جريفيثس.. مباحثات صنعاء من الصفر إلى الصفر

> «الأيام» غرفة الأخبار

>  غادر المبعوث الأممي مارتن جريفيثس، أمس الثلاثاء، صنعاء متوجهاً إلى الرياض بعد زيارة استمرت يومين، وفقاً لما نقلته وكالة الأناضول التركية عن مصدر ملاحي في مطار صنعاء.
وقال المصدر: «إن جريفيثس غادر المطار متوجهاً إلى الرياض ولم يدلِ بتصريحات في ختام زيارته» دون التطرق إلى مزيد من التفاصيل.

يأتي هذا بالتزامن مع هجوم شنته الشرعية اليمنية على جريفيثس واتهمته بـ«عدم الجدية» بالتعامل الحازم مع الحوثيين في تنفيذ اتفاق السويد في الحديدة، وهو ما يبدو أنه رد على بيان مشترك لجريفيثس ووكيل الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، أمس الأول الإثنين، حيث ثمّنا فيه جهود الحوثيين لإعادة فتح الطريق إلى مخازن القمح جنوبي الحديدة.
ومن المقرر أن يلتقي جريفيثس في الرياض الرئيس عبد ربه منصور هادي، ومسؤولين آخرين في حكومة «الشرعية»، لمناقشة تطورات الأزمة والعمل على تنفيذ اتفاق ستوكهولم.

وكان المبعوث الأممي وصل، الإثنين، صنعاء قادماً من العاصمة الأردنية عمّان، التي يتواجد فيها مكتبه، للتشاور مع حكومة الحوثيين ورئيس فريق المراقبين الدوليين الدنماركي مايكل لوليسغارد، حول سبل تنفيذ اتفاق ستوكهولم.
وهذه الجولة للمبعوث الأممي تأتي ضمن سلسلة زياراته المكوكية الرامية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من اتفاق السويد المبرم بين الجماعة الحوثية والحكومة اليمنية، لاسيما ما يخص إعادة نشر القوات في الحديدة والانسحاب من المدينة والموانئ الثلاثة.

وترافقت زيارة جريفيثس مع وصول كبير المراقبين الأمميين الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد، إلى صنعاء قادماً من عدن، حيث التقى جريفيثس وأطلعه على تفاصيل الخطة الأممية المبدئية التي توصل إليها مع ممثلي الجماعة الحوثية والحكومة الشرعية الأسبوع الماضي، على متن السفينة الأممية في الجولة الثالثة من اللقاءات.
وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء  أن «المبعوث الأممي كان قد أجّل زيارته لصنعاء من يوم الأحد إلى الإثنين بناءً على طلب الجماعة الحوثية، التي اشترطت إصدار بيان ينفي الاتهامات الصريحة التي وجهها إلى الجماعة وكيلُ الأمين العام للأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية مارك لوكوك، الخميس الماضي، بشأن عرقلة وصول الفرق الأممية إلى مخازن القمح وقصف صوامع مطاحن البحر الأحمر في الحديدة».

وقالت المصادر: «إن إصرار الحوثيين على تبرئة ساحتهم في بيانٍ أخفّ لهجة، كان الباعث الحقيقي خلف صدور بيان مشترك للمبعوث الأممي جريفيثس، ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة مارك لوكوك أمس الأول، بالتزامن مع وصول الأول إلى صنعاء».
وجاء في البيان، الذي بثه الموقع الرسمي للأمم المتحدة، تجديد التحذير من تلف كميات القمح المخزنة في الحديدة دون إمكانية الوصول إليها منذ خمسة أشهر دون توجيه اللوم المباشر إلى الحوثيين كما جاء في البيان السابق الصادر من قِبل لوكوك.

وقال البيان: «إن الحاجة الملحّة إلى وصول الأمم المتحدة إلى مطاحن البحر الأحمر الموجودة في الحديدة تتزايد يوماً بعد يوم، حيث إن الحبوب التابعة لبرنامج الأغذية العالمي المُخَزنة في المطاحن، والتي تكفي لإطعام 3.7 مليون شخص لمدة شهر، معرّضة لخطر التعفن، ولم يكن بالإمكان الوصول إلى مكان تخزينها منذ أكثر من خمسة أشهر».
وذكر البيان: «إن الأمم المتحدة تعمل في الوقت نفسه على توسيع نطاق تقديم المساعدات الغذائية إلى ما يقارب اثني عشر مليون شخص من الذين يعانون؛ لتأمين احتياجاتهم اليومية من الغذاء في جميع أنحاء اليمن، وأن الهم الرئيسي هو بقاؤهم على قيد الحياة وسلامتهم».

وأضاف: «وإننا متشجعون بتعاون كل الأطراف في الآونة الأخيرة بالعمل مع الأمم المتحدة على الأرض؛ من أجل تهيئة الظروف اللازمة لفريق العمل للوصول إلى المطاحن دون مزيد من التأخير».
كما لم ينسَ بيان الاسترضاء الأممي التنويه بتأكيد الحوثيين «التزامهم بتنفيذ اتفاقية الحديدة، وتقدير ما وصفه بجهودهم» السابقة لإعادة فتح الطريق المؤدي إلى المطاحن، والتي جرت «في ظل ظروف صعبة وخطيرة» على حد قول البيان. وأكد البيان الأممي أن «ضمان الوصول إلى المطاحن هو مسؤولية مشتركة بين أطراف النزاع في اليمن، حيث إن تمكن الأمم المتحدة من الوصول الآمن وغير المقيد والمستدام، سيجعل هذه الأغذية الضرورية متاحة للأشخاص المحتاجين».

وكان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لوكوك، قدْ اتهم الجماعة الحوثية صراحةً في بيانه السابق بالمسؤولية عن عرقلة وصول الأمم المتحدة إلى مستودعات القمح الواقعة في مناطق سيطرة القوات الحكومية، إلى جانب تأكيده تعرض صومعتين للقصف الحوثي بقذائف الهاون، وهو ما تسبب في إثارة غضب قيادة الجماعة الذين وصفوا تصريحات لوكوك بأنها «أكاذيب مقززة».
وأعرب لوكوك، في بيانه السابق، عن القلق البالغ بشأن عدم قدرة الأمم المتحدة، منذ سبتمبر 2018، على الوصول إلى المطاحن التي توجد بها حبوب تكفي لإطعام 3.7 مليون شخص لمدة شهر.

وقال: «إن كميات الحبوب المخزنة في الصوامع في مطاحن البحر الأحمر منذ أكثر من أربعة أشهر قد تتعرض للتلف، فيما يشرف نحو 10 ملايين شخص في أنحاء اليمن على المجاعة».
كما أشار إلى أن صومعتين تعرضتا الشهر الماضي للقصف بقذائف هاون سقطت في مجمع المطاحن الموجود في منطقة تسيطر عليها حكومة اليمن، إذ دمرت النيران، الناجمة عن القصف، كمية من الحبوب يُرجّح أنها تكفي لإطعام مئات الآلاف لمدة شهر.

وكانت الجماعة الحوثية قد أقامت عشرات الحواجز في شوارع الحديدة، مغلقةً بذلك أغلب الطرق الرئيسة باتجاه جنوب المدينة وشرقها إلى جانب قيامها بزرع آلاف الألغام في مختلف مداخل المدينة، وهو ما أعاق وصول الفرق الأممية ومنعها من الوصول إلى مخازن القمح. ورفضت الميليشيات خطة سابقة وضعها كبير المراقبين الأمميين السابق الجنرال الهولندي، باتريك كومارت، لفتح طريق «كيلو 16» في الجنوب الشرقي من المدينة لمرور قوافل المساعدات باتجاه صنعاء وبقية المناطق جنوب الحديدة، إلا أن الجماعة انقلبت على الاتفاق ورفضت فتح الطريق.

وفيما يرجَّح أن البيان المشترك الأخير لجريفيثس ولوكوك جاء لترضية الجماعة وامتصاص غضب قياداتها، انتقدت الحكومة الشرعية غير مرة التساهل الأممي مع الحوثيين، داعيةً إلى المزيد من الحزم من المجتمع الدولي والأمم المتحدة لإرغام الجماعة على تنفيذ اتفاق السويد وبخاصة الشق المتعلق منه بالانسحاب من الحديدة وموانئها.
وعلى الرغم من إعلان المبعوث الأممي تشكيل لجان مشتركة بشأن وقف النار في محافظة تعز، وفتح المعابر من أجل مرور المساعدات الإنسانية وتسهيل حركة المواطنين، فإنه لم يحدث أي تقدم حتى الآن في هذا الملف.

ومن المتوقع أن يعود فيه كبير المراقبين الأمميين إلى الحديدة، لاستكمال المشاورات العائمة على متن السفينة الأممية مع ممثلي الحكومة والحوثيين ضمن مساعيه لإنجاز آلية نهائية وجداول زمنية لتنفيذ إعادة الانتشار وإخلاء المدينة من المظاهر المسلحة وفتح الطرق والممرات الآمنة.
وعلى الرغم من مضيّ نحو شهرين منذ توقيع اتفاق السويد بين الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية وانتهاء المدة التي كانت مقررة لتنفيذ الاتفاق بشأن الانسحاب من الحديدة وموانئها وهي واحد وعشرون يوماً، فإن المساعي الأممية لم تتوقف، أملاً في إنقاذ الاتفاق من الانهيار.

ويفترض أن يقود اتفاق السويد إلى انسحاب الحوثي من مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة (الحديدة، الصليف، رأس عيسى)، وأن يتم إنهاء المظاهر المسلحة في المدينة وفتح الطرق وإزالة الحواجز العسكرية الحوثية تحت إشراف الأمم المتحدة، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية القادمة من ميناء الحديدة باتجاه مختلف المناطق.
وبلغت خروقات الجماعة الحوثية منذ سريان وقف إطلاق النار في 18 ديسمبر الماضي، أكثر من ألف خرق - حسب ما تقوله حكومة الشرعية- وهي الخروقات التي تسببت في سقوط نحو ستمائة قتيل وجريح.

ولن تكون خطة إعادة انتشار القوات المعضلة الوحيدة أمام الجنرال الدنماركي، إذ إن الملف الأصعب -وفق أغلب المراقبين- هو تحديد هوية السلطة المحلية الإدارية والأمنية التي ستدير المدينة والموانئ الثلاثة. وفي الوقت الذي يريد الحوثيون أن ينفذوا انسحاباً صورياً من المدينة وموانئها لمصلحة عناصرها المعينين في مفاصل المؤسسات بمزاعم أنهم هم السلطة المحلية،
إذ تصرّ الحكومة الشرعية من جهتها على نشر قوات الأمن التابعة لها وإعادة الشأن الإداري والأمني للسلطة المحلية التي كانت قائمة قبل الانقلاب الحوثي على الشرعية في 2014.

إلى ذلك هدد وزير الإعلام في الحكومة معمر الإرياني، في سلسلة تغريدات له على «تويتر»، بأن «صبر الحكومة على هذا التلاعب لن يطول».
وقال: «إن البيان المشترك للطرفين، يناقض التصريحات السابقة لمارك لوكوك، الذي حمّل الحوثيين المسؤولية عن منع تفريغ مخزون القمح في مطاحن البحر الأحمر، وعرقلة فتح خطوط آمنة للإمدادات الغذائية».

وعدّ الإرياني البيان «انحيازاً واضحاً وفاضحاً لا يجب السكوت عنه؛ كونه يخالف الواقع على الأرض، حيث تستمر المليشيات الحوثية منذ شهرين في تعطيل تنفيذ اتفاقية السويد بشأن الوضع في الحديدة، وإعاقة إعادة الانتشار».
وأضاف أن البيان يتجاهل كل الجهود والتنازلات التي قدمتها الحكومة، والتحالف العربي لتنفيذ الاتفاق، واصفاً ذلك بـ «المؤسف».

وأفاد الوزيرالإرياني أن مضمون البيان «يؤكد رضوخ المبعوث الأممي إلى اليمن لابتزاز وضغوط المليشيا الحوثية، التي تمنع حتى اللحظة وصول الإمدادات الإغاثية للمواطنين، وتهدد بتفخيخ الميناء ونسفه».
ووفق الإرياني فإن «البيان تجاهل التزام الحكومة بتنفيذ اتفاق السويد، وبذلها كافة الجهود لتسهيل مرور المساعدات الإنسانية استشعاراً بمعاناة المواطنين».

وطالب المبعوث الخاص إلى اليمن، وفريق المراقبين الدوليين في الحديدة، بضرورة تحديد الطرف المعرقل لتنفيذ الاتفاق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى