مصنع معجون الطماطم (الفيوش) بلحج.. تدمير ممنهج

> تقرير/ هشام عطيري

> ما إن يذكر اسم منطقة الفيوش بمديرية تُبن محافظة لحج، حتى يتبادر للأذهان ذكر مصنع معجون الطماطم فيها إبان العهد المتميز لدولة الجنوب، حيث كانت منتوجاته تُغطي كافة المحافظات الجنوبية، وتحصل على إثرها على العديد من الجوائز العالمية الهامة، فضلاً عن إسهامه بتشجيع المزارعين في زيادة المساحات المزروعة من هذا المنتج لكسب مدخول نقدي جيد، دون أي خوف من كساده.
غير أن هذا المصنع، والذي اتخذ اسم «مصنع معجون الطماطم (الفيوش)»، تعرض كغيره من المصانع الجنوبية لسياسة الإيقاف والتدمير المُمنهج والمتبع من قِبل نظام صنعاء منذ وحدة عام 1990م.

إنهاء المصنع
وبدأت السياسة الإقصائية المتبعة ضده وفق مسؤولين بتشجيع الاستيراد الخارجي من منتوج الطماطم وبسعر أقل، ومن ثم إحالة موظفيه إلى وزارة المالية، فإحالتهم إجبارياً إلى الهيئة العامة للتأمينات قبل أن يبلغوا أحد الأجلين.
كما تعرضت العديد من آلاته للنهب بعد الوحدة وأخرى أصبحت خردة لا قيمة لها.


وطال هذا الإهمال المتعمد أيضاً المصانع الأخرى، بل طال كل المزارع كالخاصة بالأبقار وغيرها، وبطرق كثيرة ومتعددة.

أراضٍ فسيحة وخصبة
وتقع منطقة الفيوش بمنتهى وادي تُبن بفرعه الأصغر، وهي ذات أراضٍ فسيحة وواسعة ومنبسطة، وتربتها ليست بالقاسية أو اللينة الأمر الذي جعلها تمتاز بالتنوع الزراعي، كما أنها منطقة ذات عمق تاريخي قديم يتجلى بوضوح من خلال بقايا الياجور على تلالها الذي يدل على تاريخها المتغلغل في القدم.


ولكونها منطقة زراعية وصناعية اتجهت الدولة في الجنوب إليها، قبل الوحدة، وأنشأت فيها الكثير من المزارع وتعاونية ومزرعة للأبقار بالإضافة إلى مصنع معجون الطماطم، ومركز للتلقيح المختبري للأبقار للمحافظات المجاورة، وإنشاء معهد الجراد المعهد الزراعي التجاري (حديثاً).

تنوع المحاصيل
وأوضح المواطن أنور البقعي في حديثه لـ«الأيام» أن حصول هذه المنطقة على هذا التميز ناتج عن طبيعة أراضيها الخصبة، والمناسبة لزراعة الطماطم كمحصول أساسي، وكذا البصل والبطيخ والشمام والبامية والباذنجال والبسباس بنوعيه، والخيار والقطن والأعلاف بأنواعها، بالإضافة إلى الحبوب، والليمون الحناء، وتربية الحيوانات بجميع أنواعها، والدواجن، وتقدر مساحتها الزراعية سابقا بـ 6000 فدان.


توقف منذ عام 1993
فيما يؤكد أحد المسؤولين السابقين عن مصنع الطماطم بأن المصنع كان يمثل المنقذ الأساسي للمزارعين حين تشبع السوق بالطماطم، حيث يضطرون إلى تسويق منتوجهم إليه حتى يستقر السوق، وفق علاقة مستمرة بين المصنع والمزارع حتى توقف عن الإنتاج في عام 1993م بسبب ارتفاع الدولار وفتح السوق لاستيراد معجون طماطم «علب» بأحجام مختلفة، والتي كان خلالها المستورد يدفع ضريبة واحدة فقط، فيما المصنع يدفع ضريبة جمركية وضريبة إنتاج، وهو ما جعل تكلفة العلبة المستوردة من الخارج أقل ثمناً بكثير من العلبة المنتجة في المصنع، وهو ما تسبب بتوقفه ومن ثم إحالة موظفيه، والبالغ عددهم 202 موظفاً وموظفة، إلى وزارة المالية والتي تدفعت مرتباتهم حتى عام 2007م، حيث تم إحالتهم إجباريًا إلى الهيئة العامة للتأمينات قبل أن يبلغوا سن التقاعد أكانت خدمة أو سناً، وكان هناك توجه لإعادة نشاطه بعام 2008م، ولكن السلطة المحلية بالمحافظة آنذاك كانت هي السبب في تدهوره وإنهائه، حيث تقدمت مجموعة من المستثمرين مرتين عبر المزاد العلني من خلال الصحف، وحضر المستثمرون غير أن السلطة المحلية كانت هي من تعيق عملية الاستثمار للمستثمرين، الذين تقدموا بعروض لتشغيله، وهو ما أدى إلى إلغاءهم لعرضهم، ليصبح المصنع فيما بعد معرضًا للنهب والسرقة حتى انتهى وصولاً إلى توزيع أرضه على المدعيّن بالملكية بدون علم السلطة المحلية إلى يومنا هذا.
وأكد المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن تخلي السلطة المحلية بالمحافظة عن المصنع كان بإيعاز من السلطة في صنعاء لإيصاله إلى الحال الذي هو عليه الآن بعد أن كان يغطي 30 % من السوق في المناطق الجنوبية.


تدهور كبير
انتهاء المصنع وتسريح عمله لم يكن هو النكبة الوحيدة التي تتعرض لها منطقة الفيوش؛ بل شهدت تدهوراً كبيراً في المجال الزراعي حيث تم تحويل مئات الفدانات من الأراضي الزراعية إلى أراضي سكنية، لينتهي على إثرها عهد الازدهار، الذي عاشته المنطقة ومزارعوها الذين حاولوا جاهدين الحفاظ على تاريخهم الزراعي مما يجري من تدهور غير مسبوق لأراضيهم الخصبة، كما انتهت من قبل كل التعاونيات الزراعية والحيوانية ومزارع الأبقار التي كانت ترفد مصنع الألبان بكميات كبيرة من الألبان الطازجة.


القضاء على مزارع إنتاج الألبان
ويوضح أحمد سعيد علي، وهو أحد العاملين في «البيطرة» سابقاً، أن الإنتاج في البيطرة من الألبان في الماضي كان يتراوح ما بين 1600 إلى 2200 لتر، إنتاج خمس مزارع يغطي معظم مناطق الجنوب بـ «الألبان» المبسترة، فضلاً عن اللحوم المصدرة من مزارع «الجراد» إلى مختلف المسالخ، وكل هذا تم القضاء عليه، وحالياً تعاني هذه الأراضي من بدء عملية التصحر للعديد منها، مع توسع البناء العمراني في المنطقة دون حسيب أو رقيب من قِبل الجهات المختصة، ومن أسباب تدهور الزراعية فيها هو عدم وصول مياه السيول إليها منذ سنوات عديدة نتيجة انتهاء العديد من ممرات (قنوات) مياه السيول، وهذا ينذر أيضاً بكارثة على مناطق بالفيوش -إذا سمح الله- إذا ما تدفقت السيول ووصلت إليها لعدم وجود قنوات لتصريف المياه لمواقعها المخصصة.


الحاجة لتدخلات عاجلة
ويؤكد الشيخ، خالد الجبيلي لـ «الأيام»، أن الفيوش والمناطق المجاورة لها تحتاج في الوقت الحالي إلى تدخلات في العديد من المجالات لاسيما الزراعية، وتقديم المساعدة للمواطنين من خلال برامج من شأنها أن تساهم في التطوير المجتمع وإنشاء العديد من المشاريع للحفاظ على الرقعة الزراعية فيها.


ويوضح، المواطن أصيل أحمد بن أحمد، أن الزحف العمراني المتزايد على الأراضي الزراعية بات يهدد الإنتاج الزراعي وقوت الفلاحين من المنتوجات الزراعية، مؤكداً بأن ما تشهده هذه المنطقة تستهدف بدرجة رئيسة تاريخ لحج الزراعي عبر بيع أراضيها بأثمان بخسة.
وأضاف: «من المشكلات التي تواجه المزارعين تتمثل بشبح الرمال المتحركة الزاحفة على أراضيهم نتيجة لنقص تدفق مياه السيول، والتي أدت بالتالي إلى نضوب مياه الآبار وعزوف الفلاحين عن الزراعة.

جمعيات خاصة
وتوجد في هذه المنطقة خمس جمعيات لمستخدمي المياه تساهم في تنظيم عملية الري للسيول وتوزيعها على المزارعين غير أن هذه السيول لم تجد طريقها إلى المنطقة منذ عقود مضت، فيما أنشئت خلال الفترة القريبة جمعية زراعية تحت مسمى «جمعية سد المنتصر التعاونية الزراعية» وهي بحسب المسؤولين فيها جمعية متعددة الأغراض وتعمل على نقل هموم وقضايا المزارعين إلى جهات ذات الاختصاص والعلاقة للمساهمة بحلها إضافة إلى عمل برامج إرشادية ميدانية وإعلامية وعمل دراسات وخطط مستقبلية، وإنشاء أول «مشتل» مصغر بالمنطقة ومعمل للحناء، والعمل على إدخال منظومة ري حديثة للمنطقة وإحلال الطاقة الشمسية كأساس للبنية المستدامة.


أسباب كثيرة
وأوضح ميثاق العروبة، ماجستير تربية تخصص أحياء نبات، أن الفيوش تُعد من أغنى المناطق التي تميزت بنشاط زراعي كبير وعالٍ، واتسمت مساحاتها الخضراء بكثرة الإنتاج الزراعي وجودته خلال فترات طويلة بل إنها كانت في أوقات كثيرة مصدر مهم للسوق المحلية والخارجية، ولتاريخها العريق في المجال الزراعي أنشئت كثير من مزارع الدولة بها فترة السبعينات وتنوعت تلك المزارع من حيث التخصص فمنها المخصصة لإنتاج الأعلاف، والتي كانت مزود رئيسي لمزرعة تربية الأبقار والعجول والأغنام في الفيوش، ومنها ما كان مورد لمصنع معجون الطماطم الشهير، ومنها كان للأسواق المحلية، وخلال الفترة الأخيرة حصلت كثير من التغيرات البشرية والبيئية ساهمت بشكل في تغيير الخارطة الزراعية في القرية ابتدأت بانحسار المساحة المزروعة نتيجة عدة عوامل؛ منها: تدهور الأراضي الصالحة للزراعة بسبب عزوف المزارعين وعدم قدرتهم على مواكبة متطلبات الزراعة من ارتفاع أسعار المشتقات النفطية أو صعوبة الحصول على المياه وارتفاع أسعار البذور والأسمدة والمبيدات، وكذا انقطاع الري السيلي لفترات متواصلة لانعدام عدالة التوزيع في حصص كل وادي من مياه السيول الموسمية، ونحن تقريباً في نهاية دلتا تبن من الوادي الصغير، بالإضافة إلى أن كثيراً من الأراضي تحولت إلى مخططات سكنية وفضّل كثير المزارعين بيعها، وعطفاً على ذلك فقدت كثير من الأسر مصادرها المعيشية وخصوصًا المعتمدين على الزراعة أو الإنتاج الحيواني كمصدر رزق أساسي، وهذا بدوره أوجد بطالة وفقر وزادت المشكلة مع تعرض الناس لبيع أصولهم لمواكبة متطلبات الحياة وفقدان الأمل بتحسن الوضع الزراعي.


وتمنى العروبة، في حديثه مع «الأيام»، من الجميع المشاركة في التخفيف من وضع المزارعين في الفيوش، وتقديم المساعدات اللازمة في إعادة بريق الزراعة أو على الأقل المحافظة على الموجود، ونخُص بذلك مكاتب وزارة الزراعة في المحافظة والمديرية وكل المنظمات الدولية والمحلية العاملة في النشاط الزراعي بتقديم الدعم الفني والمادي والمعنوي حتى تتعافى الزراعة في الفيوش وتعود لسابق عهدها.


لا شك أن منطقة الفيوش، والتي كانت تعد الماركة التجارية المنتشرة في عموم مناطق الجنوب، تعرضت كغيرها من المناطق لمؤامرة استهدفت الأرض والإنسان ومقدراته، والتي ما تزال مستمرة، وهو ما يستدعي من الجهات الحكومية والمحلية سرعة إنقاذ ما تبقى والحفاظ على الرقعة الزراعية وتقديم الدعم للمزارعين والجمعيات الزراعية ومحاربة التصحر، الذي بات ينخر في أراضي هذه المنطقة الخصبة بشكل مستمر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى