الجنوبية، فراحت تزرع الألغام بكثافة في المواقع التي طردوا منها، لتخلف وراءها حقول الموت، حصد نتائجها اليمنيون ما بين 1593 قتيلا و1413 مصابا (بحسب وزارة حقوق الإنسان اليمنية).


أشكال مختلفة للألغام
 ويقول الأهالي إن الحوثيين والقوات المتحالفة معهم زرعوا ألغاما مضادة للمركبات، وألغاما مضادة للأفراد في منطقتهم، في لحج وعلى الطرق المؤدية إليها من المحافظات الأخرى، فيما يقدر خبراء المركز الوطني لمكافحة ونزع الألغام عدد ما زرعه الحوثيون بأكثر من 40 ألف لغم في محافظات عدن، والضالع، ولحج، وأبين، بينما إجمالي ما نُزع من الأراضي اليمنية 200 ألف لغم، حسب تقديرات تحالف رصد لانتهاكات حقوق الإنسان، وما تم نزعه حتى الآن 226209 من ألغام وعبوات ناسفة وأجسام غريبة وقذائف في المحافظات الجنوبية والساحل الغربي، وهي مناطق تتركز فيها الانفجارات، حسب تقديرات البرنامج الوطني لنزع الألغام، التابع لمجلس الوزراء اليمني.

تختلف تقديرات الجهات المختلفة لعدد ضحايا الألغام سواء قتلى أو جرحى، فمن جانبه أكد التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان (تحالف رصد)، أن الألغام التي زرعتها مليشيا الحوثي الإنقلابية قتلت ما يفوق 115 مدنياً بينهم 25 طفلاً وأصابت 92 آخرين بينهم 13 طفلًا خلال الخمس أشهر الأولى من العام الجاري 2018، مشيرًا إلى أن المليشيا الحوثية مستمرة في زرع الألغام حالياً في محافظة الحديدة.

وبحسب تقديرات وزارة الصحة اليمنية 3400 حالة تحتاج إلى أطراف صناعية نتيجة الألغام والقذائف أيضا، بينما قدر البرنامج الوطني لمكافحة ونزع الألغام عدد الضحايا في المناطق الجنوبية والساحل الغربي بـ 1236، منهم 468 طفلا، بينما الإصابات 1884، منهم 645 طفلا.

مآسي ضحايا الألغام
كثيرة هي القصص المحزنة التي سمعناها أو علمنا بها لضحايا كارثة الألغام، وحسبما أخبرنا الدكتور باعوم، وهو من أبناء محافظة شبوة، أنه بعد تحرير مديرية بيحان هناك كان لديه أربعة أصدقاء يعملون في حقول الألغام، وذات يوم انفجرت فيهم الألغام وماتوا سويا متجاورين، كذلك عند عودة سكان الجحملية وثعبات في مدينة تعز إلى منازلهم بعد أن تم تحريرها انفجرت بهم ألغام أثناء فتح أبواب منازلهم، أو في الطريق المؤدي لمنازلهم، مما أحدث حالات وفيات وإصابات، وحتى الآن مازالت منازلهم مهجورة رغم تحريرها.

ومن بين الضحايا التقينا عبدالواحد قاسم الوفي، ابن الحادية عشرة عاما، الذي فقد ذراعيه وإحدى ساقيه في انفجار لغم فوجئ به بجوار منزل الأسرة، وتركه عاجزا عن استكمال حياته بصورة طبيعية، تحدث إلينا والدموع تملأ عينيه: «خرجت في صبحية مع جدتي عشان أساعدها فى رعاية الغنم فى منطقة نهم بالقرب من منزلي، وأنا ماشي أجري وراء خروف عشان أجيبه فدعست على لغم وانفجر، فقطع نصف قدمي وشظايا في ساقي، ولما وقعت للأمام مسنود بيدي انفجر لغم تاني قطع يدي الاتنين، وفجأة لقيت كل حتة فيا بتنزل دم».

يستكمل عبد الواحد: «ما حسيتش بنفسى إلا ولقيت الحوثيين ودوني مستشفى في صنعاء، قطعوا اللي تبقى من مكان الإصابة، لكن ما خرجوش الشظايا من جسمي وبعد شهر خرجت ورحت للمستشفى العسكري في مأرب وكملت العلاج»، وواصل مأساته: «الألم مش من الجرح لكن لأني مش بقدر أكتب ولا ألعب ولا أجري زي الناس.. رجعت أستني أمي تأكلني»، مشيرا إلى أنه في مركز الملك سلمان للأطراف الصناعية تم عمل قدم صناعية له، وتابع: «مستني اليدين الصناعيتين، وفيه ناس كثير في المركز برضو مستنية زيي»، مضيفا: «عاوز أغطي منظر إيدي عشان العيال ما تخافش مني، حتى لو مش زي الحقيقيين أنا هغطيهم بالكوت والقميص محدش هيعرف”.

يقول عبد الواحد: «ميليشيات الحوثى قالوا لجدتي إنها جاسوسة تقدم معلومات للشرعية، ومنعوها من الرعي في المنطقة، ومنعوها من الخروج من المنزل، وطلبوا منها أن انضم للمجندين».
وفي نهاية حديثه وجه عبدالواحد تساؤلا للحوثيين: “بتعملوا فينا كده ليه؟!”.

عبدالواحد حالة ضحية جنت ثمار حقول الشر أتى زرعتها الميليشا إلى جانب 164 طفلا قتلتهم الألغام منذ بداية الحرب فى 2015 حتى الآن، طبقا لإحصائيات تحالف رصد للحقوق والحريات، وهو واحد من بين 75 طفلا أصيبوا بإعاقات دائمة من أبناء محافظة مأرب بسبب ألغام الحوثيين، وهى المحافظة التى قتل فيها أيضا 29 طفلا بسبب الألغام منذ اندلاع الحرب فى المحافظة، وذلك حسب إحصائيات رسمية فى تقرير لمكتب حقوق الإنسان بالمحافظة.


 اللغم فى القمامة
عبده الراجحي، 10 أعوام، بترت ساقه اليسرى وأجزاء من اليدين، لكن قصته مختلفة، فقد وجد اللغم أو وجده اللغم بين القمامة، وبحسب الطبيب المعالج هايل عبدالله الميدانى: «عبده من أبناء مدينة حيس التابعة للحديدة، وهو نازح مع أمه وأبيه فى قرية شرق مدينة الخوخة، أخذ الطفل اللغم الملقى فى وسط القمامة أمام المنزل، حمله إلى منزله دون أن يدرى خطورته، وأخذ يلعب باللغم بين يديه حتى انفجر به، فأصيب بشظايا بالفخذين اليمنى واليسرى والبطن والذراعين، وأمه كانت مصابة بشظايا فى الفك، وأتوا به إلى المستشفى الميدانى فى الخوخة، فلا توجد مستشفيات أساسية فى المنطقة، كل ما يوجد هو مراكز طفولة وتغذية، ونحن فتحنا هذا المستشفى بجهود ذاتية، فعملنا للطفل الإسعافات اللازمة».

يستكمل الدكتور هايل حديثه قائلا: ما لفت نظرى فى هذا الطفل أنه رغم خطورة إصابته، فإننى سمعته يهمس لأمه «أنا بخير لا تخافي اطمني».
وبحنجرة مذبوحة وأنفاس متقطعة وقوى منهارة راح الطفل يصرخ قائلا: «اللهم اشفنى.. اللهم اشفِ أمى.. دمر الحوثة.. أمي أمي»، وبعدها فقد الوعى وسقط مغشيا عليه.

تسبب لغم فى بتر إحدى قدميه، لكنه تمسك بدوره فى الدفاع عن وطنه، يسرد عبدالله محمد الصعب قصته قائلا: «أنا عمري 21 سنة، كنت طالب فى الجامعة وبشتغل عامل عشان أصرف على أسرتى اللى كانت تعتمد عليا فى رزقهم، أول ما سمعت إن الحوثيين دخلوا يهاجمونا، والبلاد محتاجة شبابها، وقتها من غير ما أفكر وقفنا وقفة رجل واحد أنا وإخوانا المجاهدين وصدينا هجمات العدو أيام كتيرة، والحمد لله لكن كان يقع منا قتلى وجرحى».

يستكمل عبدالله بلهجته البدوية: «وبعدها قمنا بهجمات وسيطرنا على مواقع لهم، وبعده المتحوثين قاموا بتفجير المنزل حقنا، وفي أحد الأيام وأنا ماشي للجبهة دعست لغم في الطريق على شكل حجر وسط الأحجار في المنطقة الجبلية، والإصابة كانت شديدة، فبترت رجلي اليمنى، وعملت عملية قعدت بعدها فى المستشفى ثلاثة أيام، وكان وقتها فيه تقدمات لنا، ما قدرت أصبر بالمستشفى، وقمت أخرج وطلعت الجبهات عند إخوانى المجاهدين بعد ثالث يوم من بتر رجلى، وجلست أداوم الحرب معهم برجل واحدة».

يواصل عبدالله: «بعدها قام فاعل خير بتزويجي وكنت فرحان أني أتزوجت، بعد ما تفجر بيتنا وبترت رجلي صار وضعي أنا وأهلي صعبا بلا مورد رزق، ورزقت بمولود قبل شهر ونصف وزادت المسؤولية عليا».


دليلة.. إحدى ضحايا الألغام
المرأة اليمنية تحملت جزءا كبيرا من المعاناة في ظل الحرب الدائرة، فهي أم الشهيد، وأم المصاب، وواحدة من ضحايا الألغام أيضا.. دليلة عبده محمد مقبل واحدة من بين ضحايا ألغام زرعها الحوثي، فى العشرينيات من عمرها، ولكن الحزن أضاف على عمرها أعمارا أخرى، ورسمت الحرب خطوطا عميقة بوجهها، تجعلك تظن أنها في مرحلة الشيخوخة، وتحكي لنا قصتها فتقول: «أنا من صبر الموادم، منطقة الشقب، شاء القدر أن تكون منطقتنا ساحة حرب، فاضطررنا للنزوح إلى منطقة أخرى، ولكن انعدام الدخل لدى أسرتي لم يجعلنا نستمر بالعيش في المدينة، فأجبرتنا الظروف للعودة إلى منزلنا في المنطقة المهدمة جراء الصواريخ الواقعة عليها، ولم نعلم ما يخفيه القدر حينها، فإذا أنت في حرب فلا تضمن يومك».

واصلت دليلة وهي تغالب دموعها: «في أحد الأيام زي عادتنا اليومية نخرج لجلب الماء رغم الخوف الشديد من القناصة المتمركزين أعلى الجبل الذي نسكن فيه «صبر»، ولم نعلم أن هناك ألغاما قد زرعها أعداء الله الحوثيون، دعست على واحد وأنا ماشية، وفجأة نزفت دم كثير وجلست مدة لحد ما لقيت اللي يوديني مستشفى، صعقت لما عرفت أن قدمي بترت، فصرت طريحة الفراش ورضيت بما كتبه الله، وتشردنا إلى المدينة مع أبي العاجز، فلم يملك أي دخل وحتى أخي هو الآخر يعاني من مرض فى صمامات القلب، فقد كان دخلنا الرئيسى من المحاصيل الزراعية، لكننا لم نستطع الوصول إلى الأرض المزروعة بسبب تمركز الحوثيين فيها، ونعيش حاليا في المدينة معتمدين على فاعلي الخير، وأحيانا لا يتوفر لنا القوت الضروري اليومي.. وجع وألم وتشريد ونزوح قسرى، وأسرتي أغلبها جرحى، ومنهم من فارقوا الحياة بطلقة قناص خبيثة ومنهم بشظايا القذائف».

الموت فى حقل ألغام
 على طريق محافظة لحج، يوجد أحد حقول الألغام التي يعمل بها فريق لمحاولة القضاء على ما بها من متفجرات، فأكد لنا المشرف على فريق العمل، فضل أحمد، أن الحوثيين زرعوا كثيرا من الأراضى اليمنية بالألغام، وحدثت نتيجة لذلك حالات إصابات كثيرة. مضيفا: هناك سيارتان انفجرتا على هذا الطريق جراء الألغام، وكانت إحداهما تقلّ أسرة من طفلين وأب وأم، وكثير من الشباب فقدوا أطرافهم جراء انفجارات ألغام، لأن الطرق هنا من الصعب تمييزها بين الآمن أو الملغم، ولا توجد لوحات إرشادية، والناس يعتمدون على من لهم خبرة بالطرق والمناطق الملغمة.

وأوضح أن نزع الألغام يعتمد على خريطة للحقول، وهو ما لم يسلمه الحوثيون، مضيفا أن الأمر يحتاج لفريق مدرب جيدا، وموازنة لتوفير أجهزة كشف ألغام حديثة، وأحدثها بالأقمار الصناعية يمكن كشفها، وسيارات وأجهزة عاكسة وغيرها.


 الألغام تتركز فى الجنوب
ويوضح علي الشاعري، منسق بالبرنامج الوطني لنزع الألغام باليمن، أن الألغام تتركز في المناطق الجنوبية والساحل الغربي، والتي تشمل المخاء وذوباب والخوخة وحيس والوازعية والبيضاء ومأرب وباب المندب وشبوة «عسيلان وبيحان»، وفي لحج خاصة مديريتى طور الباحة والمضاربة، وسكانها أكثر تعرضا للإصابة بالألغام، لأنهم رعاة أغنام. وتابع: هناك أجزاء من الضالع والحديدة وأبين ولحج وعدن موبوءة بالألغام، ولم يتم مسحها فهي شديدة الخطورة، ولا توجد المعدات الكافية للتعامل معها، والأمم المتحدة المسؤولة عن مواجهة هذه الأزمة، لأنهم اعتمدوا مبالغ كبيرة وأعطوها للحوثيين لنزع الألغام، وهذا غير منطقي، فمن زرعها كيف ينزعها، فهم يزرعون بها المزيد من الحقول، ولم يسلّم الحوثيون للأمم المتحدة أو للحكومة الشرعية خريطة بأماكن تلك الألغام، والحكومة الشرعية المنوط بها التخاطب مع الأمم المتحدة فى هذا الشأن.

وأوضح الشاعري أن الأمم المتحدة، ممثلة في البرنامج الإنمائي، تقدم مساعدات فقط ضمن البرنامج الطارئ للوقود، ونفقات علاوة على الغذاء لفرق المسح والتطهير، ولفرق أفراد المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام في عدن وحضرموت، مشيرا إلى أن منظمة اليونيسف تموّل حملات توعية بمخاطر الألغام، ووصل عدد من تم استهدافهم بتلك الحملات 700698، منهم 566290 من طلاب المدارس الأطفال، وتدريب 655 ناشطا للتوعية.

فيما يؤكد الدكتور عرفات حمران، رئيس منظمة رصد للحقوق والحريات وانتهاكات حقوق الإنسان، أن دور الأمم المتحدة سلبي، فلم تستطع إلزام ميليشيا الحوثي بالتوقف عن زرع الألغام، ولم تضغط عليهم لتسليم خرائط زرع الألغام، بل قامت بدعم الميليشيا بـ 160 مليون دولار، من المفترض لبرنامج لنزع الألغام دون ضمانات، أو منظمة وسيطة محلية، مثلما تطبق الأمم المتحدة في برامجها من هذا النوع، مما أثار كثيرا من التساؤلات حول مهادنتها لهذه الميليشيا، وهو ما يخالف قيم الأمم المتحدة ومواثيقها الدولية.

ويعود الدكتور عرفات حمران ليؤكد أن الحوثيين زرعوا ما يقارب 500 ألف لغم تحت الأرض، تم نزع 200 ألف بعد جهود كبيرة قام بها الجيش الوطني وقوات التحالف، بقيادة المملكة السعودية، وهم يقومون بدور أساسي لأن نزعها يتطلب تمويلات كبيرة، واليمن يعيش ظروفا اقتصادية صعبة، كما تم زرع ما يقارب 50 ألف لغم بالحدود اليمنية السعودية، وأيضا تم زرع ألغام بحرية قريبة من ميناء الحديدة تهدد الملاحة الدولية، مشيرا إلى أن الإمارات قدمت عربات كاسحة للألغام ومتطورة ساعدت على نزع كثير منها، كما قدمت تدريبات لفرق هندسية يمنية، وأيضا قام مهندسو ألغام في مأرب بابتكار تركيبة محلية الصنع تعمل على نزع الألغام، وساعد الجيش الوطني بعملية نزع وإتلاف الألغام.

الألغام فى تعز
 العميد ركن طاهر حميد، رئيس شعبة الهندسة العسكرية بتعز وخبير نزع الألغام، يقول إنه عقب توقيع اليمن على بروتوكول مكافحة الألغام ضمن عدد من الدول فى لاهاي عام 2012، ظهرت الألغام فى محافظتي أبين وعدن، وأدت إلى قتل أعداد من المواطنين، وتفاقمت الأزمة في 2015 بحصار الميليشيا الحوثية لمحافظات اليمن، وراحت تدس ألغامها في كل شبر يتم تسليمه للقوات الشرعية، وتعاني اليوم محافظات مثل الضالع والجوف ومأرب ولحج وأبين، لكن تعز وحجة والساحل الغربي من حجة شمالا إلى باب المندب في محافظة تعز جنوبا هي الأكثر تضررا، ففي تعز على سبيل المثال توجد 750 حالة بتر أطراف، و350 حالة وفاة، طبقا لبيانات المنظمة الدولية لحقوق الإنسان.

مشروع «مسام»
 ضمن جهود نزع الألغام الحوثية أطلقت المملكة العربية السعودية في يونيو من عام 2018 مشروع “مسام” للمساهمة في نزع الألغام جنبا إلى جنب مع جهود الجيش اليمني.. وقد تمكن خلال الفترة من يونيو حتى نهاية ديسمبر الماضي من انتزاع  2,534 لغمًا منها 64 لغمًا مضادًا للأفراد، و1,430 لغمًا مضادًا للآليات، و85 عبوة ناسفة، و955 ذخيرة غير منفجرة.
عن (اليوم السابع)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى