المغلوب على أمره يواجه التحديات لوحده

> كتب/ د. عبدالله الشعيبي

>
نقصد بالمغلوب على أمره الريال اليمني الذي تُرك وحيداً يواجه تحديات صعبة وخطيرة بعيداً عن غياب رؤية إستراتيجية شاملة لمعالجة كافة المشاكل التي تواجه البلد سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو غيرها، دون أن يدرك أصحاب القرار أن عملة أي بلد هي رمز البلد وأي انهيار لهذا الرمز هو انهيار للبلد، ومن لا يفكر بأي معالجات إستراتيجية لوقف هذا الانهيار سواء كان طبيعيا أو غير طبيعي فهو لا يعرف بعد أبجديات الاقتصاد بل والسياسة.

ما يعانيه المغلوب على أمره أمر لا ينبغي السكوت عنه من مختلف الأطراف والجهات والأفراد، فوضعه لا يسر أحدا ولا ينفع أحدا حتى لو كان من أصحاب القرار والمال والأعمال... المغلوب على أمره يتطلب البحث الجاد عن مكامن الخلل وكيفية إخراجه إخراجا عمليا وعلميا بعيداً عن العشوائية والأنانية والمناكفات الشخصية، فالكل يتحمل مسؤولية الوضع الذي وصلت إليه البلاد وأولها الريال.
إن السقوط المخيف للريال له مبرراته العملية والواقعية، لكن أن يرافق ذلك السقوط بسقوط إداري وسياسي واقتصادي غير مبرر لكنه مدعاة للقلق والتوتر، كون المعني بالأمر هو المسؤول الأول والأخير عن ذلك السقوط الذي لم يحسبوا له حسابا، ولم يقدموا على اتخاذ الإجراءات المناسبة لوقف السقوط أو كأنهم يقولون «نحن ما لنا علاقة»، وكل هذا يعني أن القائمين على الشأن العام يفتقرون إلى المعرفة العلمية والإستراتيجية لمواجهة مثل تلك التحديات.

إن انهيار الريال كان أمرا متوقعا على الأقل للمختصين اقتصاديا وربما لعامة الناس، وذلك لتعطل معظم النشاط الاقتصادي للبلاد بسبب الحرب وغياب وتسرب الاحتياطات النقدية من العملات الأجنبية من السوق الرسمي ولجوء الكل للسوق الموازي، أي السوق السوداء، فكانت المضاربات أمرا لا بد منها لتغطية احتياجات السوق المحلية سواء للأفراد أو للمؤسسات من دون أي معالجات إستراتيجية وواقعية وكل ما تم من معالجات فهي معالجات مؤقتة لن تنفع ولن تعيد الهيبة والمكانة السابقة للريال ما لم تتوفر الجرأة والحنكة السياسية والإدارية والاقتصادية في مواجهة التحديات التي تواجه البلد وعملته الوطنية... إن الأمر وبكل صراحة يتطلب وحدة الأداة والقرار الاقتصادي، فحين يتخذ البنك المركزي قرارا بسعر صرف معين عليه أن يلتزم بذلك القرار ويدافع عن قراره ويرفض تدخل الجهات الأخرى مهما كان دورها ومهامها، ومن حق البنك كصاحب قرار في تحديد سعر الصرف أن يمنع أي تدخل في قراره أو تعلن قيادته عن فشلها واستقالتها خير لها من الاستمرار في الفشل إلى ما لا نهاية، فالتاريخ لن يغفر لها فشلها ولا صمتها ولا تهاونها في مثل هذه الحالات، فالمسؤولية ليست شرفية هنا بل مسؤولية وطنية وأخلاقية بالمقام الأول والأخير.

كان ينبغي على البنك المركزي أن يطالب الحكومة والرئاسة بالحفاظ على رمز البلد ومنع صرف الرواتب وغيرها بالعملة الأجنبية بل بالعملة الوطنية، ومن لا يروق له ذلك فعليه أن يعتزل الوظيفة العامة، والحال يطبق على توريد موارد مؤسسات الدولة إلى حساب البنك المركزي ولو بقوة القانون... ومن حق البنك المركزي إبداء رأيه في أي تعيينات تتم تنتج عنها المزيد من الإنفاق المالي غير المبرر، لا أن يبقى متفرجا كأن الأمر لا يعنيه وخوفا أن تطاله أي تغييرات، وبذلك يكون قد ساهم ولو بصورة غير مباشرة أو مباشرة في المزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية ومنها وضع العملة الوطنية.

الوضع الحالي يتطلب إجراءات تقشفية يجب على البنك المركزي مع الحكومة القيام بها قبل أن تتعقد الحلول ويصبح من الصعوبة معالجتها، والغريب أن المركزي أصبح مثله مثل أي بنك تجاري أو مؤسسة صرافة عادية التي ربما تكون أكثر كفاءة في عملها.
المغلوب على أمره لا يحتمل المزيد من الضربات والانتكاسات كما هو الحال مع الشعب المغلوب على أمره، ومن لا يعرف مسؤولياته ولا واجباته عليه الرحيل.

*كاتب وباحث اقتصادي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى