مرافئ الكلمات: وقفة مع الشاعر سالم العوسجي

> شوقي عوض

> ما يلفت النظر في قصائد الشاعر سالم عيدروس العوسجي هو ذلك التناغم المموسق والمهموس بالصدق في الصورة الشعرية وشفافيتها في استكناه أغوار الذات الإنسانية، وفي كافة أبعادها وجوانبها الجمالية والفنية سواءً أكان ذلك منها الحسية أو الوجدانية... إلخ.
ونجد ذلك جلياً وواضحاً كما فعل في القصيدة المهداة إلى روح الشهيد البطل جعفر محمد سعد محافظ عدن سابقاً، والموسومة بعنوان: (كان يبكي) والتي يقول فيها:

كان سائرا في صحاري فكر أمه
مزقت كل الدفاتر
في ظلام الليل يجري
خلف أحلامه
يغامر...
وقد تجلى ذلك اليقين بالخطاب الشعري الواضح والعلني المباشر، المليء بالمناشدة والاستنكار والداعي إلى قراءة الواقع بصورة صحيحة وإعادة صياغة وجدانه الإنساني بشكل عام وبما يتناسب مع متغيرات الحياة الجديدة، والتي أصبحت ترهق كاهل إنسان هذا العصر وواقعه المجتمعي والأمة...
لهذا يقول:

هكذا كان المقدر
مات جعفر..
برصاصات ملوثة حقيرة
تنطوي صفحة من المجد البطولي الفريد
والبقاء لله في هذا الوطن...
بهذا التخاطب الشعري خاطب الشاعر سالم العوسجي قتلة النهار ممن اعتادوا على قتل كل ما هو جميل ورائع في هذا الوطن، رغبة منهم بالعودة لأحلامهم وإلى ظلام الليل ودياجيره المليئة بالتخلف والجهل ونعيق الغربان في رؤية شعرية جديدة تتخذ لها من فلسفة الألم والآمال محوراً أساسياً في الإبداع الشعري ومن خلال تداعيات الأحداث وتذويبها وبإتقان ينمُّ عن حنكة شاعرية ودربة في الشعر وتطويعه في خدمة الأغراض الشعرية، وذلك ما وجدناه في هذا المقطع الشعري:

مهد للنهار صاغ من فتية بلا زاد الحروب
جيشه الباسل وخطط للهجوم
خاض حرباً ضد أعداء النهار...
في هذا المقطع الشعري يكفي أن نقف قليلاً أمام ما كان يحلم به شهيد الوطن الكبير جعفر محمد سعد ويخطط له في البناء لمستقبل الوطن، ونتأمل كيف صاغ الشاعر العوسجي رؤى الأحلام المناسبة كالتراتيل عند فقدانه للشهيد جعفر محمد سعد للخروج من ليل الجهالة والظلام وما صاحبه من حزن مشبوب مهموس بالموسيقى وبالشاعر الأكثر التصاقاً وحساسية بالواقع وما رافق هذا الإحساس من إرواء بدمائه الطاهرة والزكية تربة هذا الوطن وعلى وجه الخصوص المدينة التي أحبها (عدن).

وبعيداً عن المغالاة بالقول سنكون مجانبين للصواب إذا ما قلنا بأن قصائد الشاعر سالم عيدروس العوسجي ومنها هذه القصائد (الشرنقة) (أعراض) (الله رحيم)، والتي نأخذ منها ومن قصيدة (الشرنقة) هذا المقطع الصغير والتي يقول فيها:
إلى كل من عانق الأمنيات
ورفرف كالحلم في قوقعة
وزفت له في الليالي النجوم
ومع كل نجمة أتت زنبقة
أحقاً تعرت لك الزنبقات
وشاهدت أثداءها العاشقة...
إضافة إلى جانب القصيدتين المذكورتين آنفا (أعراض) (الله رحيم) تلامس في معظمها الشجن اليومي والحزن الإنساني وتنبذ ظاهرة العنف بكافة أشكاله وألوانه وتحارب العبثية والفساد مهما كان صغر أم كبر.

وتدعو إلى إحلال السلام والوئام بالعدالة في الحب وبالجمال الإبداعي والسمو في الأخلاق الراقية والإنسانية...
باعتبارها شكلاً له نقطة ارتكاز في تجربته الشعرية ناهيكم عن السليقة الفنية التي يتمتع بها الشاعر في قصائده والقدرة المطبوعة على التعبير في فن القول الشعري.. الجارية مجرى اللغة وموسيقى الشعر والصور المحسوسة والتي تتألف منها حروف الكلمات، وبعبارة أدق معاني المفردات من الألفاظ المجردة والمحسوسة...
بين الشعر والشاعر والمتلقي والتي تترك أثراً في النفس وتشكل أنموذجاً يحتذى به في مكارم الأخلاق والمناقب الإنسانية الحميدة.

والخلاصة لقد جاءت قراءتنا الانطباعية هذه مع استعراض موجز لنماذج شعرية لقصائد الشاعر سالم عيدروس العوسجي، نظراً لما أحسسناه من ملامسات واقعية لإرهاصات الحياة وإنسانها المرهف والمعاصر للأرض والبيئة والواقع المؤلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى