بعد أن تسببت الحرب بإتلاف المحاصيل الزراعية.. يقتات مزارعو اليمن على أوراق الأشجار

> «الأيام» عن «ميدل إيست آي»

> توقف عبدالله الوصابي عن ممارسة مهنة الزراعة خلال سنة 2015 بسبب الزيادة في أسعار الوقود الناجمة عن الحرب، وقد غادر البلاد من أجل البحث عن عمل في المملكة العربية السعودية.
فيما اعتاد خالد عبدالله أصيل من محافظة حجة، والبالغ من العمر 33 عاماً، على العمل في المزارع التي ورثها عن والده، وقد كان يزرع الطماطم والبصل والبطاطس والذرة، علاوة على أنواع أخرى من الخضار والحبوب، حيث لم يتبادر إلى ذهنه قط أنه سيجد نفسه عاطلاً عن العمل ومعتمدًا على مساعدة الآخرين.

لكن يعد كل شيء ممكناً لاسيما عندما يكون بلدك غارقاً في الصراعات، وقد تسبب اندلاع الحرب في البلاد سنة 2015 في قلب حياة المزارعين رأساً على عقب في مدينة عبدالله، وتجدر الإشارة إلى أن حجة تعتبر منطقة ريفية واقعة على بعد 127 كيلومتراً من صنعاء، تحديداً في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون.
دخل المتمردون الحوثيون في حرب مع القوات التابعة للحكومة، والتي تتلقى دعماً من قِبل التحالف الذي تقوده السعودية منذ سنة 2015، وفي حديثه إلى موقع “ميدل إيست آي”، قال عبدالله: “لقد اعتدت على إعالة أسرتي بالاعتماد على مهنة الزراعة، لكن في سنة 2015م، ارتفعت أسعار الوقود إلى أكثر من الضعف، ولم أعد قادرًا على شراء الوقود اللازم لتزويد مضخة المياه، وبالتالي أصبحت أرضي قاحلة،” مضيفاً: “لقد بذلت قصارى جهدي لجلب المياه إلى الحقول باستخدام (جراكن) الماء، ولكن دون جدوى، وقد فقدت مصدر رزقي الوحيد نتيجة أسعار الوقود الباهظة”.

وفي سياق متصل، ارتفع سعر 20 لترا من وقود الديزل من 2500 ريال يمني، أي ما يعادل 10 دولارات، ليتجاوز 12 ألف ريال يمني أي 48 دولارا خلال سنة 2015م، وعلى الرغم من انخفاض هذه الأسعار حالياً وبلوغها سبعة آلاف و700 ريال يمني (30 دولاراً)، إلا أن السعر ما يزال مرتفعاً بالنسبة للمزارعين.
في حين اعتاد عبدالله أن يرسل المحصول الذي يحصده من مزارعه إلى مناطق مختلفة من البلاد، أصبحت منطقته الآن في أمس الحاجة إلى الطعام، وفي هذا الصدد، علّق عبدالله بالقول: “لطالما استخدمت المحاصيل المتأتية من مزارعي لتزويد العديد من المحافظات، ولم أكن في حاجة إلى مساعدة أي كان، لكن انقلبت كل الموازين في الوقت الحالي”.

ارتفاع بأسعار الوقود
وشهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً بنسبة 150 % منذ نشوب الصراع اليمني، مما أدى إلى حالة من انعدام الأمن الغذائي لدى حوالي 20 مليون يمني، وفي ظل غياب الحصاد، أو أي مساعدة من طرف إدارة الحوثي، تدخلت مجموعة من المنظمات الدولية غير الحكومية، في محاولة منها لتدارك الوضع.
حيال هذا الشأن، أفاد عبدالله: “لقد كنا بانتظار المنظمات لتوفر لنا بعض المواد الغذائية التي تبقينا على قيد الحياة، وقد واجه معظم المزارعين المعاناة نفسها، تمثل المنظمات الآن المصدر الرئيسي للرزق، حيث تمد يد المساعدة للكثيرين في منطقة حجة، ومع ذلك، ما زلنا نعاني من نقص في المساعدات؛ إذ لا يحصل جميع المحتاجين على الطعام”.

في هذا المعنى، أورد عبدالله: “عادة ما تلجأ بعض العائلات، بما فيهم عائلتي، إلى التغذي على أوراق نبتة “الهالاس”، لذلك فإنني أدعو المنظمات الدولية غير الحكومية، إلى مضاعفة جهودها في محافظة حجة”.
وتعتبر نبتة “الهالاس” نوعاً من أنواع النبات المتسلق ذات أوراق لامعة وجلدية الملمس.

وفقاً لمنظمة اليونيسيف، يعاني 1.8 مليون طفل يمني في الوقت الحالي من سوء التغذية، 400 ألف منهم يعانون من “سوء التغذية الحاد ويحتاجون بشكل عاجل إلى غذاء ينقذ حياتهم”.
قديماً، وعندما اجتاحت المجاعة البلاد، تعود اليمنيون على تناول أوراق الأشجار، تماماً كما هو الحال الآن بالنسبة للأسر التي تعيش في المناطق الريفية على غرار محافظة حجة، والتي تلجأ إلى غلي أوراق الأشجار وأكلها.

انقطاع المرتبات
إلى جانب أولئك الذين يعيشون على الزراعة، يعتمد سكان منطقة حجة، الذين كانوا يتلقون مرتبات بصفتهم موظفين في القطاع العمومي، أيضًا على المساعدات، وقد قال جمال، الذي يعمل مدرسًا في هذه المنطقة، لموقع “ميدل إيست آي”: “لقد تغيبت الحكومة عن محافظة حجة منذ أغسطس سنة 2016، أي منذ تلقينا الراتب الأخير، ونحن نعتمد اليوم على المنظمات الدولية غير الحكومية لمساعدتنا على توفير الغذاء، دون دعم المنظمات الدولية غير الحكومية، سوف نتضور جوعًا حد الموت، وقد وصل بعض الأطفال في محافظة حجة إلى هذه الحالة بالفعل”.

كما أوضح جمال أن “الأزمة الحالية تركت معظم سكان محافظة حجة ومحافظات أخرى عاطلين عن العمل، على الرغم من أنهم ينتمون إلى الفئة الشابة ويعتبرون في أوج عطائهم”، داعياً  “المنظمات الدولية غير الحكومية إلى الاستمرار في تزويد أبناء المحافظة بما يكفي من الغذاء، حتى يتقلون مرتباتهم ويستأنف المزارعون أعمالهم”.


الفرار من المحتاجين
في أكتوبر الماضي، أسست السلطات الحوثية في صنعاء، الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث، التي تتكون من نواب من 12 وزارة، وتعمل تحت قيادة مسؤول مكتب رئاسة الجمهورية، وفضلاً على ذلك، تشرف الهيئة على عمل المنظمات الدولية غير الحكومية ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وتُزوّدها ببيانات حول عدد الأشخاص المصابين والمناطق الأكثر تضرراً.

وأوضح المشرف على السلطة في محافظة حجة، عبدالرحمن المؤيد، لموقع “ميدل إيست آي” أنه “يوجد بعض الأشخاص اليائسون في حجة الذين لا يمتلكون أي مصدر للدخل، وأن المساعدات التي تصل إلى بعض المناطق التي لا تكفي جميع المحتاجين، وبالتالي لجأوا إلى أكل نبتة الهالاس”.
وقال: “المنظمات الدولية غير الحكومية تمثل المصدر الرئيسي للدخل، ولا أحد يستطيع إنكار دورها في مساعدة اليمنيين، ولكننا نأمل أن تقدم لنا المزيد من المساعدات حتى نستطيع تغطية جميع الاحتياجات”. وكذلك، اعترف أنه أحياناً يتعمد تفادي المحتاجين لأنه يشعر بالحزن عندما يطلب منه الناس المساعدة، لكنه لا يقدر على توفيرها في المقابل.

حققت حلمي
يزرع عبدالله الوصابي، وهو مزارع يبلغ من العمر 35 سنة من قرية الأنسي في منطقة بني قيس في محافظة حجة، أنواعاً مختلفة من الخضار، مثل الطماطم والبصل والفجل والجرجير والحبوب، وكان يعمل في مزرعته منذ أن كان طفلاً، ولكنه لم يتخيل أن تلك الأراضي قد تصبح يوما ما قاحلة.
وبفضل مساعدة منظمة دولية غير حكومية، استطاع الوصابي اليوم استئناف عمله الزراعي، الذي يمنحه دخل يمكّنه من تغطية احتياجات أسرته.

كما هو الحال مع العديد من المزارعين الآخرين، توقّف الوصابي عن الزراعة في سنة 2015 بسبب الزيادة في أسعار الوقود، وانطلق للبحث عن عمل في المملكة العربية السعودية، وبقي هناك لبضعة أشهر فقط قبل العودة إلى اليمن، حيث انقلب الوضع لصالحه. وأفاد الوصابي: “خلال السنة الماضي، دعمتنا منظمة رؤية الأمل الدولية من خلال تقديم البذور، كما أصلحت البئر وأقامت صهريج مياه ومدتنا بمضخة وطاقة شمسية ووفرت لنا أيضاً شبكة لتوزيع المياه”.

اليوم، أصبحت المياه تصل إلى العديد من المزارع في المنطقة، بما في ذلك مزرعة الوصابي، الذي تمكن من استئناف الزراعة، ومن كسب دخل يمكنه من تلبية احتياجات أسرته، وقد أكد أن “منظمة رؤية الأمل الدولية تمكنت من تحقيق حلمه، كما أصبح اليوم يتلقى المياه مجاناً، ونتيجة لذلك، استأنفت العديد من المزارع الأخرى عملها اليوم”.
تُعَد منظمة رؤية الأمل الدولية واحدة من المنظمات غير الحكومية التي شرعت في دعم المزارعين، وفق الفرضية التي تفيد بأن مساعدتهم على كسب العيش الكريم لهم ولأسرهم هو حل أفضل من مجرد تزويدهم بالغذاء. وفي هذا الإطار، أوضح رئيس لجان المجتمع في قرية الأنسي، كامل صلاح، أن المشكلة الرئيسية تتركز حول المياه والبذور.

ذكر صلاح لموقع “ميدل إيست آي” أن “معظم سكان هذه المنطقة هم في الواقع مزارعون، لكنهم غير قادرين على شراء الوقود لمضخات المياه، لذا تتدخل المنظمات لمساعدتهم على استئناف عملهم الزراعي. وعلاوة على ذلك، شرعت بعض المنظمات الدولية غير الحكومية في مساعدة المزارعين، وفي ظل هذا التغيير، نأمل أن تستعيد الزراعة في حجة مجدها كما كانت عليه قبل الأزمة”.

فضلاً عن ذلك، يعتقد عبدالله، وهو مزارع أيضاً، أن المنظمات الدولية غير الحكومية هي الوحيدة القادرة على مساعدته في الوقت الحالي، إذ قال: “إن مساعدتنا في ترميم بئر وتزويدنا بمضخة أو طاقة شمسية أفضل من مدّنا بالغذاء، كما أنني آمل أن أستأنف عملي الزراعي حتى أتمكن من مساعدة المحتاجين بدلاً من انتظار المساعدة من المنظمات الدولية غير الحكومية”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى