الموت في أدب الأطفال.. قصة (أشتاق.. أشتاق) أنموذجا

> د. فاطمة اللواتي

> الموت من أصعب الأمور على الشرح للأطفال. ولا يصعب الشرح فقط عندما يفقد الطفل أحد والديه أو جدّه أو جدّته، بل يبقى الأمر كذلك في كل مرة يسمع فيها الطفل أن شخصاً من معارفه قد مات. إلا أن التربويين والمتخصصين في المجال النفسي استفادوا من أدب الأطفال في معالجة هذه المسألة وتبديد المخاوف التي تنتاب الطفل عند فقد عزيز عليه.
تبيِّن الدراسات التي تتناول موضوع الموت في أدب الأطفال أن تصوّر الطفل للموت له أوجه متعدِّدة وفقاً للمراحل العمرية المختلفة، من الطفولة المبكرة حتى العمر المتوسط. ومن ضمن تلك الأوجه المتعدِّدة كما أشارت الدراسة، توجد ثلاثة أوجه مهمة:
1) إن الطفل يدرك أن الأشياء التي تموت لا ترجع إلى الحياة.
2) الموت لا بد منه لجميع الأحياء.
3) جميع أنشطة الأجسام تتوقف عند الموت.
في عالمنا العربي الذي نعيش فيه يوجد نقص كبير في قصص الأطفال التي تعالج مسألة الموت. لذلك فمن الطبيعي أن نفتقد إلى دراسات شبيهة كتلك التي أجريت في الغرب. إلاَّ أن استقراء الوضع الاجتماعي العام يجعلنا ندرك أن المجتمعات تتأثر بمعتقداتها الدينية في تقديم مفهوم الموت للأطفال. ففي مجتمعاتنا، يتعلَّم الأطفال منذ الصغر أن الموت مقترن بانتقال الفرد من هذه الحياة إلى الجنة. ومن الطريف أن الطفل لا يدرك مفهوم الجنة، لكنه يردِّد ما يقوله الآخرون له.

والألم في حدوده القصوى
وفي قصة (أشتاق.. أشتاق) للكاتبة ناهد الشوا، نلمس شعور الطفل (بطل القصة) بالاشتياق إلى والده الذي رحل عنهم. بجمل بسيطة وقصيرة يخبر الطفل الصغير الذي لا يتعدَّى عمره الخامسة معاناته التي بدأت بموت والده. وكانت معاناة شديدة حتى استطاع الطفل التعايش مع ألم الشوق والشعور بالفراغ.
يقول الطفل في بداية القصة: “رحل أبي.. عرفت أني لن أراه…”، ويواصل الطفل مبدياً ألمه “شعرت بحزن.. وجع عظيم أليم”. وصار الفراغ وجعاً يكبر ويلاحق الطفل كما يعبِّر الطفل عن نفسه. ثم يظهر الطفل شعوره ووجعه الذي يحاول أن يهرب منه، لكن الوجع كان يكبر ويكبر ويلاحقه.

هذه الحالة من الألم التي أظهرت الكاتبةُ الطفلَ فيها، تتناقض مع خصائص الطفولة. فالأطفال في سن الخامسة أو السادسة قادرون على إظهار الألم لفترة قصيرة، وليس كما أظهرت القاصة في أنه يتأقلم مع الألم من شدته وطول مدته، بحيث باتا يأكلان معاً ويذهبان إلى المدرسة معاً. والنقطة الأخرى التي بينتها الكاتبة هي شعور الطفل بالفراغ. إلا أن ذلك الشعور لم يظهر في البداية وإنما ظهر في القصة فجأة. وكان من الأفضل أن تركّز الكاتبة على شعور الطفل بالفراغ بدلاً من الألم والوجع منذ البداية فهذا سيجعل مشكلة الطفل تتماشى بشكل أفضل مع خصائصه. ولكانت انتهت القصة بطريقة جميلة تزرع الأمل عند الأطفال في أن كل تلك المعاناة تتلاشى تدريجياً.

وهناك عدد من الدراسات الغربية التي تناولت الموت في أدب الأطفال. فهو ليس موضوعاً حديثاً، وقد تم تناوله منذ الأربعينيات من القرن الماضي. والعدد الحالي لقصص الأطفال في هذا المجال يتعدَّى، حسب إحدى الدراسات، 150 قصة. إلا أن عدد القصص في العالم العربي (حسب اطّلاعي) لا يزال قليلاً. إنه تفاوت زمني كبير بين ظهور أدب الأطفال في العالم الغربي مقارنة له بالعالم العربي الذي يَعُدّ أدب الأطفال فيه حديث الولادة. وبسبب حداثة هذا الأدب، فإن كُتاب أدب الأطفال في العالم العربي قد يكونون في معظمهم ممن لم تتح لهم فرصة دراسة خصائص الطفولة أو التعمق فيها. فأهمية فهم ودراسة خصائص المرحلة العمرية للأطفال تُعد من الأمور الأساسية التي تسهم في وضع بوصلة المسار الصحيح عند الكتابة للطفل. ولو تم مراعاة ذلك عند الكتابة للطفل العربي، لشهدنا ازدهاراً في الأدب الموجَّه للطفل، وبمضامين متناسبة مع المرحلة العمرية للأطفال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى