المملاح بعدن.. من رافد اقتصادي هام إلى قبلة للفاسدين

> مهتمون: البسط على أراضي المملاح خلفه جهات نافذة

> ​ تقرير/ سليم المعمري

 يُعد قطاع الملح في عدن معلماً وصرحاً اقتصادياً هاماً ارتبط بذاكرة عدن الاقتصادية والتجارية والسياحية، إذ تعد صناعة الملح في عدن هي الأولى على مستوى الوطن والجزيرة والخليج العربي، فقد تأسست عام 1886م أي في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.
والملح كان يمثل نعمة كبيرة على المدينة حيث كانت تدر إلى خزينة الدولة ملايين الدولارات، ولكنها أصبحت مؤخراً أثرًا بعد عين نتيجة النهب المستمر والممنهج لأراضي المملاح في ظل الصمت والتراخي من قِبل السلطة المحلية والجهات المعنية تجاه إعصار الناهبين والباسطين عليه.

تعدٍّ على أراضي الدولة
وحمّل ناشطون ومحامون مسؤولية ما تتعرض له أراضي المملاح المحافظ أحمد سالم رُبيع، فيما تساءل آخرون عن سبب غياب دور الهيئة العليا لمكافحة الفساد.
وقال المواطن سعيد مكاوي، في حديثه لـ «الأيام»: نقول للنائب العام إن التعدي على أراضي الدولة يُعد جريمة استنادًا إلى المادة 46 من قانون أراضي وعقارات الدولة. وأضاف متسائلاً: «أين تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بشأن المملاح؟ وأين هيئة أراضي وعقارات الدولة بعدن ومسؤولو المحافظة مما يحدث في هذا القطاع من بسط ونهب لأراضيه؟».

غياب الدولة
فضل الجونة
فضل الجونة
وأكد مدير إدارة الإعلام بمكتب الشباب والرياضة بعدن، فضل الجونة، أن البسط والنهب الذي طال أراضي هذه المنطقة يعود إلى غياب الدولة وأجهزتها الأمنية.
وقال: «شهدت السنوات الأخيرة حالة من الفوضى ومنها البناء العشوائي في الأماكن العامة، والمؤسف أن الأجهزة المعنية غائبة عن أداء مهامها في حماية الممتلكات العامة وضبط العناصر الباسطة التي عبثت بتلك الأراضي ضاربة عرض الحائط مصلحة الوطن العليا، ومثل هذه الاعتداءات تعد جريمة بحق عدن والوطن، والمؤسف بأن هؤلاء الباسطين والناهبين استغلوا غياب الدولة خلال هذه المرحلة المعقدة والعصبية التي يمر بها الوطن، ولا نستبعد أن يكون وراء ذلك البسط على أراضي المملاح جهات متنفذة وعلى طريقة حاميها حراميها، وهذا بدون شك أكيد لأنه لا يمكن لأي شخص أن يتجرأ ويعتدي على تلك الأراضي».

وأضاف في تصريحه لـ «الأيام» نقولها بصراحة: «إن الأجهزة الأمنية بعدن هي من تتحمل المسئولية الكاملة في ما حدث لهذه الأراضي وبقية الأراضي والمساحات العامة التي تم البسط عليها مستغلين غياب المنظومة الأمنية، ولهذا نتوجه بنداء عاجل إلى الجهات الرسمية في قيادة المحافظة والأجهزة الأمنية لحماية أراضي الدولة والمصالح العامة، وهذه مسئولية تقع على عاتقهم حتى لا تتوسع عملية البسط، والتي صارت موضة هذه الأيام، للعناصر العابثة التي لا هم لها سوى البحث عن المكاسب الخاصة، وأملنا من منظمات المجتمع المدني أن تلعب الدور الكبير في فضح كل من ينهب ويبسط على ممتلكات الدولة، مع تركيز نشاطهم بهذا الاتجاه للحفاظ على أراضي المملاح التي تعد ذات أهمية اقتصادية تستفيد منها البلد».

المس بهوية المدينة
وقال علي النقي، وهو صحفي وناشط حقوقي: «أراضي المملاح ليست وحدها التي تنهب في عدن عامة ولكن ما يميزها عن بقية الأراضي المنهوبة هي قيمتها التاريخية كمعلم من معالم عدن ورمزيتها الدالة على تاريخ المدينة العريق».
وتابع «نهب هذه الأراضي يُعد انتهاكا واضحا وفاضحا للقانون والدستور وحماية المعالم التاريخية، وبكل أسف ما يحدث يمس صميم هوية المدنية وطمس معالمها التاريخية، والسؤال؛ من المستفيد؟».

وتساءل النقي في تصريحه لـ «الأيام» أين دور أجهزة الأمن ومن يزعمون أنهم حماة لعدن؟. مضيفاً «بكل أسف الكل شريك الجهات الرسمية، وكذا ما يعرف بقوى الأمر الواقع التي تتلقى تمويلها من الخارج، ولهذا فإن المسؤولية الأخلاقية والقانونية تقع على الجميع دون استثناء، والأكيد أن التاريخ منصف إن غاب الإنصاف الآن ومنصف لدرجة تعرية وكشف المستور والمسكوت عنه».

استغلال للوضع القائم
وضاح بن عسكر
وضاح بن عسكر
من جهته، تحدث وضاح بن عسكر، وهو ناشط مدني، عمّا تتعرض له أراضي المملاح من نهب بالقول: «استغل الفاسدون المتنفذون وبعض التجار الجشعين الفرصة التي تمر بها البلاد والظروف التي تعيشها المحافظات الجنوبية ومدينة عدن بشكل خاص بحكم موقعها الإستراتيجي للبسط على عدد من الأراضي الحكومية والأماكن العامة، ولهذا يتوجب على الجهات المختصة والجهات الأمنية أن يكون لها وقفة قوية تجاه ما يجري وألّا تكن جزءاً من المشكلة، كما يتوجب عليها منع البسط على أراضي الدولة ومحاسبة الناهبين مهما كان اسمه أو صفته، وذلك بتطبيق الإجراءات الصارمة لإزالة حالة البسط والبناء العشوائي وإيقاف العمل بالمساحات الواسعة.

نافذون في الدولة
شبيب الطاهر
شبيب الطاهر
وأكد المحامي والناشط الحقوقي، شبيب جلال إسماعيل، بأن أكبر أعمال البسط على الأراضي في تاريخ محافظة عدن شهدتها الأراضي التابعة إلى ملكية مؤسسة قطاع الملح إضافة إلى الممتلكات العامة الأخرى، والتي أجزاء منها السواحل والمتنفسات البحرية والمحميات المائية، ونحن بصفتنا محامون وناشطون حقوقيون قمنا بتوثيق أعمال البسط والنهب ومن ثم إرسال مناشدات للجهات المعنية ورفع قضايا نظرة أمام المحاكم الوطنية، وتعدى ذلك إلى وقفات احتجاجية، ولكن كل الأعمال والممارسات القانونية لم تؤدِ إلى نتيجة ملموسة في ظل انتشار للفساد وأعمال النهب وخصوصا أن أغلب من يقوم على بسط أراضي الدولة هم متنفذون من ذوي العلاقة برجال الدولة، ومنها ما طالها أعمال البسط والبناء العشوائي من قِبل المتنفذين، والتي طالت أجزاء واسعة من أراضي المملاح بدءًا بأعمال ردم واسعة تمثلت برمي مخلفات البناء في أطراف أحواض المملاح من جهتين: الأولى من جهة جولة سوزوكي وصولا إلى الصولبان، والأخرى من جهة جولة سوزوكي أيضًا وصولًا إلى قرب محطة العصيمي بأطراف المطار وأجزاء أخرى متفرقة من أراضي مؤسسة الملح، وعادة ما يتم بعد أعمال الردم هذه بناء أحواش لمعارض سيارات وهناجر، والمؤسف أن هذا يحدث أمام مرأى ومسمع الجميع.

وأكد المحامي إسماعيل في تصريحه لـ «الأيام» لقد حاولنا مراراً وتكراراً توضيح أهمية المحافظة على موقع المملاح ليس فقط من الناحية التاريخية والاقتصادية فحسب بل وأيضًا من الناحية البيئية، وأهمية الدور الذي يلعبه في إحداث التوازن البيئي للمنطقة المحيطة به بشكل عام، وذلك من خلال الوقفات الاحتجاجية واللقاءات والمشاورات مع المعنيين لوقف أعمال البسط والبناء ضمن أراضي المملاح وتوضيح الأضرار التي يمكن أن يلحقه استمرار تلك الأعمال.

وبشكل عام تظهر تأثيرات المد البحري العالي على خليج التواهي والمناطق المحيطة به في ظل توقف الدور الذي يلعبه المملاح من احتواء ارتفاعات المد وتقليص نسبة المياه المرتفعة في سواحل عدن، كما تسبب هذه الأعمال على تدمير بيوت الكائنات البحرية التي تعيش في المستنقعات والأراضي الرطبة للمملاح وتناقص عددها مما يشير إلى استحداث خلل بيئي له تأثيرات سلبية، ومع هذا ما زلنا من موقعنا كمحامين وناشطين حقوقيين نناشد وندعو كل الجهات المعنية بأن تتصدى لكل أعمال البسط الي تطول الأراضي الرطبة في هذه المنطقة والمتنفسات وكل أراضي الدولة، ومحاسبة العابثين واسترجاع ممتلكات الدولة والمؤسسات الرسمية والممتلكات العامة.

غياب الدولة
سعيد الشيباني
سعيد الشيباني
فيما قال سعيد الشيباني، نائب مدير عام موقع «حقوق» القانوني: «حينما سمعت ما حدث في أراضي المملاح لم أتفاجأ أبدًا لكون هناك دومًا أيادٍ خبيثة تعمل في الأزمات للتدمير وليس للبناء وهم (هوامير) الأراضي والبقع، فالذي يحدث الآن نتيجة متوقعة لغياب دولة النظام والقانون.
ولا يخفى أيضاً على أحد بأن هناك من الأراضي ما تم نهبها وبيعها بدون أية أوراق قانونية، ونؤكد بأن هؤلاء سيولون هاربين عند إقامة دولة النظام والقانون وسيتحملون نتائج هذا التصرف غير القانوني».


وأكد الشيباني بأن التصرف في أراضي المملاح التي تدعم خزينة الدولة بأكثر من 2 مليار ريال سنويًا يُعد جريمة بحق ذاتها وتصرف غير قانوني وغير شرعي.

اعتداءات متكررة
بسام البان
بسام البان
وحمّل بسام البان، رئيس تحرير موقع «صوت الشعب» الإخباري، المؤسسة الاقتصادية ممثلة بمديرها سامي السعيدي المسؤولية بشكل رئيسي تجاه ما يحدث من عمليات بسط واعتداءات متكررة لأراضي المملاح.
ولفت البان في تصريحه لـ «الأيام» إلى أن أسباب عمليات البسط تعود لضعف في الإدارة وعدم وجود نية صادقة من قِبل الجهات المسئولة والأجهزة الأمنية لمنع أي أعمال بسط يقوم بها المتنفذون أو المسئولون أو القيادات في السلك العسكري والأمني.

نبيل المغلس
نبيل المغلس
وكما حمّل المواطن، نبيل سعيد المغلس، السلطة المحلية ممثلة بالمحافظ أحمد سالمين ربيع، مسؤولية ما يحدث في المملاح من بسط  وبناء عشوائي.. وقال: «المطلوب من المحافظ ليس تحرير مكان ما بل نريد منه الوقوف بقوة من خلال سلطته المحلية والأمنية بإيقاف العبث الحاصل في المملاح».
وأضاف: «البناء العشوائي والرصف في أراضي المملاح يحدث أمام أعين الأشغال العامة والبلدية، التي فقد تستعرض بعضلاتها ضد أصحاب البسطات في الشوارع وتتجاهل بل تتغاضى عما يدور من بسط ونهب لأراضي المملاح».

 وأشار المغلس إلى أن ما يحدث من بسط ونهب يعود أيضا لحالة عدم الانضباط الأمني عبر بسط سلطتها على العاصمة عدن، والذي سيعمل على كبح هؤلاء القادمين إلى البسط والنهب ضد أراضي المملاح، التي أصبحت فريسة سهلة للبسط والاستيلاء عليها، ويرجع هذا لضعف الأمن وغياب القضاء.. مطالب منظمات المجتمع المدني بالتحشيد الشعبي للضغط على السلطات المحلية لإزالة البسط العشوائي في أراضي المملاح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى