قصة قصيدة: مواطنون دونما وطن

> محمد حسين الدباء

>
​لعل هذه القصيدة تعد من أروع ما قال نزار قباني من معان في شعره السياسي، وكادت أن تودي بحياة نزار قباني، خاصة وأن في زمنه كثر فيه الشعراء المداحين والمطبلين والغوغائيين، وقد أحدثت يومها ضجة كبيرة داخل الأوساط الأدبية والثقافية العربية لجرأتها، وتم التعتيم عليها، ومنعت من النشر في الصحف والمجلات، وصودر الشريط الذي سجلت عليه في مكتب لطيف نصيف جاسم وزير الثقافة العراقي آنئذ كي لا تتسرب.

قصيدة (مواطنون دونما وطن) التي تحكي بصدق وحرقة وشفافية عن واقع الشعوب العربية دون مباشرة ودغدغة للمشاعر السياسية المكبوتة داخل كل مواطن عربي، فهو في هذه القصيدة يتحدث بالنيابة عن الجميع وعن كل كائن يشعر بالاغتراب داخل أسوار الوطن التي باتت تشبه أسوار السجن.
والقصة أن نزار قباني كان قد ألقى قصيدته هذه لأول مرة في مهرجان المربد الخامس عام 1985 بالبصرة بحضور أعضاء وزارة الإعلام العراقيين الذين سببت لهم إحراجا عظيما، خاصة أنهم كانوا ينتظرون شعرا غزليا رقيقا عاطفيا من شاعر كبير عهد فيه أنه لا يكتب سوى عن المرأة وغنجها ودلالها، ليفاجئهم عندما وصل للمقطع “في مدن صارت بها مباحث الدولة عرّاب الآداب”، وأشار بيديه إلى كل الشعراء والمسئولين الجالسين في الصف الأمامي، ولولا أن شفاعة منزلته كشاعر عربي كبير، وقامته الاجتماعية، ووزنه الشعري المائز لكان لقي ما لقي من إهانة وتعنيف، خاصة في بلد عربي كالعراق تحسب فيه كل شاردة وواردة وكل نفس على صاحبها، ومباشرة بعد إلقاء القصيدة جاء من ينصح الشاعر الكبير بمغادرة العراق فورا دون إبطاء، وقبل أن يصل الأمر إلى الجهات العليا فيكون ما لا تحمد عقباه. ويقال إن طارق عزيز هو الذي تدخل بدل وزير الثقافة ونصح نزارا بالمغادرة فورا حفاظا على سلامته.
مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن
مسافرون دون أوراق.. وموتى دونما كفن
نحن بغايا العصر
كل حاكم يبيعنا ويقبض الثمن
نحن جواري القصر
يرسلوننا من حجرة لحجرة
من قبضة لقبضة
من مالك لمالك
ومن وثن إلى وثن
نركض كالكلاب كل ليلة
من عدن لطنجة
ومن عدن الى طنجة
نبحث عن قبيلة تقبلنا
نبحث عن ستارة تسترنا
وعن سكن.......
وحولنا أولادنا
احدودبت ظهورهم وشاخوا
وهم يفتشون في المعاجم القديمة
عن جنة نظيرة
عن كذبة كبيرة... كبيرة
تدعى الوطن

****
معتقلون داخل النص الذى يكتبه حكامنا
معتقلون داخل الدين كما فسره إمامنا
معتقلون داخل الحزن.. وأحلى ما بنا أحزاننا
مراقبون نحن فى المقهى.. وفي البيت
وفى أرحام أمهاتنا !!
حيث تلفتنا وجدنا المخبر السرى في انتظارنا
يشرب من قهوتنا
ينام في فراشنا
يعبث في بريدنا
ينكش في أوراقنا
يدخل في أنوفنا
يخرج من سعالنا
لساننا.. مقطوع
ورأسنا.. مقطوع
وخبزنا مبلل بالخوف والدموع
إذا تظلمنا إلى حامي الحمى
قيل لنا: ممنـــوع
وإذا تضرعنا إلى رب السما
قيل لنا: ممنوع
وإن هتفنا.. يا رسول الله كن في عوننا
يعطوننا تأشيرة من غير ما رجوع
وإن طلبنا قلماً لنكتب القصيدة الأخيرة
أو نكتب الوصية الأخيرة
قبيل أن نموت شنقاً
غيروا الموضوع

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى